الرسالة 12 .. 2008 .. " فرافيت .. تفاصيل و طلاسم في الحياة ""
نهى :
جارتي الطيبة الجميلة:
كان من الذوق أن أبدأ رسالتي بالديباجة التقليدية ب" وحشاني و مشتاقة لك" وكان من اللياقة أن أبدأ بالسلام والسؤال عن أخبارك و أحوالك.. كما كان من الضروري أن أستهل حديثي بالإطمئنان على صحتك أنت و منار و الدكتور، لكني سأكون أكثر صدقاُ - يا نهى - و أعترف أن سبب مراسلتي لك هو: أني تذكرتك اليوم .. و بالطبع، أشعر بحرج شديد كوني فكرت- أخيرا ً- في مراسلة جارتي اللصيقة بي في بيتي بالمعادي في مصر بعد مضي نحو سبع سنوات غربة في قطر.
أكررها .. تذكرتك اليوم بشدة .. فقد مضي ما مضى مني في الغربة.. إلا انه لم يحدث في يوم من الأيام أن يدق جرس باب بيتي هنا في الدوحة سوى مرات نادرة .. أما اليوم فقد تم طرق الباب مرتين!! تخيلي .. مرتين !! و هذا الحدث لم يحدث البتة منذ وطأت أقدامي شبه الجزيرة العربية !
إن الأمر كان أشبه بشعور سائق سيارة دبلوماسي وقعت له حادثتين في الطريق في نفس اليوم .. لذا فقد فزعنا في الطرقتين .. و مصطلح الفزع لم أستخدمه للمبالغة - يا نهى - و لكنها الحقيقة، فنحن لسنا معتادون هنا، سوى على سماع رنين الهاتف فحسب .. و إن رن.
في المرة الأولى لدق الباب سمعت دقات موازية.. أظنها دقات قلبي .. فانتفضت من صوت جرس الباب و كنت جالسة فشعرت أني" اتنطرت نطرة" استفاقت معها روحي .. و كان المفروض أن أذهب لأرى من بالباب .. فياسر كان يصلى المغرب.. إلا أنني تسمرت في مكاني و لم أستجب لإلحاح محمود ابني بالتحرك لفتح الباب.. و تذكرت سورة الطارق و دعيت دعاء " إلا طارقا يأتي بخير.." و مرت لحظات .. سمعت فيها صوت فتح الباب وغلقه.. ثم دخل علينا ياسر و في يده شيء ! ولم نكن نتوقع أن يأتينا زائر أو طارق .. أما أن يكون طارق مضاف إليه كعكة.. فالأمر على نحو غريب و يحتاج لشرح طويل لأنه شاذ على قواعد الحال!!
الشقة الوطن!
فحالنا ككثير من المغتربين.. يتصف بالانطوائية والعزلة و " كل جار في حاله".. فنحن - مغتربوا الخليج- نعيش في غربة داخلها غربة .. غربة عن الوطن و غربة عن الأهل و الأصدقاء و المعارف و الجيران .. و صدقي أو لا تصدقي يا نهى .. فقد تقلص معنى الوطن لدى بعض المغتربين ليصبح الوطن الواقعي هو الشقة التي يسكنون فيها !!! هذا هو الوطن الفعلي الذي يعيشون فيه بكرامة ! هو وطن بلا علم و ترابه مؤجر و شعبه مهجر و مواطنيه لا يشعرون على أرضه بالسيادة الكاملة ..
فالشقة أو البيت بمثابة وطن افتراضي للمغترب .. يمارس فيه حقوقه و يصرح فيه بآرائه دون خوف و دون شعور بالدونية أو العبودية.. و دون معاملة من الدرجة الثانية أو الثالثة..
وهل أملك القول- يا نهى-: أن المغتربين -أبدأ- لا ينسون الوطن بما فيه من أصول و جذور و قصور و بيوت و مراتع وملاعب.. قضوا فيها زمنأ كانوا يعتقدون حينها أن الزمن سيبقى و أن الوطن بكل ما و من فيه.. سيدوم؟ ثم يغمض الوطن عن المغترب عينه.. ليدرك المغترب لم يعد لديه من هذا الوطن سوى ذكرى وأطياف و رسوم.
كم قصور خالها الباني ستبقى و تدوم
ثابتات كالرواسي.. خالدات كالنجوم
سحب الدهر عليها ذيله فهي رسوم
ما لنا نبني و ما نبني لهدم؟
لست أدري
طلاسم ( أبو ماضي)
و مغتربوا الخليج عادة لا يملكون رفاهية إطلاق أمثال من نوعية " اختار الجار قبل الدار" و أعتقد أنه حتى بالنسبة للدول الطاردة لأبنائها، فإن ترف اختيار الجار أو الإقامة في عمارة سكانها كلهم أفراد في عائلة واحدة أو بناء بيت يعيش فيه كل الأبناء أصبح ترف تم نسيانه في هذا الزمن "المبارك" .. إلا - أننا مغتربوا الخليج - عادة ما نقتن بنايات حبلى بسكان من جنسيات شتى .. معظمهم أسيويين .. من الفلبين و أندونيسيا و الصين والهند و ماليزيا و نيبال .. وعندما انضم لبنايتنا ساكن سوري جديد لم نفرح و لم نحزن .. فقد تعلمنا كمغتربين أن نحيد مشاعرنا خشية أن تتضح في الأمور أمور .. لذا فمصطلح" مشاعر عدم الانحياز" مفهوم لدى عامة مغتربي دول الخليج !
لكن أذكر أنه كان لدينا جارة بحرينية متزوجة من قطري..أرق من النسمة و ألطف من العبير .. و كانت نافذة مطبخنا تجاور نافذة مطبخها بأقل من متر مربع .. تنبعث منه روائح طيبة من المكبوس و الثريد و المشخول، بالإضافة لعطور "دهن عود المشايخ" و بخور "جبل على " و راقية"..
كما كانت تناديني أحيانا لأرى ابنتها "غالية" من نافذة المطبخ لصغيرة.. إلا أنها ما لبثت أن تركت البناية بعد شهرين من قدومي لتستقل في بيت كبير في منطقة "الوعب".. و سكنت مكانها عائلة هندية تنبعث من مطبخهم رائحة التوابل الهندية التي لا أفهم حتى الآن لما أغرت إنجلترا بغزو الهند !
" ماذا؟ و إلا ! "
أيضاً سكن معنا ثلاث عائلات أردنية من جذور فلسطينية.. أذكر منها عائلة كان تتمتع برب أسرة ما أن تقابليه إلا و يتبادر في ذهنك عبارة" هو ماله.. في إيه؟ دائم العبوس .. حاد الطباع.. يمشي على الأرض مختنقا شاهرا ضيقه.. نظراته تقول " اتقوني و لا تقربوني"و كان لديه سيارتان .. أحدهما يضعها في " الباكية "المخصصة له تحت البناية و السيارة الأخرى يضعها "بوضع اليد" في الباكية المخصصة لنا.. و بالطبع لم نعترض وقتها لأننا لم نكن نمتلك سيارة في بداية إقامتنا في قطر .. إلا أننا كنا سنسعد أو لو شئت الدقة، لنقل كنا سنستريح أكثر لو قام الجار بالاستئذان قبل استخدام موقفنا .. خاصة انه موقف محدد لمستأجر العقار من قبل المالك و ليس موقف في الشارع .. و لكن جارنا هذا لم يستأذن يا نهى .. و في سنة من السنوات و قبل شراؤنا لسيارتنا.. قمنا باستئجار سيارة "هوندا سيفيك" من شركة" إيفيس" لمدة شهر.. تمهيدا لاستقبال مامي التي تأتي لزيارتنا في الصيف .. و عدنا سعداء بالسيارة للبيت.. وركناها في المكان المخصص لنا من قبل المالك .. و ذهبنا لجارنا لنخطره أننا نحتاج لموقفنا لمدة شهر.. و لكنه لم يكن موجود في البيت .. و للأسف لم يكن لدينا أرقام هواتفه.. لا هو و لا أي جار لنا في البناية.. و ثاني يوم نزلنا إلى الموقف لنجد جارنا وقد وضع لنا على نافذة السيارة ورقة إنذار و تهديد ووعيد مكتوبة باللغة الإنجليزية مفادها " ماذا؟ و إلا ! "
الثورة المنظمة
طبعاً - يا نهى- خفنا مما هو بعد ماذا و ارتعدنا من "و إلا ".. و حاولت تهدئة ياسر و أخبرته أننا لا بد أن نستوضح من جارنا و نوضح له .. و ذهبنا بالفعل للرجل و أخطرناه بالأمر و بأننا نحتاج الباكية المخصصة لنا لمدة شهر من تاريخه..
و كان رده:" و أنا وين أضع سيارتي الثانية؟!
و ثاني يوم فوجئنا بالرجل و قد ركن سيارته في الباكية المخصصة لنا و سافر لقضاء عطلة الصيف لمدة شهر و نصف في الأردن .. كما انه قام بالتنفيس عن الإطار الخلفي لسيارتنا.. و ربما كان هذا التصرف من جانبه تنفيسا أو تنفيذا لوعيده ب" و إلا "!
و لا أعلم كيف وفقني الله في تنقية دم ياسر الذي سممته أعمال جارنا هذا .. أعتقد أنني استخدمت سياسية جديدة "ستيكي للغاية" لا بد من تسجيلها باسمي .. اللهم لو كان هناك من يستخدمها دون علمي.. فلقد قمت بثورة عارمة و لكنها منظمة.. و طالبت ياسر بأن يصعد الموقف و نظام...
: لا لا لا يا ياسر .. ده ما يت سكت لوووووووووووش أبدا.. تولع.. الراجل زودها.. زودها يا ياسر..
و بدأ ياسر يقوم بتهدئتي و يذكرني بحقوق الجار و أجر الصبر عليه و التجاوز عن إساءته .. و أنا لا أهمد- يا نهى - وأثور و أجول و أخبره بما يفكر هو فيه
: لكن ما هي طيبتك دي و تسامحك هيخليه يعتقد انه يتصرف من موقف قوى و أننا ضعفاء
فيقول: ليه ثايرة كده يا داليا؟ أنت مكبرة الموضوع .. و بعدين ما يعتقد اللي يعتقده.. ربنا شاهد و مطلع.. و أنا عايزك تهدي و تذكري الله و ربنا فرجه قريب.. روقي أنت و كله بيعدي.
سبحان الله- يا نهى- قليل من الانفعال المخطط من جانبي قام بتهدئة زوجي تماما و روق له أعصابه و هذا و الله ما كنت أسعى إليه .. فلقد طالما جربت وسائل كثيرة مباشرة للتهدئة.. و لم تجد أو تفلح .. لكن أن تستنطقي الطرف الأخر بما تريدينه.. بتبني موقفه و الدفاع عنه بل و بالثورة عوضاً عنه ، يجعله حتما يهدأ.. لأنه يتأكد أن الجميع يرى الظلم ظلما و الحق حقا .. و هنا لا يشغل نفسه بإضاعة طاقته في إثبات حالة و إنما يتحول الأمر للسمو على هذه الحالة و لعب دور الشخصية الرزينة الحكيمة التي تتعالى على عملية التكالب للحصول على شيء ما، حتى لو كان حق مشروع باعتراف الجميع!
و رغم أن ياسر قد اضطر لدفع غرامة قدرها 500ريال لشركة" إيفيس" لأنهم رأوا خدوش بسيطة بالسيارة، نظرا لأنها قد تم " تلطيشها" من مجهولين، بما أنها لم يتم وضعها في جراج آمن .. إلا أنه لم يشر من قريب أو بعيد لجارنا فيما يتعلق بهذه الغرامة.
تراه- يا نهى- قد اقتنع أن الإحسان للجار لا يقتصر على إهداء كعكة في المناسبات و لكن الصبر على إيذائه.. أم تراه استعان بالصبر على جار السوء حتى يرحل أو .... ؟! ربما
الشاهد أننا بعد شراؤنا لسيارتنا في قطر .. واجهتنا مشكلة الركن ذاتها .. فخفت أن تنشب مشادة بين ياسر و جارنا .. فأشرت عليه بعدم جدوى الاتصال بالرجل أو إخطاره أو مناشدته بترك الباكية لنا.. و اقترحت عليه أن يتصل بالمالك ليقوم هو باللازم.. و قد كان .. و في اليوم الثاني .. ركنا في سلام .. و في الثالث ركنا في أمان و في الرابع، جاءني ياسر هاشا باشا بشيراً بأنه شاهد علامات قيام جارنا هذا و أسرته بالرحيل و كأنه يقول : " و بشر الصابرين..."
عندما أقارن مشاكل الجيران و الركن في مصر .. و في الغربة أجد أن الوضع في مصر أكثر تعقيداً.. فكون الإنسان في وطنه يشعر بأمان نوعاً .. و فقر أكثر .. لذا فهو يستبيح أي "مال سايب " أو أي شيء فرصة.. و يستحقها لنفسه دون أي وجه حق من خلال نظرية " اللي يجي من عين الحكومة أحسن منها "!!
و أذكر أنه في مصر تتفاقم مشاكل الجيران مع الركن .. و رغم انه قد يكون لبعض أصحاب العقارات مكان مخصص لهم للركن .. إلا أنهم يتركون" الجراج" خالٍ بل و يعبونه بسيارات قديمة لا يستخدمونها، ثم يضعون السلسال الحديدي أمام" الجراج " و يصطفون لركن سيارتهم في الشارع العام .. و البعض منهم - صدقي أو لا تصدق يا نهى- يقوم بعملية تخصيص أماكن الشارع لنفسه و للجيران فالأربع أمتار الأولى في الشارع لشقة 8 .. تليها أربع أمتار أخرى لشقة 16 تليها شقة 7 ثم شقة 9 و شقة 10 و هكذا.. والويل كل الويل لو ركنت شقة 9 في الشارع العمومي مكان شقة 16 .. فهذه الفعلة الشنعاء تعتبر إعلان للحرب بين الجارين.. و يستمر اللأمر، حتى يصبح الوضع كأحد القوانين المنظمة لسكان العمارات في مصر أو لنقل عرفا سائدا رغم انه لا يستند إلا على أرض "سايبة " للحكومة و لا مانع من نشوب خلافات و نزاعات بل و صراعات خفية أحيانا و علنية أحياناً أخرى لو ركن احدهم في الشارع في مكان لم يخصصه لهم أحد واضعي هذه الأعراف الهمجية دون وجه حق!! و لأن عادة ما تكون نظم الجيرة في مصر قائمة على التوطن الدائم فالشقق هي شقق العمر ما يعني أن الجار هو جار العمر.. لذا فإن أمثال و حكم ك" اصبر على جار السوء.. ليرحل أو ..." لا تخطر على بال الكثيرين - يا نهى- !
كأعضاء الجامعة العربية .. يريدونها هكذا
وعادة لا توجد علاقات حميمة أو قوية بين الجيران المغتربين .. فهم يتعاملون كأن الجار محطة صغيرة في الحياة لا داعي للوقوف لديها .. و إذا سلمنا أن معظم العلاقات الإنسانية قائمة على المصلحة.. و بما أن المصالح تتصالح.. فلنقل انه قد تعارف لدى المغتربين أنه من مصلحة الجميع أن لا توثق أواصر علاقات الجيرة.. لذا، لا ينزعج الجيران من ندرة وجود علاقات اجتماعية تجمعهم .. فهم كأعضاء الجامعة العربية .. يريدونها هكذا! تحت شعار " دعني أعيش وحدي في سلام و سأتركك تنعم وحدك أيضا بأمان " فأي علاقة اجتماعية تعتبر مكلفة.. حيث أنه يجوز أن تتعرفي على عيد ميلاد جارتك فتضطرين للمجاملة.. أو قد يساورك الشك في أن جارتك قد تفاتحك في أنها تنوي البحث عن عمل لتتكيف مع ظروف الغلاء .. ثم تبدأ في التلميح بأن زوجها رافض مبدأ عملها رفضا تاما إلا إذا تركت أولادها معك لأنه لا يثق في أحد سواك!!
و أعتقد أنه لا ينكر أحد من المغتربين أي من الأحاديث النبوية التي توصي بالجار.. و لكن فلنقل أننا كمغتربين نؤمن أن الدين يسر .. كما أن مجالات كسب الثواب أرحب من حصرها في الإحسان للجار .. حيث من الممكن أن يتم تحصيل ثواب من أبواب و منافذ أخرى: كالاشتراكات الشهرية في الجمعيات الخيرية أو كفالة الأيتام بحوالات بريدية لا تكلف المغترب عناء بذل الوقت أو جهد العلاقات الاجتماعية المرهقة كما يتم خصمها من قيمة الزكاة السنوية .. إلا أن المغترب منا - يا نهى - قد يجد لديه همة كافية و طاقة جبارة بل وقد يختلق من وقته وقت، للاشتراك في المجموعات البريدية الإسلامية و تمرير الرسائل التي تحوي أحاديث " قال الله و قال الرسول" أو تحوي رقائق و قصص مؤثرة و مقالات و عبر و أدعية نادرة بل و نكات.. فجهد اللسان مقدور عليه .. من باب " و من لم يستطع فبلسانه..."
لذا، فطبيعي أن تجدي أن علاقات الجيرة تقتصر على مقابلة الجيران لبعضهم صدفة على باب المصعد أو تحت البيت في موقف السيارات الخاص بالبناية و نادرا على السلالم .
كعكة .. لأغراض تبشيرية ؟!
أرجو ألا تزعجك صراحتي و لكني أدركت سبب مراسلتي لك اليوم يا نهى ؟
أهي الكعكة ؟!
- كعكة من جارتنا المقابلة لنا : هكذا أخبرني ياسر ليفسر لي سبب الطرقة الأولى..
- كعكة !؟ و من جارتنا؟ لماذا؟ و منذ متى؟! أليست مسلمة؟
بلى إنها مسلمة مثلنا .. إذا فلا توجد لديهم مناسبة احتفال بعيد الفصح الذي يحتفل به مسيحيوا الشرق الليلة .. فالشاهد، أنه لا يوجد ما يدعوا للريبة .. فالكعكة إذن ليست لها أي أغراض تبشيرية !! كما أنهم لا صلة لهم بمصر .. و إلا كنا نتوقع فسيخ لا كعكة!
لماذا لم يأت بذهننا أن الكعكة مرادف لسلوك طيب لا بد أن نشيد بل و نحتذي به ؟
لماذا لم تدخل علينا الكعكة السرور .. بل أدخلت الفزع أو على الأقل الدهشة و الريبة؟
ثم أن السيدة كانت قد أنجبت منذ شهور قليلة.. و أنا- للأسف- لم أبارك لها سوى حينما قابلتها صدفة أمام باب البيت .. و لم أهديها هدية بمناسبة ولادة ابنها "أحمد ريان".. فقد توقفت عن عادة السؤال عن الجيران و رمي بطاقات التهنئة في المناسبات و الأعياد تحت عقب الباب بعد سنتين من إقامتي في قطر .. ثم أنني عندما أخبرت ياسر أن جارتنا قد أنجبت .. لم يسترع انتباهه سوى اسم الوليد المركب الغريب .. كونه اسم عربي مركب لا يمت لأندونيسيا بصلة.
طلب محمود أن يتذوق الكعكة يا نهى .. فقطع ياسر له جزء منها و أعطاني شريحة صغيرة لأتذوقها فوجدتها طيبة .. و زادت دهشتي!!
يا ستار..الهذا الحد لعب بي الشيطان الألاعيب و جعلني أظن بجارتي ظن السوء معتقدة أنها أرادت التخلص بهديتها هذه من شيء لا تريده؟!
كم تغيرنا الغربة و تبدلنا ! أستغفر الله العظيم من كل ذنب عظيم.
و لكن لماذا اقسوا على نفسي على هذا النحو الماسوشي؟ ألن أكف عن عادة جلد الذات هذه؟
الآن - يا نهى- أصبحت أسمى " النفس اللوامة أو لوم نفسي على الخطأ "جلد الذات".. كم أنا ماهرة في التلاعب بالألفاظ !
و لكن أربما أردت البحث عن الحقيقة ؟.. فالموضوع ليس حادثة و جارة و كعكة..
إن الأمر يتعلق بطبيعة حياة و سلوك معيشي.. ُغيب عنصر الجار فيه و تم محوه من قاموس حياة المغتربين أو بعضهم.
الأمر هنا مختلف كل الاختلاف - يا نهى- فلقد سعينا في بداية الأمر أن نقيم علاقات طبيعية وسطية مع الجيران.. و لكن الموضوع فشل جملة و تفصيلا .. فعامل اللغة وقف حاجز.. و الجنسية و الديانة حالتا دون إقامة علاقات وطيدة مع الجيران.. ثم أن ضيق الوقت يمكن التذرع به.. كما أن "الغريب غريب" و هذه الذريعة أولى بالسند من أي أخرى..
فكيف لنا أن نأتمن جار لا نعرف شيء عن ماضيه و حاضره و فكره و دينه و أي شيء عنه لمجرد انه يجاورنا؟ ثم ألا تكلف الحياة الاجتماعية ميزانية معينة نحن المغتربون في غنى عنها.. خاصة أن المغترب ينفق جل دخله في فواتير إيجار السكن ومصاريف مدارس و فواتير تليفونات دولية مع ارتفاع فاتورة الغذاء و فواتير العلاج و الطوارئ .. كما يدفع جل مدخراته في التحضير لأجازته السنوية و حجز تذاكر السفر و مصاريف الإقامة في الأجازة و شراء الهدايا للأهل و الأصدقاء و الأقارب و جيرانه في وطنه الأم!
الشاهد - يا نهى - أنه بعد ساعتين من الطرقة الأولى .. دق الباب ثانيةً.. و هنا حدثتني نفسي.. أنه لن تأتي الرياح دوماً بما تشتهي السفن .. و مش كل مرة تسلم الكعكة !! فخفت ثانية.. والله خفت.. رغم انه بالفعل و بالقول، لا يوجد أي مبرر للخوف أو الفزع.. و لكنه الخوف من أي مجهول و من أي غريب و من أي طرقة و من أي طارق .. و من أي كعكة !
و المضحك أن ياسر في هذه المرة كان يصلي العشاء! و تكرر نفس المشهد بحذافيره.. إلحاح محمود لمعرفة من بالباب .. تسمري في مكاني ..ثم صوت فتح الباب وغلقه.. و رغبتي في أن يأتي ياسر سريعا و يبلغني بكل شيء دون أن أسأله .. و قد ترفق بي و جاء و أخبرني أن سائق صاحب البناية قد أتي ليخبره أن المالك منتظره تحت لمناقشة أمر من الأمور المتعلقة بإصلاح شيء في الشقة.. فشهقت الصعداء!
" ثقافة طظ "
لأصدقك القول يا نهى:
أنا لم أكن يوما مع استمرار وضع الجيرة كما نشأت عليه في طفولتي في وطننا مصر..
فقد جاورت بيت جدي.. و لا أزال اذكر أن باب شقة 6 لم يكن يغلق سوى ليلاً.. دائماً مفتوح.. و كأنه دوار العمدة.. ندخل و نخرج و أي جار أو أي غريب يمر.. يقول : السلام عليكم ..
فيرد جدي السلام و يدعوه: تفضل.. حماتك تحبك .. سواء إفطار غداء أو عشاء!
لاحقا و بسب الأزمات الاقتصادية فإن كرماء مصر صاروا يقولون: تفضل .. الشاي!!
و قد تتعجبين- يا نهى- لو أخبرتك أن ذاكرتي لا زالت تحمل صور الثلاث كلاب الذين كانوا يقفون كل يوم أمام بيت جدي ساعة الغداء لتناول الطعام .. و عادي جدا أن تجدي "بابا جدو عبد الحميد" ينادي أحد العاملات في البيت لتسرع بإحضار طعام الكلاب.
كما أن كثير من أفراد العائلة كانوا من سكان ذات العمارة - و كان لكل شقة رائحة أستطيع التمييز بينها و بين غيرها و لو تم وضع غشاء على وجهي.. فطبعا كانت فسحتنا من المذاكرة أن نصعد أو ننزل لزيارة أحد الأقارب .. نأكل و نلعب و نمرح و نسرح و ننام و نلهو هنا و هناك..
و أطباق طالعة و صواني نازلة .. و" طلعي هذا فوق و هاتي مش عارف إيه من تحت".. و كان لا يعكر صفو هذه الحياة" اللي زيتها في دقيقها "سوى وجود بعض الشركات فيها و هنا فإن باقي السكان لا يعترفون بالشركات أو بالعاملين فيها كجيران أو حتى كعابري سبيل.. ومشكلة الشركات في العمارات ليست موجودة في قطر البتة .. لأن البنايات هنا إما أن تكون سكنية و إما أن تكون تجارية.
هذه الشركات - بالعاملين فيها- كانت بئس الجيرة.. لأن الموظفين فيها يتعاملون مع كل شيء في العمارة من منطلق " ثقافة طظ " كأنها مال عام حرام أو أتوبيس حكومي لا بد من استنزافه و تقطيع جلد مقاعده " للتنفيس عن أحقاد الطبقة الدنيا في المجتمع .
فمصعد البيت .. بيت جدي .. كان يستخدمه من الثامنة صباحا و حتى الثالثة عصراً.. موظفوا الشركات .. و كان هناك عامل في المصعد .. لا يسمح بدخول الأطفال أمثالي إذا صادف و سعادة رئيس مجلس إدارة الشركة صاعد لمكتبه!
و سلالم العمارة الرخامية الجميلة و المبنية على شكل حرف" دي" لاتيني كبير .. يتم التعامل معها بشكل غير حضاري من أشخاص يعتقدون أنهم في نزهة نيلية أو في حديقة من حدائق القناطر الخيرية في يوم شم النسيم.. أما أيام الانتخابات .. فكانت أيام سوداء على سكان العمارة .. حيث يقوم جيراننا الموظفين بطبع و لصق المنشورات الإعلانية للدعاية عن ناخب معين و" اطبع و الصق" بشكل مقزز- يا نهى- و كنت أنا و أخي وليد كثيراً ما نقوم بعد انتهاء فترة دوام الشركات بتقطيع كل الملصقات الموضوعة على الحوائط !!
لذلك لم نكن نستمتع بالعمارة اللهم سوى بعد الساعة الثالثة عصرا ..
وهنا كان تبدأ المهمة الصعبة للبواب .. فقد كان عليه مسح سلالم العمارة كل يوم.. يبدأ الساعة الثالثة و النصف عصراً و ينتهي يعد أذان المغرب.. فيمسح كل درج و به 22 سلمة رخامية طويلة بالإضافة" للدرابزين" ثم مسح باسطة السلم التي لا تقل عن 12 متر .. وينتهي بمسح مدخل العمارة الأطول .. و على هذا فلا اندهش من عدم تذكري لأسماء البوابين الذين مروا علينا في عمارة جدي هذه .. لأنهم بالعشرات !! فلم يكن يعش لنا بواب يا نهى !
و رغم أن البواب كان يسكن معنا في شقة صغيرة مخصصة له فوق سطح العمارة .. إلا انه لم يكن يتم التعامل معه على أنه جار للسكان.. بل كان أشبه بالفاعل .. أكثرنا كدحا وأكثرنا تهميشاً ! حتى عم فوزي بواب مدرسة المير دي ديو .. صورته لم تمحها السنين من ذاكرتي خاصة وهو يمسح أرضية ممر المدرسة الرخامي الطويييييييييييييل بلا كلل طوال 12 عام منذ التحاقي بالمدرسة و حتى تخرجي منها.. و رغم أن إدارة المدرسة الكاثوليكية كانت تمنحه غرفة كبيرة ملحقة بالمدرسة العريقة .. إلا انه يقينا لم يكن يتم التعامل معه على انه جار للراهبات..
العجيب أننا نتعايش مع المهمشين بدم بارد.. و نكتفي بالبقشيش أو الأكياس التي نوزعها عليهم في رمضان و الأعياد و المناسبات!!
هنا- يا نهى- يطلقون على البواب اسم " الناطور" و هو بصراحة لا محل له من الإعراب.. ولا يجلس أمام باب العمارة و غير مسموح لنا بأن نطلب منه أن يشتري لنا أي أغراض سواء بقالة أو خلافه.. كما أني لم أشاهده مرة ينظف السلالم .. و لا أرى أي دور له سوى انه موظف لدى مالك العقار له غرفة مكيفة يقطنها مع أحد أصدقائه .. و له عمله الخاص يذهب له في الصباح و يعود منه للبناية في المساء..
هل تصدقين - يا نهى - أني لا أعلم اسم ناطور بنايتنا؟!
الأبواب المفتوحة و النوافذ المغلقة
و قد تحتارين يا نهى.. أي نظم الجيرة أفضل؟
عن نفسي، لا أرى وجه للمفاضلة.. فالنموذجين أحدهما فيه إفراط و الأخر يعج بالتفريط .. فالجيرة على شاكلتها القديمة في مصر لا تسمح بوجود خصوصية تحتاجها البيوت للاستقرار.. فجيرة الأبواب المفتوحة تجرح الخصوصية و تهتك أسرار البيوت .. و جيرة النوافذ المغلفة للمغتربين تشعرك بأنك عربية مسلمة تعيشين في تل أبيب !! إذن ففي الحالتين هناك فقدان للوسطية.
- لقد كنت أسعد في مصر بزيارتنا السنوية لجارتنا الدكتورة سميحة و الدكتور حسني زخاري في عيد الميلاد في السابع من يناير و كنت أراها شبيهة بزيارة شيخ الأزهر للأنبا شنودة في قداس عيد القيامة ..
و لكن كنت اشعر بأن فتح البيوت على مصراعيها يعوق التركيز في المذاكرة أو جلسة هادئة بين زوج و زوجته أو محاولة يائسة لعدم نشر أو تأجيل إذاعة خبر حمل أحد الجيران حتى ثبوت الحمل على سبيل المثال ..أو أخبار الخلافات الزوجية لسكان العمارة!!
فقد كنا نعلم كل شيء عن كل جار .. تاريخه .. حاضره كما كنا و بسهولة نتكهن مستقبله!
نعلم أن فلان جارنا من صفوة الأثرياء لكن بخله جعله يضيق على أهل بيته .. لذا، فلم نندهش.. كون و بمجرد وفاته، دخل مهندسوا الديكور البيت في اليوم الحادي والأربعين للبيت و فوروه !! كما دخلت "جراج" جيراننا سيارتين فارهتين جديدتين أحدهما مرسيدس و الأخرى رباعية الدفع .. و لم يكن ذلك يرمز للثراء و لكن كان تصرف متوقع لمن يريد أن يعب من الطعام بعدما أجبر على صيام نصف الدهر!
أما مشاكل الغسيل و النشر و تنفيض السجاجيد أمام باب السلم التي تعج بها البيوت في مصر و سوريا و لبنان و باق الدول الطاردة لأبنائها، فليست موجودة في دول الخليج.. فبالنسبة للمغتربين و الذين يطلق عليهم في الخليج مصطلح " المقيمين" فممنوع عليهم البتة، نشر غسيلهم خارج النوافذ و إلا غرامة قدرها عشرة ألاف ريال قطري تدفع للبلدية .. لذلك نقوم باستخدام المنشر الداخلي و البعض ينشر فوق الأسطح .. و عادة لا يشتري المغترب سجاجيد غالية أو كبيرة ليقوم بتنظيفها ..
أما الخليجين أو المواطنين فعادة ما يقتنون في بيوت أو" فلل" أو قصور لها أسوار، فيستطيعون نشر غسيلهم بحرية و خصوصية.. كما يقومون بتنفيض سجاجيدهم دونما مضايقة من أحد.. لأن نظم الجيرة لديهم أفقية و ليست رأسية.
وعن نفسي لم تقابلني أية مشاكل مع الجيران اللهم سوى انه في أحد المرات بعد قدوم جار أندونيسي جديد .. وجدناه هو و أفراد أسرته يتبنون عادة خلع الأحذية أمام باب الشقة .. و الحقيقة فقد رأيت منظر النعال مقززاً للغاية.. و بالطبع تحرجت من مطالبة صاحبة البيت بإدخال الأحذية داخل شقتها.. لكني فكرت في تصرف لا يحرجهم و لا يجرح نظري كلما صعدت السلم .. فتوصلت إلى القيام بوضع أآنية للزرع و بجانبها " حاملة أحذية" في مكان وسط لكي يضعوا فيه أحذيتهم بشكل مرتب لا يجرح البصر أو يؤذيه و يضمن لهم الاستمرار في عادتهم التي تقتضي خلع الأحذية قبل دخول البيت.. و لكنهم لم يفهموا يا نهى.. فاستحييت أن أشرح لهم .. فقمت بوضع بعض من أحذيتنا داخل حاملة الأحذية هذه كما قمت بصف أحذيتهم بها.. و تأملت خيراً .. و لكنهم ظلوا على عادتهم بترك نعالهم ملقاة أمام باب البيت.. فاستسلمت لضرورة التأقلم مع عادات بعض الجيران و تلاعبت في أبيات أمير الشعراء:
قولي يا - نفسي- و أنت برة صادقة:
أحملت إنسان عليك ثقيل
أحملت لؤم اللئيم إذا اغتنى؟
أو كاشحا بالأمس كان خليلا؟
هذه الهموم و هذه أثقالها
وزنت النعال بها فكانت ضئيلة
" Kidiology & Oldiology "
طرقة و كعكة تجعلني أسرد كل هذه الديباجة - يا نهى - قبل أن أطمئن عليك و على عائلتك و ابنتك لجميلة منار!
اعذريني.. المهم أخبار الشغل إيه؟
لعلمك أنا فخورة جدا بك .. و سعيدة بعملك في مجال التربية.. رغم إن إدارة حضانة للأطفال عملية شاقة للغاية..
أتذكر كيف كنت تطوقين للعمل أيام سفر الدكتور للسعودية.. فقد كان يمر الوقت بطيئا مملا.. و لكن الحمد لله.. فقد وفقك الله في عمل غاية في الأهمية رغم أنها مسئولية ضخمة.. أشفق عليك منها.. فتربية الأطفال شيء وإدارة الحضانات عمل أخر تماماً .
و كم كنت سعيدة بك عندما زرتك في مقر عملك و شاهدت مستوى الحضانة العالي .. لكني لا زلت عند رأيي - يا نهى- من كراهية تخصيص قسم لحديثي الولادة في الحضانات.
خاصة حينما تكون حضانة من نوعية" كولين".
يبدو - يا نهى- أني لا استسيغ قيام أم لها وضع مادي و اجتماعي غاية في اليسر بترك وليدها و رضيعها في أيامه الأولى للذهاب للعمل لإثبات الذات! ربما يقبل ذلك من عائلة لها ظروف مادية و اجتماعية صعبة! وربما يكون رأيي قاسيا أو عنيفا .. و لكن لما تحرم أم ميسورة ماديا، نفسها من أمومتها أو تحرم وليدها منها و الصغير لا زال رضيعا .. لا يسمع و لا ينطق و لا يعرف من هذه الدنيا سواها و لا يملك أي قوة سوى الصراخ و الدموع؟
أعتقد أن حضانات من نوعية " كولين " و ستبينج ستون" و "شيكويلوجي" و "بنت السلطان" و" كيديولوجي" و غيرها ممن يستقبلون رضعاء الصفوة و خدجهم .. تجعلنا نفهم لماذا يوجد دور راقية للمسنين .. فكما يتركوهم .. يتركون..!!
و أعتقد أن دار لايواء المسنين ستحمل إسم " أولد يولوجي" .. ستفتتح قريبا.. و ستغري الصفوة بترك ذويهم مطمئنين فيها على نوعية الخدمة لممتازة المقدمة لهم.
و هنا قد تتعجبين- يا نهى - أنه قد ظهرت شريحة مسنة في المجتمع تسعى سعيدة للإقامة في هذه الدور .. بل و تذهب بنفسها لحجز مكان .. و كأنهم يريدون أن يظهروا بمظهر المسن العقلاني المتقبل للأوضاع و المتفهم للظروف والغير لائم للأبناء.. و كيف يجرؤن على اللوم - يا نهى -؟
فكما أرادت أن تثبت ذاتها في يوم من الأيام.. و كما سافر أو تزوج و ترك الأبناء في مدرسة داخلية راقية أو عند أحد الأقارب كي لا يكون الوليد عائق لمسيرته .. فسيأتي يوم للوليد يسعى فيه لتحقيق ذاته بوضعها أو وضعه دار للمسنين لائقة و كريمة قد تكون خمسة نجوم .. و من منطلق بيدي لا بيد ابني .. يبادر المسن و يذهب بقدميه " لأولد يولوجي"!
فهم جاهزون بل و راغبون لدفع فاتورة إهمال تربية الأبناء و لكن بشكل يحفظ لهم ماء الوجه !!
إنه القصاص يا نهى ..إنه لا يغفل .. سبحانه .." لا تأخذه سنة و لا نوم...".. و قد جل الذي جعل آية الكرسي هي أهم أية في القرآن الكريم.
يا نهى:
أنا أرى القصاص في كل شيء .. صغيره قبل كبيره.. و كم من أشياء نحسبها تافهة و لن نؤاخذ عليها .. و لكنها تقتص منا و لا نملك حين ينزل القصاص إلا أن نقول" اللهم إن لم يكن بك غضب علينا فلا نبالي".
" الحديدي و هتلر طنطاوي"
لقد حدثتك يا نهى عن والدي - رحمة الله عليه - و ذكرت لك كيف كان شخصية مؤثرة فيمن حوله.. و كيف كان أي شخص يراه ينخدع فيه عند أول مقابلة فيعتقد أنه أمام شخص جبار ..
و رغم أن اسمه محمود إلا أن الجميع كانوا ينادونه بلقب العائلة "الحديدي"!!
الحديدي قال .. الحديدي راح .. الحديدي عمل .. الحديدي سافر .. يا خبر .. الحديدي رجع من السفر!!
و لقد كان اللقب مفزع لي في طفولتي.. كما كنت أرى هيئته و شكله ضخمة .. رغم أن الجميع كان يقول لي أن والدك وسيم للغاية.. و لكني أنا وأخي وليد لم نكن نر فيه وسامة بل كنا نراه ضخماً.. و عندما أخبرنا ذات مرة في جلسة صفاء أنه كان يتمتع بشعر أحمر في صغره ..
أجبناه ساخرين : طبعا و كانت عينيك زرقاء يا بابي !!
و أذكر أن وليد بعدما تخرج وعمل .. التقى في مقر عمله بالأهرام بأحد زملاء والدي القدامى .. فقال لوليد:
: أنت بن الحديدي
: أيوة يا أنكل
: أنت وليد بن محمود الحديدي اللي كان شعره أحمر و ملامحه أجنبية و الفلاحين في البلد افتكروه طيار يهودي لما عمل نزلة اضطرارية بالطائرة في أحد القرى و أوسعوه ضرباً و قالوا له
: و كمان بتتكلم عربي يا بن الذين.. فاكرنا عبط !!
: أنت بن الحديدي اللي لم ينقذه سوى الله عندما وجد الفلاحون في جيبه مصحف صغير فنقلوه على المستشفى و كادت تقطع قدماه لولا لطف الله الذي سهل له السفر للعلاج في انجلترا
أنت بن الحديدي أحد المحاربين القدامى اللي حاصل نوط الشجاعة و و و و و
أنت بن الحديدي الراجل الدوغري اللي اشترك في ثلاث حروب و عمل و عمل و عمل
وقد يكون هناك داع لوصف مشاعرنا وقتها - يا نهى - لكن، عن نفسي لن أتمكن من وصفها..
لكن دعيني أذكر لك أني كنت أرى الناس.. كل الناس تهابه.. كما يهابون الفريق" هتلر طنطاوي" و للعجب، فقد عرفت لاحقا أن الشخصيتين تجمعهما صفة العسكرية و الجدية الشديدتين و طيبة القلب و صرامة المظهر و رقة المشاعر.
لكن يقينا عندما كنت صغيرة .. لم أكن أستوعب سوى أن والدي هو " الحديدي" هذه الشخصية الحديدية التي كنت أراها ضخمة للغاية و "هركليزية " و يجب تجنبها خاصة في أوقات الصباح نظرا لتفجر طاقات النشاط لديه .. حيث يبدأ يومه في الرابعة و النصف صباحا بقوة مائة حصان، فيلعب رياضته و ينظف بيته و يستحم و يحلق ذقنه و يفتح إذاعة لندن ليشعر أن الجميع لا بد أن يبدؤوا معه.. الحياة !
مردداً أية" و جعلنا لكم الليل لباسا و النهار معاشا "
- الحديدي يا نهى كان من الشخصيات المنظمة الصارمة .. عقلية محض عسكرية .. يزهو بتربية أبناؤه على نحو عسكري.. ففعل الأمر و النهي يتم بالنظرة لا بالكلام ..
و سياسيته لم تكن "العصا و الجزرة" بل "العصا و الفلكة" هاهاها
عاشق للتنظيم والإدارة ..
و الغريب أن أهم مفردات قاموس "الحديدي" سواء ال
discipline
و النظام و احترام الوقت و تحمل المسئولية و السعي للإجادة والإتقان في العمل و احترام الكبير و مؤازرة المريض و الاستمتاع بالنظافة و الاهتمام بالرياضة البدنية.. لم تكن تمثل لنا مجرد شعارات نسمع عنها .. لكنها كانت مفعلة في حياته و حياتنا .. نراها رأي العين.. فقد أتقن طهيها رغم أننا لم نكن تستسيغ لها طعماً في الصغر!
و الغريب أني كنت أرى الغالبية تحترمه و تحيه و تشيد به .. أما أنا فلم أكن أرى الأمر على هذا النحو .. حتى أني تجرأت في أحد المرات و سألت والدتي ما معناه : ما الذي دفعك للزواج بشخصية بهذه الصرامة وأنت سيدة بنت عائلة و جميلة و مثقفة؟ كما ألمحت لها أنها لو كانت صبرت قليلا لكان جاءها نصيب ألطف!! و الحقيقة فقد احتوتني بردها و أخبرتني أنني فقط لا أفهمه و سيأتي يوم أقدره كل التقدير .. و قد كان!!
و مع الغروب - يا نهى- تجدين نفسك أمام كائن غاية في الطيبة فقد نشاطه وحيويته و طاقته و تقلص "الإدرنالين " في دمائه فتحول شيئا فشيئا إلى إنسان وديع .. فتسعين لمحادثته في مشاكل و لو مفتعلة فينصت لك رغم إجهاده و عنائه حيث كان يعمل طوال النهار بكل ما أؤتي من كيان و جوارح .
و أذكر- يا نهى- أنني لم أكن أجرؤ على طلب شيء منه سوى ليلاً .. حيث يكون شبه نائم .. و أي شيء أطلبه منه يوافق عليه..اللهم لأني كنت أعتبر تأوهاته حينما ينام متعبا على الفراش و يقول:" آه .. أه.." كنت أعتبرها بمثابة إيجاب و موافقة على طلباتي و أستند عليها في تنفيذ ما أريده لليوم الثاني.
و لأنه كان حريصا على اصطحابنا معه في معظم زياراته العائلية أو زيارات الأصدقاء..
ففي إحدى المرات التي لن أنساها .. كنا معه نلبي دعوة عشاء.. و الحقيقة لقد بدا والدي - رحمة الله- فخورا للغاية بتربية أبناؤه مشيراً إلى أنه قد دربهم على أن يفهموه بالإشارة و النظرة و قالها باللفظ:
"أنا معلم الأولاد إنهم يتلَطعوا عند الضيوف ذي المسمار في الكرسي .. ما ينطقوش .. ما يتحركوش من مكانهم إلا بإذن "!!
و قد لاقى تعليقه استحسان و ترحيب الحضور .. بل استطيع القول أن البعض كان يغبطه على هذه النعمة حيث أنهم يعانون من أبناء شياطين!
و قد ُرمي على التعليق كالصاعقة.. و نظرت لأمي فوجدت نظرة المؤازرة التي تشيد بصحة تربية زوجها للأبناء .. فما كان مني - يا نهى- و أنا بنت السبع سنوات تقريبا .. إلا أن رفعت يدي طالبة الكلمة من أبي أمام الجميع .. و حين أعطاني الإذن.. لم أطلب سوى الذهاب للحمام .. فوافق مزهواً بابنته الصغيرة المدربة على الذهاب وحدها .. دون مساعدة من أحد.. لقضاء حاجتها.
نعم لقد ذهبت للحمام و أنا في السابعة من العمر في بيت معارف والداي مع سبق الإصرار و الترصد.. عازمة أن أري الجميع كيف نجح" الحديدي" في تربية أبناؤه!!
فدخلت الحمام و أمسكت بعلب الشامبو و " كب كب كب كب" على الأرض و في "البانيو" و على الحوائط .. و أذكر أنني خفت وقتها من شيئين:
فرغم معرفتي بأن سيدة البيت ليست من النوع الطيب الذي يداري على خطأ طفلة صغيرة .. إلا أنني خشيت أن تصاب بصحوة ضمير و طيبة لا داعي لها في هذا الظرف الانتقامي .. فتستر على جريمتي.. كما كنت أخشى ألا تدخل المضيفة - مكان الحادث - سوى بعد أن تنتهي زيارتنا و نمضي .. فقمت بدلق باقي منتجات الشامبوهات والبلسم و الصابون و معجون الأسنان و مستحضر خاص لذوي الشعر الرمادي " خاص بصاحب البيت " و معجون خاص بالحلاقة وآخر بالأسنان و زجاجات عطر وكله .. كب و ادلق على ملابسي و شعري و وجهي.. و خرجت هكذا .. على هذا النحو الإجرامي .. و براءة الأطفال في عيني .. في مشهد كوميدي أسود لم يخطر ببال فطين عبد الوهاب في أقوى أفلامه الهزلية.. و لم أتفوه بكلمة.. فقد كنت مستمتعة بقيامي بالجريمة الكاملة أو " ذو برفكت مردر"
Perfect Murder
و لم تكن تعنيني أصوت الضحكات التي زلزلت أركان الصالة - يا نهى- كما لم أهتم بسماع التعليقات التي قيلت" للحديدي" في حينها.. و لكني تعمدت النظر لقسمات والدي- رحمة الله عليه - و قد تمتعت كل المتعة بملاحظة وقع الصدمة و الكارثة بل و المصيبة عليه .. و هنا سكنت روحي المنتقمة.. و أنا أعلم أن ترجمة هذه الضحكات تعني لوالدي فشله المدوي في إنجاب و تربية " مسامير في الكرسي"!!
و أذكر- يا نهى- أنني كنت متوقعة بل و متقبلة كل العواقب التي بدأت منذ خروجنا من عند الضيوف بدءاً من "الشلوت" الذي رميت به رمية أشبه "بأوفسايد" شاطه أبوتريكة ليسدد هدف في مرمى الخصم.. و لم أتألم و أنا أقع من على السلم على أثر "الباك ساملسولت" الذي كانت تقوم به " نادية كومانشي" في الثامانينات .. بل ربما فرحت بصراخه الهستيري في و في أخي ووالدتي التي لم أشفق عليها في هذا السن لأنها لم تعترض على مقولته " انه ربى أبناؤه ليكونوا كالمسامير في الكرسي !"
و مرت الواقعة بسلام .. وصفا والدي لي و ربما نسي الحادثة و علمتني الأيام لاحقا أنه كان الحنان و الطيبة و الحزم .. و لكن عسكريته كانت لا تجيد سوى لغة الصرامة و الجدية .. و كنت قد اعتقدت أني أخذت عقابي التام و المتوقع عن هذه الجريمة الطفولية سواء من الضرب و خلافه.
و لكن منذ عام تقريبا و أنا في أحد زياراتي لسيدة فاضلة تعلمني التجويد هنا في قطر .. ذهب محمود ليلعب مع أبناؤها الصغار .. و باختصار -يا نهى- دخل محمود علينا الصالة مبتلا تماماً شاهراً في يده زجاجات الشامبو الفارغة !!!!!!!!!!!!!!!!
و رغم أن جميع الحضور من السيدات كن طيبات للغاية و ليس لهن أي فكرة عن "سوابقي الإجرامية" .. و رغم أن زوجي لم يكن معي .. و رغم أن الضحكات كانت من القلب و ليست للتشفى أو أو أو.. إلا أني مضطرة أن أخبرك أنني فقدت السمع لحظتها في مشهد أشبه ما يكون فيه المخرج قد قطع الصوت عن الفيلم و ترك المشهد حركة و صورة فحسب .. و قد انعدمت رؤيتي و لم أسمع سوى صوت صدى وجود الخالق .. لقد كان هذا هو صوت القصاص يا نها!! و عبثا أحاول التحرك من مقعدي للذهاب للشرفة لتنفس أو للنظر إلى السماء على أجد إجابة على تساؤلاتي.. والغريب أني وجدتني ملطوعة كالمسمار في الكرسي!!!
فنظرت إلى سقف الصالة بعدما عجزت للنظر إلى صفحة السماء في الشرفة .. و كنت أريد أن أساله سبحانه " لما؟
لما استفسارية و ليست اعتراضية؟
و لكني سألت نفسي
: و" لما اللما "و أنا أعرف أن" لكم في الحياة قصاص يا أولى الألباب"؟
: و" لما اللما " و أنا أعلم يقينا أنه " و لو بعد حين "؟
: و" لما اللما "و الموضوع يتعلق بالوالدين؟
: و "لما اللما" وأنا أعرف أنك كما تدين تدان"
القصاص اللطيفً
لقد كان قصاصا لطيفاً روعي فيه سني ساعة اقتراف الجريمة الكاملة و روعي فيه تفاصيل أخرى دقيقة منها سن محمود وقتها ( ثلاث سنوات ) و لكني كنت انظر حولي و كأن أحداً لا يراني و أقول له: لقد كنت بعد صغيرة.. لقد كنت طفلة .. ثم أن إهانته كانت دافعا .. كما أنني قد دفعت الثمن و قد عاقبني والدي حينذاك.
نعم يا نهى.. لقد عوقبت في طفولتي على الفعلة .. أما و قد كبرت.. فقد اقتص مني و عوقبت على سبق الإصرار و الترصد.
يااااااااااااااه.. سبحانك يا ربي..
إن أحدا لم ينظر لي نظرة كالتي رمقت بها والدي يومها و لم ير أحداً- إلا الله- سوى سلوك عادي لطفلة لعبية نوعا وصفوا فعلتها من باب " شقاوة أطفال" إلا أنني وحدي تمكنت من فهم الرسالة..
اللهم اغفر لي و لوالدي يا أرحم من سؤل..
ياااااه يا نهى:
سبحان من يرزقنا البصر صغارا.. و شيئا فشيئا ينقص البصر و يضعف .. فيعوضنا عنه البصير بالبصيرة التي تزيد غالبا و لا تنتقص مع الأيام..
هذا البصر الذي لم يكن يرينا سوى حزم الأب و شدته التي كنا نراها وقتها ببصرنا قسوة .. و كم من أب تم رؤيته في الصغر بشكل عنيف قاس.. إلا أن أرحم الراحمين قد أزال الغشاوة من العين ونور البصيرة و جعل الأبناء يروه في الكبر وسيما أنيقا جميلا رشيقا شبيها "بأحمد رمزي و روك تيلور" إلا أنه صالحاً لأن يكون نعم الأب- ليعملوا كل ما في وسعهم ليتم الإشادة بتربية أبناؤه تماما كما كان يريد.
رب أمر كنت لما كان عندي.. أتقيه
بت لما غاب عني و توارى .. أشتهيه
ما الذي حببه عندي.. و ما بغضنيه
أأنا الشخص الذي أعرض عنه
طلاسم (أبو ماضي)
أباء " كووول "
و العجب كل العجب - يا نهى- أن تجدي - أحياناً- العكس صحيح .. فكم من أبناء قد نعموا بالعيش في كنف أباء ظرفاء.. لطفاء.. لا يعنيهم سلوك أبناؤهم و لا يجودون من أوقاتهم سوى بسويعات محدودة في تربيتهم تربية " قل و لا تقل".. لكنهم في المجمل أباء" كووول " للغاية يتمتعون بمواهب عدة وهوايات شتى.. يعيشون لأنفسهم فحسب.
أباء و أمهات من نوعية " ماما نونة " ينجبون أبناء من نوعية " حمادة عزو" يتعاطون مع الحياة بلا مبالاة لكن نيتهم طيبة .. أو لو شئت الدقة لا توجد نية من الأساس.. يعيشون بشكل همايوني .. جهجهوني.. لا يعنيهم سوى الفسحة مع أبنائهم و قضاء وقت ممتع معهم أو بدونهم !
أذكر منهم رجل متعدد الهوايات .. يعيش لذاته مع لذاته.. أب كان يتشاجر مع زوجته لأنها تهتم بمذاكرة الأبناء .. فهو يريدهم بجانبه يشاهدون الأفلام و يتابعون معه مباريات كأس العالم .. و يخرجون معه للصيد أو للعب الجولف والبلياردو ومن الممكن ليلة امتحان أحد الأبناء .. أن تجد الإبن قد فقد كتاب الجغرافيا .. و تظل الأم و إبنها يلهثان بحثاً عن الجغرافيا .. أين راح الكتاب؟ أين اختفت الجغرافيا ؟ و يساورهما الشك .. فتتصل الأم على الجوال بالأب .. لربما لمح الكتاب هنا أو هناك..
: تدفعي كام وأقلك على مكان كتاب الجغرافيا؟
: الله يخليك .. أبوس إيدك.. قول بقه .. مش وقته .. فاضل كام ساعة على الامتحان!!
فيرق قلبه "الحونين " و يخبرها بالحقيقة المرة
: كتاب الجغرافيا تحت مفرش طاولة السفرة.. وعلى فكرة كتاب الدين- لو عايزينه .. دوروا عليه .. أه .. باين خبيته تحت بياضات كنبة الصالون!!!
: لا حول و لا قوة إلا بالله.. ربنا يسامحك ! طب ليه؟
: ما أنت كل شوية تذاكري مع الأولاد و أقعد لوحدي!!
: أنت إيه يا أخي.. أقولك إيه بس!
: لا تقولي و لا تعيدي .. ما تكبريش الموضوع .. الله .. و بعدين أنا هاصالحك يا ستي .. اوعي تنامي أنت و الأولاد .. بس الله يخليكي اعملي لنا شوية رز و سلطة في السريع ، عشان اصطدت لكم شوية سمك.. بيلعلط .. و هأعملكم أكلة صيادية رهيبة و هاشويلكم الباقي و نقضي سهرة للصبح.
: سهرة إيه يا بني أدم !! باقلك في امتحانات بكرة و أنت تقول لي سمك و شوي و سلطة و سهرة.. مع السلامة!
: الله و الساااااااااااامك؟!
و تكون النتيجة هي تمتع الأبناء في الصغر بهذا الأب " اللي شاري دماغه" و الذي لا يعنيه قضية تعليم أبناؤه.. فلا يثور إذا رسب إبنه .. كما لا يكافئه إذا نجح أو تفوق .. فهو يمثل لهم الفسح و" الهنكرة" و اللا مسؤولية و الحياة المرحة المليئة بالملذات.. يحبونه بل و يفضلونه على الأم التي ترمز للمذاكرة و الواجبات و الالتزامات و المسؤوليات.
ثم تدور الأيام.. و يكبر الأبناء فيدركون الحقيقة.. و تزال الغشاوة من على بصيرتهم.. فيرون الصورة على حقيقتها .. و يبدأ الأبناء يتحسرون من نصيبهم في هكذا أب.. لا يعنيه سوى رحلات الصيد أو أو أو.
و تتغير العلاقة و طريقة التعاطي و التعامل مع الأب بل و يبدأ التطاول عليه باللسان و اليد .. فيستنجد الأب بالشرطة تماما كما فعل حمادة عزو .. و تبدأ المواجهة.
: أنت أب أنت؟ مش مكسوف من نفسك.. أنا مكسوف لك يا شيخ و مكسوف منك.
: إيه اللي بتقوله ده يا ولد..أنت بن عاق و ربنا هيدفعك الثمن غالي.
: الله الله الله. . قلت "ربنا ".. يا راجل .. قول كلام غير ده.. أنت عارف إنها أول مرة أسمعك تذكر ربنا.. إلا فكرني كده.. عمرك صليت أو ركعتها ؟! طب تعرف سنة المغرب قبلية و لا بعدية ؟! أنا عمري ما شفتك أديت فرض من الفروض لا صيام و لا زكاة و لا غيره.. دا أنت لما بتتشاهد بيكون من منطلق" نرفزة" و تعبير عن غضب مش عن إيمان .. و لما كنت في يوم من الأيام غني وعايش في دور رجل الأعمال و سافرت أوروبا كلها و هيصت و صرفت .. عمرك ما فكرت تحج؟ النهاردة بتقول ربنا !! ده ناقص تقول لي: قال الله و قال الرسول.. بالمناسبة : قال الرسول ( ص):" كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يعول"
ضيعتنا يا شيخ .. ربنا ينتقم منك.. و على رأي الشاعر:
لو جاء مثلك في زمان محمد ما جاء في القرآن بر الوالد
: اخرس يا ولد .. اخرس.. أنت بتكلم أبوك
: بمعنى؟
: مش عارف يعني إيه أبوك؟
: لا أنت اللي مش عارف يعني إيه أبوة.. الأب قدوة.. الأب عمل و فعل ورعاية و تحمل مسؤولية.. مش فسح و رحلات و أكلات و تواكل.. الأب يعني سند .. يعني راجل ابنه يعتمد عليه.. أنت عارف أنا مسنود على إيه ؟ على غزل البنات !! أنت عارف.. و أنا صغير كنت متأكد انك عمرك ما هتقول لي لا..
: زودي لي السكر في الكاكاو يا ماما
: لا يا حبيبي عشان صحتك
: زود لي السكر يا بابا
: حاضر يا حبيبي .. و خد علبة "التشوكلات" دي أخفيها تحت السرير .. وإياك الحكومة تشوفك!
: مش عارف أقلك إيه .. بالذمة دي تصرفات أب عنده ذرة شعور بالمسئولية عن صحة أولاده؟
: كمان تلومني أني كنت بأرضيك.
: أنا أحملك مسؤولية .. يعني فرضاً شبط في حشيش .. توافقني عشان ترضيني ..هو أنا كنت أعرف الصح من الغلط .. هو أنا كان عندي معرفة أو علم أو خبرة.. ما أنا كنت مسئول منك.. و النتيجة أني تخنت و فشكلت.. لكن أنت كنت مبسوط و عايز تثبت لأمي: "أن على فكرة.. الولد طالع لي و بيحب الكاتشب تمام ذيي " ..
وعودتني على" الجانك فوود " و الدليفري و الحلويات و الدهون و السمن .. و خد جيبتلك بسبوسة.. و تعالى ننزل نجيب رز بلبن من المالكي.. و عارف لو نجحت.. هأشتري لك تورتة أيس كريم من عند "كرنفال ".. و النتيجة إن الخلايا الدهنية في جسمي زادت .. و لما تحب تسخر مني و تشتمني تقول لي : يا فشلة..
مع انك أنت اللي فشلتني .. أنت الفشل كله .. و النهاردة بأسائلك عن كل حاجة كنت المفروض تقوم بها عني .. أسائلك ليه كنت متكل على أمي و رامي عليها الحمل كله؟ ليه هي اللي تشيل مسئولية فشلك في أعمالك و مشاريعك ؟ ليه هي اللي تستلف و تتسول عشان تصرف علينا ؟ ليه هي وحدها المسئولة عن مذاكرتنا و نجاحنا أو فشلنا؟ ليه هي اللي تركب مواصلات و تروح تبحث لنا عن مدارس وتشوف الجامعات و تشترك في النوادي و تدور بنا على المستشفيات .. و أنت قاعد في البيت مع إنك أنت اللي تعرف تسوق؟ و مع إن العربية بتاعتها هي .. ليه هي الأم و الأب؟
: أمك مفهماك كده؟!
: أبدا.. المشكلة انك كنت فاكرنا عمي و طرش و مش ملاحظين أي حاجة.. مش ملاحظين أن السجائر اللي أنت بتدخنها.. لف .. يعني حشيش.. مش ملاحظين أنك بتشرب خمور و طبعا لا صيام و لا صلاة .. مش ملاحظين بتصرف فلوسك على إيه و على من؟ مش ملاحظين انك كنت واضع أموالك في بنوك ربوية .. مش ملاحظين انك مش فالح غير في اقتراح المشاريع اللي بتشرعها بفلوس غيرك و كل يوم بفكرة شكل و تأخذ من فلان و علان.. و كاسفنا مع الناس.. مش ملاحظين من الضيوف ال" في أي بي" اللي تستقبلهم بترحاب كبير و من الضيوف "السكة "على شاكلة جدتي.. حماتك اللي كنت تتطاول عليها و تعاملها بتجاهل و ازدراء و تشعرها أنها عبئ عشان تطفشها من البيت .. مش ملاحظين إلى أي درجة كنت تتكلم أمام الناس بشكل و من خلفهم.. حاجة مختلفة تماما .. مش ملاحظين خططك و حساباتك و توقيعك بين الناس.. مش ملاحظين انك لما تحتاج حاجة تقلب وشك و تضرب بوز عشان نيجي نسألك في إيه و عايز إيه؟!
: يااه.. طلعت أبوك خمورجي و ربوي و شيطان .. و كمان ناوي تحاسبني على فلوسي .. و بعدين .. هو أنا جايبهم من حرام ؟ و من اللي سمح لك تحاسبني من الأصل؟! بقه أنت مسلم أنت وعامل لي متدين و لاصق فوق سريرك شعار" الرسول قدوتنا "
: الرسول .. الرسول كان في ميدان المعركة .. أما نحن.. ففي هدنة !!
: أنت شارب حاجة يا ولد؟
: تخيل مش شارب و إلى الآن في كامل قواي.. لكن عموما يا سيدي .. فلوسك حلال .. ما سرقتهمش .. و وارثهم أو هدية .. و"من حكم في ماله فما ظلم " مش كنت بتسمع لماما حكمة العمر ليل أنهار.. يعني يبقى معك مليون جنيه من الحلال و تشتري بهم ماسة نادرة و تشترك في نادي الجولف و نادي السيارات و نادي البلياردو و نادي العاصمة "السي سي".. و طالع بمضرب الجولف و نازل بأستيكة البلياردو و خارج بالسنارة و داخل بالبلي .. و تبعزق على فلان و تبشرق على مش عارف مين.. و كله بالحلال .. لكن من يصرف على أولادك ؟ من مسئول عنهم و عن احتياجاتهم .. من سبب وجودهم في الدنيا و مفروض يعلمهم و يربيهم و يخليهم أولى أولوياته؟ ما طبعا لازم لزوم الفنجرة .. ترش على أخواتك!
عكوسات
: أنا عمري ما عزيت عنكم حاجة يا بني.. أنا ياما صرفت عليكم و اللي يقول لك غير كده كذاب.. لكن أنت مجنون يا ولد مش عايزني أساعد أعمامك.. دول أخواتي.. دمي و لحمي !
: و احنا دم و لحم مين؟ هو إحنا مش أولادك.. مش أولى .. ثم من قال أني بأعترض على انك تساعد أعمامي .. ساعد يا سيدي أخواتك لو معاك زيادة .. لكن تحوج أولاك و مراتك و تخلينا نمد ايدينا للناس .. من يصرف على أولادك لما عمال تفنجر و عامل " فييس" عشان شكلك يكون حلو أمام أخواتك و شكلنا يبقى وحش أمام كل الناس؟ أنت نسيتنا من حساباتك فترة طويلة وارتضيت إن ماما و أخواتها يصرفوا علينا و حطيتنا في وضع مذل مع أننا مسئولين ماديا منك أنت!
يا مواطن ده أنت بيعت أمي كل حاجة تمتلكها .. لدرجة في الآخر الست اضطرت تبيع ماء وجهها.. ده أنت خسرتها كل حاجة حتى في الآخر خسرت أشقائها - على أساس أنها من الأول بايعة أخواتها - يا شيخ دي الست لسعت منك و شعوذت.. و ما سابتش دجال إلا و كشف على المطبخ بتاعنا و على البيت كله و بقت تقول:" عكوسات" .. من الأخر يااااااا – مش عارف انطق كلمة بابا.. مش راضية تطلع.. عموما.. إحنا لم نكن ضمن أولوياتك.. و حتى لما لعبت دور الممول لفترة .. لكن فينك من دور الأب؟
أنا كنت محتاج أب!
- أنا كنت محتاج أب يكون جنبي.. يقلب المحطة في الوقت المناسب .. فأفهم أنه ما ينفعش أشوف المشهد الفلاني.
- أنا كنت محتاج أب يدافع عني لما زميلي ضربني على قفايا فأدخل المدرسة و جنبي والدي.. درعي.. لكن سيادتك لم تتمكن من الحضور لأن كان عندك ماتش.. و اكتفيت ب: "ماما هتشوف الموضوع ده .. ما تقلقش.. "رغم أني كنت محتاجك أنت تكون موجود حدي..
- أنا كنت محتاج أب يزورني في المدرسة والمدرسين يقابلوك في يوم من الأيام .. إلا عمرك ما حضرت لي مجلس أباء و لا غيره.. ولما كنت أمرض .. كنت محتاج أشوف ايديك مرفوعة للسماء و جبهتك موضوعة على الأرض .. تدعي ربنا لي و تطلب لي منه الشفاء .. فأشعر بغلاوتي عندك ..
بالك لو كنت شفتك مرة دمعت على الآمي .. ياااااااااه.. مش نظام :" خديه للدكتور الله يخليك أصلي مرهق و تعبان .."
- كنت محتاج أب يراقبني و يشوف بأهبب إيه على النت.. مش كل همه انه يتباهى أمام الناس انه مشتري لأولاده كمبيوتر حديث و مشترك لهم في" الدي أس ال": و الولد ده خلبوص كبير .. و الله ما باشوفه خالص .. الكمبيوتر واخده مني .. هيه .. جيل.. هو أنا لما كنت في سنه كنت أستجري أقفل على نفسي و والدي في البيت؟!
- أنا كنت محتاج أب يكون همه الأول .. أنه يبني أولاده .. مش يبني لهم .. و النتيجة إنك لا بنيتنا و لا بنيت لنا !
- أنا كان محتاج أب يكون له نظرة في أصدقائي و يعطيني رأيه فيهم و يقول لي : سيبك منه الولد ده .. مش هو ده الصديق الصدوق .. لأن أخلاقه زفت و هيضيعك.. لكن كل اللي كان همك.. أني أقاطع أولاد خالاتي لأنك كاره أي علاقة مع أقارب أمي .. بغض النظر عن مصلحتي .. رغم أن أقارب أمي ياما ساعدوك.. و أخرها توسطوا لك للحصول على وظيفة محترمة.. بدل ما كنت تحمل اسم لعيب.
: لعيب يا بن ال
: اشتم و ماله .. لكن كنت هأقدر إنفعالك و أقدرك أنت شخصياً لو كنت شتمتني أو حتى ضربتني عشان تدافع عن مستقبلي ولو بمنع المصروف عني.. أو لو كنت لطشتني قلم لما إمتنعت عن التعليم.. لكن أنت استنجدت بالبوليس لما مكانتك أنت تهددت كأب .. مش لما مستقبلي الدراسي أنا كان مهدد !!
-أنا كنت محتاج أسافر معاك أنا و أخواتي و أمي نشوف العالم و نتباهى بك و بوجودنا معك فنشعر بترابطنا كأسرة و بأن والدنا لا يتركنا عشان يتفسح لوحده .. لكن طبعا أنت كنت تفضل السفر وحدك بره مصر.. لزوم الحرية و الفرفشة.. و كنت فاكر أن شنطة هدايا وشوية حلويات كفاية علينا..
- أنا كنت محتاج حد يحكم ما بيني و بين أخوتي ويعرفني إذا كنت غلطان و لا عندي حق إذا اختلفت معهم.. و بعد لما يعرفنا الصح من الغلط .. يصالح ما بينا.. مش كل لما حد يشتكي لك.. تكبر دماغك و بوسوا رأس بعض يا ولاد .. بالذمة دي مصالحة دي و لا مهادنة و لا بتنيمنا و لا إيه بالظبط ؟!
- أنا كنت محتاج أب يسهر معايا ليلة الامتحان .. حاضر و موجود إذا احتجت سؤال .. يجاوبني .. يمنع فتح التلفزيون و يرفع سماعة التليفونات عشان أركز و الصبح يدعي لي و يقرأ على آية الكرسي و " فهمناها و سليمان.... "و يطمني .. مش أب قاعد "مجصطن" و ممدد رجليه أمام التلفزيون و عمال يقلب في الفضائيات :"و فين العشاء .. و فين الحلو ؟ " و ممكن بكتيره يقول: يا الله عايزينك تبيض وشنا مش ذي كل سنة ! و رامي الحمل كله على ماما .. هي اللي تحضر لك و تجهز لنا الغداء و يعدها تنظف المطبخ .. بعدين تقوم تذاكر لنا و بعدين تسهر تصلي و تدعي لنا.. و سيادتك فاضي و مركز في مشاهدة الفضائيات وأصوات ضحكاتك و تعليقاتك على أحداث الفيلم تنرفز.
- أنا كنت محتاج أب يكون إستشاري تنفيذي مش إستشاري فقط !
- أنا كنت محتاج أب يمارس الحنان و الرحمة مع زوجته.. مش متسيد عليها .. فأتعلم و أشوف بعيني المعنى الفعلي للمودة و الرحمة!
- أنا كنت محتاج أب "مش مطاط" مش من نوعية محترفي تقنين الضحكات .. يعرف لمن تمنح و لمن تمنع .. و لو بقايا ابتسامة كان مانحها لشخصية غنية شهيرة .. يسحبها .. إذا واجه بعدها شخص فقير على هامش الحياة!
- أنا كنت محتاج أب مركز معانا.. لكن أنت طول عمرك مركز في نفسك .. في هواياتك و في مستقبلك الرياضي و التجاري و مزاجك و في ظروفك و أوضاعك .. يا شيخ أنت حولتنا لأيتام وأنت عايش!
: يا بني .. اسمعني
: الله يخليك.. ما تقلش يا بني.. ناديني باسمي .. والحمد لله أنت ما اخترتوش ..على فكرة أنا عارف انك اكتفيت باختيار اسم اخويا الكبير لزوم مجاملة صاحبك .. ما أنت العرفان بالجميل عندك و الصداقة آخرها- في مفهومك- انك تضحي باسم ابنك البكري و تسميه على اسم صاحبك حتى لو كان اسم قديم .. و تأخد بنط على حساب أسمائنا .. لكن تعطي صديقك حقه.. توفيه نصيبه.. لا .. مش للدرجة دي.. و الأعذار تشتغل .. و أنا أصلي كنت مخنوق .. أعتقد يا والدي العزيز أن ده يعتبر درس عملي لأبنائك من والدهم القدوة في كيفية خيانة الصديق وعدم الوفاء بالعهد معه.
: أنا والدك و تحترمني غصب عن عينك و مش هتحاسبني يا قليل الأدب.
: لا أحاسبك وأحاسبك و أحاسبك و نص كمان .. أحاسبك لأنك مسئول عن قلة أدبي أو إنعدامه .. تعرف أنت لو كنت رجل فقير.. كحيان أو معدم .. لكن مسئول وعندك شوية دين .. كنت أعطيك ألف عذر و عذر .. و كنت أعتز بوالدي المكافح.. اللي كان يقطع من قوته عشان يربينا و يعلمنا .. ما أغلب الأغنياء كانوا معتزين بآبائهم الفقراء.. أنت عارف " نيشان" اللي أنت غاوي تتفرج على برنامجه " العراب "هذا المذيع يا كابتن.. ليل نهار كان فخور بوالده كان الإسكافي أو الجزماتي .. لإنه عرف يربي !
- تعرف أنا ممكن أفهم سبب قيام أب قروي ساذج بشراء موبايل عشان يفرح أولاده حتى لو وضعه و هو نائم بجانب أبناؤه تحت المخدة .. لكن أنت متعلم أو مدعي علم .. و عارف مخاطره و المفروض انك أنت تمنعنا عن حاجة ذي كده.. خصوصا إنك عارف إنه مسبب للسرطان..
تعرف حضرتك لو كنت جاهل.. أو أمي.. فممكن أتوقع منك إنك تقول لماما :هاتي البيرسول و رشي شعر العيال عشان الأمل اللي فيه.. لكن ده أنت ببدلة و خريج جامعة و سافرت و رحت و عامل فيها مثقف و بتقرأ لهيكل .. يبقى كيف أسامحك.. هو أنت من الأصل معتقد انك غلط و لا طلبت السماح!
- كمان عايزني أستسمحك .. ده ناقص تقول لي : بوس ايدي ..اسكت مش عايز أسمع صوتك .. أنت زودتها و
- لا مش هاسكت .. هأكمل و هتسمعني .. تعرف.. أنت لو كنت مهاجر أو مغترب و مضطر تتركنا لتوفر لنا حياة كريمة .. كنت أقدر لك جدا غربتك و سعيك للرزق الحلال لكفاية أولادك.. و عمري ما كنت أصدق كلام الإعلام اللي بيروج أن المغتربين بيهملوا أولادهم .. لأنه مش بإختيارك .. بالعكس كنت هادافع عنك وعن غيابك عن حياتنا .. ما سيدنا إبراهيم لم يعش مع ابنه إسماعيل و لا مع زوجته السيدة هاجر فترة طويلة .. و لكن كانوا يقدروه جدا.. لأنه كان مضطر و كان هناك أمر الهي بترك أهله.. لكن أنت لم تنفذ أمر ربنا .. مش ربنا قال لك :" و أؤمر أهل بالصلاة و اصطبر عليها...."
مع ذلك عمرك ما سألتني إن كنت بأصلي .. مكسل و لا مصهين.. أصل الصلاة مش قضيتك..
صدقني أنا مش معني بانتقاد أوضاعك المالية المتعثرة .. لكن أنت كنت تمتلك فلوس و شباب و صحة و ضيعتهم و ضيعتنا.. و النهاردة بتقول لي: ربنا ! و ناقص تتوعدني بمصير من يعق أبويه.. عمرك ما خطر في بالك انك أنت اللي عاق لأبنائك!
تصدق أنا كان نفسي أكون أنا اللي أبوك عشان أربيك و أوريك كيف تكون التربية على أصولها ..طبعا كلامي مش عاجب لكن.. تفتكر أنا ما كانش نفسي يكون عندي أب محترم أكن له كل تقدير و احترام .. أب أفتخر فيه و أبوس إيده أمام العالم كله؟َ!
عارف: في رمضان أحياناً.. بأدخل في دور دين بمناسبة الشهر الفضيل..لكن الصعوبة الحقيقية اللي بتواجهني هي فشلي التام في معاملتك كأب.. يا أخي مش قادر أحترمك!!
: أنت أصلك ولد عديم الرباية .. بن ستين
: أتفق معك كلياً.. أصل لو مؤاخذة " البابا بتاع الأنا "ما كنش فاضي يربيني.. كان مشغول و أنده ماتش".. و موضوع بن ستين صحيح .. لأن العرق دساس! وعلى فكرة أنا "مستخسر "فيك اخويا الطيب!!
: أخوك برقبتك يا سافل يا منحط.. يا....
: كمان ما اختلفناش .. لكن أخويا الطيب مش صنعة يديك وحياة عينيك.. و طلع منك "ستروبيا " ما داهية لو كنت فاكر إنه تربيتك .. ده يخلق من ظهر ...
: اخرس .. قطع لسانك.. اخرس
: و ماله .. ما ابنك لما يكون من غير لسان و فيه أي مصيبة أو عاهة.. ما هيعرك .. و ده هدفي في الحياة.. هدفي أن الناس تشاور علي و تقول: الفاشل بن الفاشل.. و كل خوفي انك تمرض مرض الموت و تجمعنا في المستشفى في مشهد إبتزاز عاطفي ..
و نظام: "سامحوني يا أولادي .. اء "..
وبعدين نغني لك أغنية عمرو تعالب: "كان طيب .. كان حنين.. اتاريه كذاب كبير.. مش ذي ما كان مبين .. ده خدعنا سنين كتير!!"
: بره .. بره .. امشي اطلع بره.. مش عايز أشوف وشك.. يا رب تموت.. يا رب تتحرق بجاز .. أنا بريء منك ليوم القيامة!
: الله الله الله .. ده احنا بقينا نفكر في يوم القيامة أهو!!!
إن يك الموت قصاصا، أي ذنب للطهارة
و إذا كان ثوابا ..أي فضل للدعارة
و إذا كان و ما فيه جزاء أو خسارة
فلم الأسماء إثم و صلاح؟
رب شخص عشت معه زمنا ألهو و أمرح
أو مكان مر دهر و هو لي مسرى و مسرح
لاح لي في البعد أجلى منه في القرب و أوضح
كيف يبقى رسم شيء قد توارى
طلاسم ( أبو ماضي)
المرأة الخارقة
عارفة يا نهى:
ربنا يقدرك و يعينك لأن مجال عملك في التربية صعب و نسبي للغاية.. و ليست له قوانين ثابتة.. فرغم إيماني الشديد بضرورة تفرغ الأم لأبنائها خاصة في مرحلة الطفولة و مصاحبتها لهم في مرحلة المراهقة .. إلا أني أتفهم أحيانا أنه لكل قاعدة استثناء يثبتها و لا ينفيها .. فمنذ أسبوع، قدم "برنامج العاشرة مساء" نموذج للمرأة الأرملة التي اضطرت للعمل فترتين صباحا و مساء لتعليم الأبناء و كفاية طلباتهم.. و رغم غياب الأم شبه الكلي عن البيت إلا أن أبنائها حضروا جميعا لتكريمها و للإشادة بها .. مؤكدين أنها كانت دائما موجودة بروحها و كيانها معهم.. فهي هناك.. لكنها تعمل لإعالتهم .. تعمل لتحققهم .. تعمل من أجلهم.. و قضية تحقيق ذاتها تتحقق لها في النهاية بنجاحها في الوفاء بمسئوليتها .. هي أم تدرك حقيقة الأمانة الموضوعة على عاتقها .. و تكون النتيجة هي تقبل و تفهم الأبناء لضرورة غياب الأم عنهم كما يكون أي تقدير معنوي أو مادي لا يفيها حقها .. خاصة أنها هي بذاتها قيمة ..هي بذاتها حق و حقيقة.. هي بعظمتها تضيف بعداً إنسانيا و حضاريا في حياة الأبناء فيشعرون أن الله قد منحهم صرحا أعظم من الأهرامات .. و أخلد.. بكل ما تبذله لهم و لذريتهم من بعد.. بل إن الأهرامات تصبح بجانبها أحجار صماء!
لقد بكيت عيني حينما سمعت الأم تقول بكلمات صادقة للغاية : " أنا ما كنتش بافكر في لبس و لا فسح و لا خروج .. أنا ما كنتش بافكر غير أني أربيهم بما يرضي الله "
وإن نسيت فلن أنس- يا نهى - حديث إحدى زميلاتي حينما قصت لي رحلة كفاح أمها بعد وفاة الأب.. و كيف كانت تحرص على إطعامهم أفضل ما لديها من الطعام قبل قيامهم بزيارة أحد الأقارب سواء من جانب الأب أو من جانب الأم.. حرصا منها على أن تظهر أبنائها بمظهر طيب و لتثبت أنها قادرة على إشباع احتياجات أبنائها.. و أنها لا تزور لتطلب و لكن تزور للود فحسب.
هكذا أم- يا نهى - ترسخ مفهوم الكرامة بأغلى معانيه رغم ضيق ذات اليد و رغم رحلة الكفاح المضنية .. كما حرصت أم زميلتي على أن تؤكد للأبناء أن رغبتهاها في عدم الزواج ثانية و التفرغ للعمل على تربيتهم إنما هو خيار لها نابع من رغبتها هي و طبيعة إمكاناتها و قدراتها .. و لم تقلل يوم من شأن أرملة أخرى اختارت الزواج و قامت بتربية أبنائها .. بل كانت تؤكد على أن المهم هو أن يكون الإختيار صائب.. فالسيدة لم تشوه صور نظرائها من الأرامل إذا كان لهن خيار آخر.. كما لم تمنع حقا و لم تحرم حلالاً و لم ترسخ صورة زوج الأب "الشاروني" .. بل رسخت قيمة قدرة الإنسان على تخطي كل الصعاب إذا أحسن الاختيار و تحمل المسئولية.
و إذا قارنا بينها و بين أم ليست موظفة و متفرغة لبيتها و أبنائها و لكنها "الحاضر الغائب" تعيش حياتها على التليفون.. تقتل الوقت سفاحاً في السؤال عن فلانة و علانة و ترتانة .. مولعة بالقيام بدور المستشارة المجانية.. تحضر الطعام بملل و تعيش الحياة آسفة على ما راح من عمرها هباء في البيت رغم أنها كانت تستطيع لو أتيحت لها الفرصة أن تكون سيدة مجتمع بارزة في مجال ما !!
أم لا تقدر ذاتها ووضعها إلا إذا خرجت من البيت و ارتدت "التايير الكلاسيك" و الحذاء الإنجليزي .. و تعود للبيت و تقوم بكل واجبتها بقرف و كراهة.. تبحث عن "فرصة منكرة" بدون "ال".. فأي رحلة تعتبر فرصة و أي ملابس و لو قديمة و مستعملة تعتبر فرصة و أي هدايا تأخذها ممن كان .. حتى لو دفع الأبناء ثمن هذه الهدايا من شرفهم و كرامتهم.. أيضا تعد فرصة لا بد أن تقتنص!
مجرد .. أم!
- أم معذورة نوعا و قد تكون مجبورة حتماً .. لأن المجتمع يهمش دورها الجوهري في الحياة فهي تسمع زوجها و أبناها يقولون : " ماما لا تعمل .. قاعدة في البيت ما بتشتغلش".. رغم أنها مفحوتة.. و تعمل 24 ساعة يوميا .. بدون أجازات أو راتب أو حوافز أو حتى مكافئة شهرية.. و كأن ما تقوم به يدخل في باب لعب "السيجا "أو "أوتوبيس كومبليه" !!
أم معذورة لأنها تسمع يوميا وسائل الإعلام تشيد بالدكتورة فلانة و المهندسة علانة و الفنانة ترتانة التي لم تكن مجرد أم فحسب .. بل كانت ثم أصبحت و لن تمسي لأن التاريخ لن ينسى الممثلات..
فهن من يحصدن من الجوائز أموالاً و من محبة الناس أرطالاً..
أعلام المجتمع يحصدون الأكاليل و الورود .. بينما هي عليها أن تقنع بشوك الحقول!
شهيرات المجتمع و نجماته نجحن في لعب دور المرأة الخارقة.. نجاح في البيت و نجاح في تربية الأبناء و نجاح في إرضاء الزوج و نجاح في المحافظة على رشاقتهن و جمالهن .. و نجاح خارج البيت في تحقيق رسالتهن تجاه المجتمع!
- كيف لأم تعاني من هكذا ضغوط أن تفك هذه الطلاسم و تحل هذه المعادلات المستحيلة ؟ كيف لها أن ترضي الجميع و تأمن غدر تقلبات الأحوال و هي ترى شقيقاتها و جاراتها و صديقاتها و قد أخذن مقلب العمر و بعد 30 سنة زواج و تفاني ثم " أويت"
ًOut
برة .. و معاش مبكر غير مدفوع الأجر ..أو :" إتفضلي المؤخر بتاعك على داير المليم- و قيمته 500 جنيه كما كتب في العقد من ثلاثين عاماً "
طبعا لن تفكر الدولة في ضرورة أن يتم كتابة الديون بما يساويه من جنيهات ذهبية .. ما يعني أن هذه الأم المطلقة العجوز ستتحصل على 500 جنيه – بقضايا أو بدون- لا تكفي لشراء جاكت عدلة ، ومش هنقول تايير كامل !!
- كيف لها ألا تتشوش و تلتبس و هي تسمع حماتها تحرض إبنتها بضرورة الإستمرار في الوظيفة عشان الزمن مش مضمون مع تأييد من زوجها .. ثم تنظر لذاتها فتجد أنها في مهب الريح ؟!
- كيف لمجتمع يرتضي أن يستنزف جهد سيدة طوال عمر كامل تعمل و تحمل و تلد و ترضع و تربي و ترعى و تلبي احتياجات أسرة كاملة .. ثم لا يكون لها راتب شهري أو معاش من الدولة.. مثلها مثل التي تعمل ثمان ساعات يومياً فقط !! .. و من يستطيع منع سيدة من حقها في محاولة الجمع بين العملين داخل و خارج البيت .. حتى لو " طلسأت" لتكون قادرة على حماية نفسها يوم تقلب القلوب و الأحوال و الأوضاع؟!
قد يصير الشوك إكليلا لملك أو نبي
و يصير الورد في عروة لص أو بغي
أيغار الشوك في الحقل من الزهر الجني؟
أم ترى يحسبه أحقر منه؟
لست أدري؟
طلاسم ( أبو ماضي)
جني الثمار
لكن ما ذنب الأبناء؟
-ألا توافقيني - يا نهى- أن الأبناء يفهمون أو سيأتي يوماً سيفهمون فيه حقيقة الأوضاع و يجيدون التفريق بين من هو مهموم بتفاصيل تربيتهم وبين من يمنحهم فتات وقته؟
بين الأم التي تبتسم رغم إرهاقها و تعبها و بين الأم التي تضحك ساخرة من أقدارها!
ألا تتفقين معي أن المشكلة ليست في هجر الأم للأبناء للعمل أو المكوث في البيت؟ فالقضية مثلها مثل طالب جالس على المكتب ساعات و ساعات دون تركيز أو تحصيل و النتيجة الحتمية هي رسوبه بامتياز مع مرتبة الهوان الكبرى..
كذلك أب يمنح فتات وقته لأبنائه دون تركيز أو رغبة في مشاركتهم الحياة و التربية.. فيكون الناتج التربوي مخزي للغاية!! و المفزع أن تجدي الأب أو الأم يزهوان بأنهما أنجبا للمجتمع مهندس و طبيب أو محامي و محاسب أو حتى لعيب ! فالإنجاز لديهم يساوي مهنة معينة .. بغض النظر عن نوعية هذا الطبيب هل هو مجدي يعقوب أم طبيب ترقيع بكارة!!
هل هو ضابط شرطة يضع نصب عينه أمن المواطن أم شرطي حاصل على دورات تدريبية في التعذيب من معتقل جوانتنامو؟
محامي كفريد الديب أم محامي خلع!
مخرج كالعقاد .. صنع رائعة "عم المختار" أم مخرج " تجيبها كده .. تجيلها كده.. هي كده.." أو العسكري شبراوي"؟
فالحرص على نوعية المنتج التربوي لا وجود له في ثقافتنا التربوية- إلا من رحمه ربي-.. بل تجدي الأبوين يلهثان حتى يقوما بتخريج الأبناء من المدرسة أو الجامعة ثم يزوجان البنات .. بعدها يتنفسان الصعداء و يتمنيان لو أنه تم استضافتهما في أحد البرامج " التوك شو" ليعلنا على الملأ أنهما الحمد لله قد أديا رسالتهما و ربوا و كبروا و تعبوا..
:"وعندي سمير .. طلعته دكتور أد الدنيا.. أما عاتشيف صمم على الهندسة فوقفت جنبه لغاية ما توظف في شركة كبيرة.. وحبيبي علاء دخلته الشرطة - ما شاء الله- بقه حاجة تشرح .. و هدى .. دي أخر العنقود.. خرجتها من فنون تطبيقية- ما شغلتهاش- توء توء توء .. قعدتها في البيت و جهزتها وجوزتها و سترتها .. و الحمد لله أدينا مهمتنا و مش عايزين حاجة من حد".. مع تلميح غير مباشر للأبناء أنهم في انتظار مرحلة جني الثمار! رغم أنهما لن يجنيان سوى ما غرست يداهما !
" الناسكة .. أم المشايخ "
نهى:
القضية ليست منح الأبناء الحياة في العشوائيات أو أفخم البنايات.. فمنذ يومين شاهدت في أحد الفضائيات طفلة لا يتعدى عمرها ثمان سنوات .. و قد اصطحبتها أمها لبرنامج" 90 دقيقة" لتحكي مأساتها..عل البنت تحصل على حقها.. فخال البنت قد رآها تمشي في الشارع عائدة للبيت .. فقال لها تعالي اشتري لك حلوى وأخذها للترب و نزل بها في إحدى هذه الترب و أمرها بخلع سروالها و قام باغتصابها .. و قد روت الطفلة الواقعة بمصطلحات حقيقية تفصيلية و طفولية عشوائية - أنا عن نفسي لا أجرؤ على مجرد ترديدها- لكني أستطيع التغاضي عن الكثير من المفردات و ذكر قليل مما ورد على لسان الطفلة الصغيرة .. فكلما حاولت الصغيرة الصراخ .. شرع خالها في ضرب رأسها في حائط التربة ضربا مبرحاً.. ثم فعل ما أراد عدة مرات ثم خرج بها من التربة و رماها في الشارع لتلتقطها سيدة من المارة فتنقلها للمستشفى في حالة يرثى لها!!
فقامت الأم الفقيرة الأمية الجاهلة المعدمة و التي تعيش في بيئة عشوائية.. و التي لم تحظ لا بتعليم أو سواه.. بأخذ ابنتها و الذهاب بها لوسائل الإعلام كي تحرك الرأي العام والداخلية للقبض على هذا الأخ المجرم.
- مرة أخرى أجدني مولعة أو مضطرة لإستخدام المقارنة - يا نهى- بين هكذا أم و بين أخرى تحدثت ابنتها لبرنامج " قلبي معك" مع الدكتورة عبلة .. لتخبرها بأن أمها سيدة الصالون المدعية ثقافة و علم و دين .. باعتها شر بيعة.. بثمن بخس .. فعندما صارحت الابنة أمها أن الخال قد تحرش بها.. طالبتها الأم بتكتم الموضوع و تسترت على الجاني .. و طبعت مع الخال وكأن شيئا لم يكن .. و كلما فاتحت الابنة الأم بمعاناتها .. تفاجأ الإبنة بموقف الأم المتأفف و الذي يريد أن ينهي حديث الذكريات الذي لا داعي له!
وتقول: ننسى بقه .. بصى لقدام .. المستقبل أمامك كبير.. و أنت لسة صغيرة و إن شاء الله يجيلك بن الحلال .. أو معلش يا بنتي .. ربنا شاهد و مطلع .. نسيب خالك للزمن .. ربنا يمهل و لا يهمل .. لكن في الأول و الأخير .. هو أخويا .. ووالدي قبل ما أموت موصيني على أخويا!
و البنت تؤكد - في مداخلتها- أنها لا تطيق الأم أكثر من الخال و تراها أكثر جرماً منه لأن الله لم يغرس في الخال غريزة الأمومة..
و قالت: ربنا ما بيوصيش الأم على أولادها لأنه واضع فيها غريزة الأمومة ..لكن يا ريت جدي كان افتكر يوصي أمي على أولادها علشان ما تذبحينيش كده و ما تدوسش عليا كده و ما تفعصينش بالشكل ده.. بتسترها على جريمة أخوها.. و مش أي جريمة !
و الغريب- يا نهى -إن البنت فكرت في حاجة غريبة
و قالت للدكتورة عبلة: أنأ متأكدة أن لو كان عمي هو اللي تحرش بي .. كانت أمي هاجت و عملت عمايل.. و ضربت عصفورين بحجر واحد.. منها تدافع عن حق ضناها .. و منها تتخلص و للأبد من أقارب زوجها أو أعدائها!! تخيلي يا دكتنورة .. ماما تقول لي: صدقيني أنت فاهمة غلط يا بنتي .. و عموماً خالك تحرش بك فقط وما حصلش حاجة!!
يعني يا دكتورة مش عايزاني أكبر الموضع.. المشكلة انها مش قادرة تقتنع أني مستبشعة جريمتها في حقي أكثر من جريمة خالي.. و بأندهش جداً لما تقولي "سيبي خالك للزمن"!
و ظلت المسكينة تشتكي للدكتورة عبلة وتقول لها : تخيلي يا دكتورة أمي لما نكون وحدنا تبكي و تستعطفني و تقول: أنت مش هتنسي بقه .. إيه القسوة اللي بقيتي فيها دي يا بنتي .. لكن أمام أخوها.. معاملة مختلفة تماما و تعزمه و تعامله أحسن معاملة و تبديه عليا !
و ختمت مداخلتها: كان نفسي أمي تعرف إني بأتألم كل لما أشوفها فرحانة و هي بتهاديني أي هدية و فاكرة أن المال والهدايا تعوضني .. باكون خزيانة وأنا شايفاها بتقبل أي زبالة من خالي لأني عارفة إن ده ثمن شرفي و دموعي و معاناتي .. نفسي أمي تعرف أن مهما حاولت أبرها و أراضيها.. بأستغرب أنها مصدقة إن الموضوع ده من قلبي .. مش مجرد تنفيذ لأوامر ربنا ومجاهدة لنفسي .. نفسي أمي تتألم لأنها سبب صراخي الليلي و عذابي النفسي !! لكن المشكلة يا دكتورة إن أمي بتتعامل معايا و كأن شيئاً لم يكن .. رغم إن تسترها على جريمة أخوها .. جعله يتمادى و أخذ باقي اخواتي البنات وش .. و هي على ما هي عليه من التستر.
يا ماما عبلة .. لو ما كانتش أمي من النوع اللي كل ساعة تقول : "قال الله و قال الرسول" و عايشة دور الناسكة المتبتلة أو أم المشايخ :" و إيه اللي أنتم عاملينه في حواجبكم ده يا بنات.. التنميص و المكياج حرام يا حلويين و القصير ما يصحش يا أطاإيط .." كان الموضوع يكون عندي أهون.. لكن دي أم عيشتنا كذبة كبيرة و المصيبة إنها صدقت نفسها و كمان مطلوب مني أصدقها و أبرها..
قد دخلت الدير أستنطق فيه الناسكينا
فإذا القوم من الحيرة مثلي باهتونا
غلب اليأس عليهم فهم مستسلمونا
وإذا الباب مكتوب عليه :
لست أدري
طلاسم ( أبو ماضي)
ترى يا نهى .. كيف سترى كل من هاتين الفتاتين صورة الأم بعد عقدين من الزمان؟
نفس الموقف و ذات الجريمة و لكن التعاطي مختلف تماما.
أم تعامت عن معاناة ابنتها و تسترت على جريمة الأخ .. فتمادى في جرائمه مع باقي بناتها. . و أخرى لم تفكر .. لا في أخ و لا في سواه .. إذا تعلق الموضوع بشرف أبنائها!
الغريب يا نها أن معنى الشرف قد تقلص لدى مجتمعاتنا حتى قال علاء الأسواني على لسان إحدى بطلات "عمارة يعقوبيان" لإبنتها ا:" كل واحد مسئول عن سوستة بنطلونه !" فصرنا نرى عدداً لا بأس به في المجتمع لا يرى إنتهاكاً للشرف إلا بعملية الإيلاج أو القذف.. بل لقد أصبح المجتمع لا يجرم الفعلة إلا بحدوث الحمل السفاح !!!!
باقي الاسطوانة المملة و المخزية ! فالتقبيل و على الملأ.. فن.. والنوم في فراش واحد و المضاجعة .. إبداع لابد منه لحبكة السيناريو.. و و و و ...
" قول أنا نجوى .. قول أنا عيشة .. قول أنا لولا "
ألم أقل لك - يا نهى- أن الأمر نسبي ..ألم أقل أن التربية صارت أصعب الفنون و العلوم والمهارات؟
ألم أقل أنه شتان بين التربية و إدارة حضانات الأطفال أو إدارة المدارس النموذجية أو رئاسة الجامعات أو حتى تولي حقيبة وزارة التربية و التعليم!!
إن إحتياج الأبناء للقدوة من جانب الأهل كإحتياج الرضيع لحليب أمه.
و لك أن تتخيلي - يا نهى - أنه رغم إدراك الأبناء للطبيعة البشرية للأهل و رغم عدم مطالبتهم بقديسات أو ملائكة في صورة أب أو أم .. و رغم قدرة الأبناء على تناسي أخطاء كثيرة للآباء حتى لو زنوا أو سرقوا أو كذبوا .. إلا أنهم لا يغفرون عقوق الآباء .. و لا يتعامون عن غياب القدوة .. فلا يستطيع ابن غض الطرف عن كون والده أحد رجال الدين أو أحد قراء القرآن .. إذا أقام علاقة محرمة بورقة بدعوى أن هذا زواج عرفي.
إن الأبناء يدركون الطبيعة البشرية لذويهم فيغفرون و يتعامون عن معظم أخطائهم إلا إذا قام أحد الأبوين بنسيان دوره !!
بل- يا نهى - فالأبناء لا يقبلون أن يروا أحد أفضل منهم في الحياة سوى أبائهم و أمهاتهم .. تماما كما لا يقبل الأب أن يرى من هو أفضل منه سوى ابنه.. و يظل الإبن يمجد في والده و الإبنة تزهو بأمها .. لأنهم يفخرون بأساسهم و جذورهم.. و كأنهم يقولون إذا كانت جذورنا طيبة.. فهذا يعني أننا ثمار طيبة.
لذلك فمن الصعوبة بمكان أن يفقد الابن إنبهاره بوالده القدوة إلا إذا لم يهتم الأب بدوره كقدوة فعلية في حياة أبناؤه..
و خطوة فقدان الانبهار إذا لم يتم تداركها سريعا .. تليها خطوة فقدان الاحترام .. ثم تتبعها خطوة فقدان الحب.. حتى يصل الابن للخطوة المدمرة و التي لا يكترث فيها أيهما يدمر.. نفسه أم والديه .. و هذه الخطوة تأتي عندما يصل الابن لمرحلة تمنى الانتقام من والديه اللذان أهملا رعايته و تنشئته و إحتضانه و تقويمه و تربيته.. حتى لو دمر نفسه إنتقاماً منهما.
إن الأبناء يدركون جيداً قيمة الأبوين الصالحين في الحياة .. لكن مقدار بر الإبن لوالديه لن يتحقق بقدرة الأبوين أو أحدهما على المزايدة على مكانته المحفوظة بالدين .. فلا نتوقع ابن مثالي- يا نهى- من أم " نص كم" أو "أب كليشنكان" .. لم يهتما سوى بشكليات التربية و مظاهرها..
فكما أن الغالي ثمنه فيه.. فإنفاق الأبوين كل غال من وقت و صبر و مال و حوار و مشاعر على الأبناء.. سيدر عليهم لاحقاً أبناء بررة لهم قيمة .. لكن عبثا لو حاولت أم بتذكير أبنائها بأفضالها عليهم.. و أذكر أني سمعت هذا الحديث بين أم و إبنتها بأذني:-
: أرجوكي ما تتأخريش يا حبيبتي .. عندنا ضيوف على العشاء
: و أنا مالي "مام" بضيوف حضرتك.. أنا عندي كلاسات و بعدها عندي" ريسرش" في المكتبة و بعدين خارجة مع أصحابي .
: يعني عمري ما أطلب منك طلب و تنفيذيه!
: مام .. ليه الكلام ده؟! أنا مشغولة جداً و حضرتك عارفة إن السيمستر ده صعب .. أه.. قبل ما أنسى ..ابقي ابعتي أي حد يجدد لي رخصة العربية .
: يعني ما بتفتكرنيش غير لما تكوني محتاجة حاجة!
: اه . مام هتبتدي
: هابتدي..عيب يا بنت.. لكن لازم يكون عندك دم.. أنا اللي دخلتك الجامعة الأمريكية و أنا اللي جيبتلك "اللكزس" اللي بتتتفشخري بها و أنت رايحة الجامعة.. و أنا اللي شريت لك المحمول وأنا اللي بأدفع لك فواتيره اللي بالألفات- و يا ريتك بتردي عليه لما بتشوفي نمرتي - وأنا اللي مطلوب مني أجدد لك الرخص .. و أنا اللي مفروض عليا اشتري لبسك" السينيه".. و بتيجي.. تلاقي أكلك جاهز و هدومك نظيفة و مكوية .. و مع ذلك عمرك ما فكرتي في احتياجات أمك.. يا بنتي أنا ليا أفضال عليك كتير و أنت فاكرة الموضوع حق مكتسب.
: مام .. يعني حضرتك بتمني عليا إنك خلفتيني و بتصرفي عليا.. طب ما أنا ما عنديش إمكانيات للصرف على نفسي .. و أكيد جدي و جدتي صرفوا علي حضرتك .. و أكيد أنا كمان هاصرف على أولادي .. لكن أنا فعلاً مشغولة.. لأني لازم أنجح في حياتي و محتاجة دعمك في المرحلة دي.. و أنا مقدرة جدا إنك " مام" و إنك تعبت في ولادتي و في تربيتي و في صرفك عليا .. و معترفة إن حضرتك قيمة كبيرة في حياتي.. لكن لما بتفكريني كل يوم انك بتصرفي و بتعملي و بتضحي .. فده بيضعني في موقف دفاع .. و باضطر أقول لحضرتك إن أنا كمان قيمة مهمة جدا في حياتك..
و أعتقد إن حضرتك بنفسك قلتي لي.. إنك كنت مرعوبة لما عشت أول خمس سنين في حياتك بدون إنجاب .. و إن مجرد حملك فيا قوي وضعك عند أسرة بابا الله يرحمه .. و إن ولادتي كانت بمثابة شهادة ميلاد ثانية لحضرتك و شهادة براءة لك من العقم .. و بولادة أخويا.. حصلت حضرتك على شهادة تثبت إمتلاكك لكل ميراث بابا..
مام.. حضرتك ياما قلتي لي على العذاب اللي كنت بتعانيه قبل الإنجاب سواء من تعليقات الناس غرب و قرب.. أو من تهديد وضعك كزوجة .. و قلتي لي إنه شتان لما كنت تزوري أهل بابا قبل الإنجاب و لما بدأت تزوريهم و أنت شايلاني .. و أعتقد إن ده معناه ان وجودي في حياتك أعطاك شهادات كتيرة و قوة كبيرة و معنى و قيمة أكبر حتى على المستوى المادي.. ده غير فرحة الأمومة و فرحة الرضاعة و فرحة خروجك و أنت شايلاني و أكنك ماسكة الدنيا كلها في إيدك .. فأرجو من حضرتك تقدير أني بحاجة لشهادة واحدة من الجامعة مهمة لمستقبلي العملي لأني مش متجوزة و مش ناوية أتجوز .. و يا ريت لما تحبي تطلب مني أي حاجة ما تسمعنيش موشح" المن" بتاع جيبتلك وعملتلك.. لأني و الله نفسي أجيب لحضرتك و أعمل لحضرتك أنا كمان.. لكن مش بإيدي.. و نفسي أتخرج و يكون ليا مركز عشان لما أكبر تقدري تتسندي عليا ! وعلى فكرة حضرتك تعبتي في ولادتي و تربيتي و رعايتي .. لأن ربنا وضع فيك غريزة الأمومة.. و لو كان الموضوع طيبة قلب من حضرتك و كرم .. فليه حضرتك ما صرفتيش و ما ربتيش أطفال أيتام وأعدادهم بالملايين؟! فالموضوع
: الموضوع يا بنتي أني يظهر ما عرفتش أربيكي .. أنا قضيت عمري أحميكي و منعت أي مخلوق إنه يؤذيكي .. و النهاردة .. عندي يقين إنك مش ليا .. مش بنتي .. مش البذرة اللي زرعتها و رويتها .. لكن عمري ما هاجني ثمارها.
رب بستان قضيت العمر أحمي شجره
و منعت الناس أن تقطف منه زهره
جاءت الأطيار في الفجر فناشت ثمره
ألأطيار السما.. البستان أم لي؟
لست أدري
طلاسم ( أبو ماضي)
بصراحة - يا نهى - استفزني كلام البنت و خفت أمها تغضب عليها جامد و في ساعة زعل تدعي عليها فتدخلت وقلت للبنت
: يعني أولاً.. نبرة صوتك فيها لا مبالاة و مش عايزة أستخدم لفظ عقوق .. و لو أن النبرة نفسها هنتحاسب عليها .. لكن اسمعيني.. لو فعلا الموضوع مجرد غريزة في كل أم .. تقدري تفسري لي وجود أعداد ملايين الأيتام و اللقطاء في مصر و العالم .. تقدري تنكري إن ألاف الأمهات رموا أولادهم في أقذرها صناديق زبالة !! أو قتلوهم و أجهضوهم بعمليات "أبورشن"!! تقدري تفسري آلاف حالات الطعن و إنكار النسب اللي بيرفعها الأباء ضد أبنائهم؟!!
مش- لسة- أنت حاكيالنا عن الأب النمساوي اللي حجز بنته في قبو لمدة 24 سنة و فضل يغتصب فيها و خلف منها سبعة سفاح ؟ مش الصحف بعدها بأسبوع واحد نشرت جريمة مماثلة لأب فرنسي عمل نفس الموضوع في بنته لمدة 28 سنة؟!
المشكلة انك معتقدة إن والدتك مكسب طبيعي أو قضية مسلم بها.. لا ميزة فيها و لا فضل و لا نعمة من ربنا.. لأنها تفعل كل ما تفعل بناء على غريزة مزروعة فيها .. و مش قادرة تفرقي إن الموضوع مش لقب أم لكن في نوعية هذه الأم .. و ثقي إنك في يوم من الأيام هتتأكدي إن اعتقادك خاطئ تماما .. و الدليل على كلامي .. إن لولا فضل ربنا عليك .. كنت زمانك بنت يتيمة بيحتفلوا بك أول جمعة من كل إبريل مرة واحدة فقط كل سنة .. فقط لا غير !!
كنت ممكن تكوني بنت واحدة رميتك أمام جامع أو ملجأ .. و من عالم ! يمكن كنت تجدي مصور يجد وجهك بائس فيصورك و تطلعي في إعلانات التلفزيون تستطعفي القلوب الرحيمة للتبرع لك و التفكير فيك و في أمثالك و لو مرة في السنة .. و كنت ساعتها مش هتركبي غير سيارة التلفزيون اللي هتصورك و هتتعلمي - لو اتعلمتي - في مشغل تريكو بكتيره !
و أخوكي اللي أنت فخورة إنه ظابط شرطة و حاصل على ماجستير في القانون الدولي.. كان ممكن - لولا فضل الله- اللي وضعه أمانة في يد إنسانة فاضلة ذي والدتك .. كان ممكن يكون بن بيئة فقيرة معدمة .. بيشتغل في جراج أو أرزقي بيبيع " كلينكس" في الشوارع.. و أي ظابط بوليس -سادي- ممكن يأخده تحري و يمارس عليه جنون العظمة و يركعه و يجبره و يقول له :" قول أنا نجوى .. قول أنا عيشة .. قول أنا لولا " لإذلاله .. أنت مش مقدرة قيمة أم توفر لأبنائها عيشة كريمة و بيئة آمنة ..
و بعدين أنت معتقدة إن أي واحد يقوم بزيارة لملجأ أيتام .. بيكون دافعه الوحيد هو كفالة الأيتام كده لله في لله؟ ما ممكن تجدي واحدة أو واحد عقيم .. فيروح أي ملجأ و ينقي له طفل أو طفلة حلوة .. منها ينفي عن نفسه أمام العالم سبة العقم و منها يمارس أبوته و مراته تمارس أمومتها.. و عمره ما هيفكر في قضية التلاعب بالأنساب .. و بعدين يعيشوا الكذبة و يصدقوا نفسهم .. بذمتك لو عرفتي أن في ناس بالشكل ده.. تقدري تقولي إنهم عملوا كده من منطلق لهفتهم على تربية الأيتام؟.. طب ما كان ممكن يكفلوهم بدون تلاعب في الأنساب.. مش ساعتها ممكن تقدري والدتك مليون مرة اكتر .. كمان كان ...
: كفاية يا داليا .. خليها تمشي و تغور .. مش عايزة أشوفها دلوقتي .. و عموما أنا اللي رافضة تقابلي ضويفي.. و يا ريت تيجي و تدخلي على أوضتك و مش عايزة اشوف وشك الفترة اللي جاية دي خالص
: مام أنا آسفة
: لا مام و لاداد.. أرجوكي كفاية.. ده الواحد لو كان مربي كلب و لا قطة كان يبقى أحسن له.. أنا محتاجة وقت أراجع فيه نفسي و أراجع فيه تربيتي لك!
نهى:
مهما حرص أولياء الأمور على تشكيل الأبناء في الصغر .. فإنه تجد في الأمور أمور و تتضح الرؤية و لو بعد حين .. و في النهاية لن يصح إلا الصحيح.
ملحد سبعيني!!
و سأستشهد لك - يا نهى- بقصة ملحد سبعيني قابلته في يوم ما !!
فرغم أن والدتي - أمد الله لها في العمر و الصحة - كانت تروي لنا و نحن صغار ضمن ما تروي.. قصصا عن سندريلا و الأميرة و الأقزام السبعة .. إلا انها كان تنوع في حكايات قبل النوم.. و كثيرا ما كانت تقص علينا حكايات دينية سواء قصة سيدنا موسى أو سيدنا عيسى أو قصة غزوة بدر و أحد.. كما حكت لنا عن "اليهود و الكفار و قوم سيدنا لوط " و كانت حكايات والدتي بالكيفية التي روتها لنا في الصغر عن هؤلاء الثلاث تحديداً.. تجعلني أضعهم في خانة" الغول و العنقاء و الخل الوفي" أي أني كنت متيقنة أن الصهاينة اليهود و الكفار الملحدين و الشواذ المزدوجين هم ثلاث مستحيلات لن تضعني الحياة وجها لوجه معهم أبداً.
و دارت الأيام.. و أجادت علي الدنيا بكرمها .. فرأيت الثلاث.. رغم أنني كنت معتقدة أن الموضوع لن يخرج في حقيقته عن كونه قصصاً و حكايات لأمي قبل النوم .. أو دروس في المدرسة عن بعض الشعراء الشواذ أمثال الفرنسي "رامبوه"..
لكني في سيناء ..قابلت صهاينة يهود .. بشر مثلي و مثلك -يا نهى- يتمتعون بشمس دهب و يصطافون على شواطئ خليج نعمة في شرم الشيخ .. يبتسمون لك و يقيمون في نفس الفنادق التي نقيم فيها و يتبضعون من نفس الأسواق و ينطقون ب" شينهم لا ب ضادنا" .. و كانت أول صدمة !!
ثم تلتها صدمة مقابلتي للشواذ !! و ما أكثرهم الآن .. تصطدمين بهم في مصاعد" السيتي سنتر " و يضحكون منك إذا لمحوا هيئتك و أنت فاغرة فاهك من الدهشة عندما تشاهديهم رأي العين المجردة.. فتلمحين الأصباغ على الشفاه و الوجنات و الجفون و تعرفينهم من حركاتهم ومشيتهم و من ملابسهم المزدوجة و من القرط المنفرد الذي يرتدونه في إحدى الأذنين..
يا نهى:
"الشواذ و الملحدين و الصهاينة" كثروا جدا في بلادنا و إنتشروا.. لقد خرجوا من جحورهم.. خرجوا في الصباح .. في ضوء النهار .. مجاهرين بشذوذهم و إلحادهم و صهيونيتهم.. تستضيفهم الفضائيات و و تقدمهم كليبراليين تقدميين أو مفكرين و مبدعين ...
و كنت في طفولتي شاهدة على خلاف فكري بين والدي ووالدتي فيما يتعلق بما كانت تسميه أمي بعدم أحقيتنا بإصدار أحكام على الأشخاص فيما يتعلق بمعتقداتهم .. فلا يحق لأي مخلوق مهما كان أن يدعي أن فلان هذا ملحد مهما كان الأمر.
و كان والدي مختلف نوعا معها في الرأي فيقول لها ما معناه: "إن معرفة الشر و الأشرار ضرورة حتمية لإتقاء شرورهم.. ثم أنه لا تتوقعي أن يأتي فلان و يقول لك جهارا نهارا: لقد صبئت عن دين أجدادي و كفرت بالذي نزل على محمد.. نعم لا يحق لنا أن نكفر إنسان .. و الله وحده هو الذي يحاسب و لكن من الضروري ألا نتعامى عن الحقائق و الشواهد .. فحينما يلمح أحدهم في معرض كلامه .. أن هذه الدنيا قد خلقت صدفة و أنه لا حساب و لا عقاب و لا ثواب و لا آخرة و موضوع الجنة و النار ما هو إلا فكرة مخيفة لممارسة القمع على الشعوب .. و أن " شوية الرسل " دول ما هم إلا مبدعين و مفكرين بل و عباقرة استطاعوا خداع العامة .. فهنا لابد أن ندرك أننا أمام ملحد حتى لو كان كلامه " جس نبض" قام بعدها بتغييره كنوع من أنواع "التقية " الذي يستخدمها الشيعة للتعايش في مجتمعات السنة !
و رغم هذا الخلاف الذي كان يثريني فكرياً إلا أني يا نهى.. كنت معتقدة أني -أبدا - لن أقابل ملحداً في حياتي خاصة لو كان عربياً..
و قابلته!!
ملحد سبعيني يكرر نفس الديباجة .. و يستخدم نفس مفردات " الصدفة " الرسل شوية مبدعين عباقرة .. الدين أفيون الشعوب .. هتاخدم مقلب العمر لما تموتوا .. و لا في حساب و لا يحزنون.. و كل اللي نابكم شوية الحركات اللي بتعملوها و انتم بتصلوا.
: يا ستااااااااار .. يا حفيظ .. لا حول و لا قوة الا بالله!
و العجيب يا نهى أن هذا الملحد السبعيني عندما رأي علامات الخوف و الفزع في عيني حينما صرح بإلحاده
قال: بالك يا داليا .. المرة لوحيدة اللي تمنيت فيها أن أكون غلطان و أن الموضوع ما يكونش صدفة و أن فعلا يكون في إله لهذا الكون ذي ما بتقولوا .. و أن يكون في جهنم و عذاب قبر و ثعبان أقرع و خزعبلات من دي.. عارفة إمتى؟ لما تخيلت جدتي - والدة والدي - في جهنم!
مالك ساكتة ليه؟ ما بتعلقيش .. خايفة؟ أنا أقلك :
أصل ما يغركيش شيبتي و أفكاري.. ده في ناس ذيي كتير .. مفكرين و مشاهير و رواد ..
.. يا داليا .. أنا في يوم من الأيام كنت طفل رضيع .. لكن كنت يتيم .. والدي مات قبل ولادتي .. فوعيت على الدنيا .. ووجدت نفسي في بيت جدتي ..عايش معاها عيشة فل.. آخر دلع و منجهة.. و كانت تضع أمامي كيلو موز أكله لوحدي .. و بعدين تضمني لحضنها و تقول لي
: يا حبيبي .. يا ضنايا .. تعالى في حضن جدتك يا غالي .. يا بن الغالي .. هو لك حضن غيره! أمك بنت ال.. زمانها نايمة في حضن رجل غريب .. ما صدقت أبوك مات من هنا .. و رمتك رمية الكلاب.. لكن أوعى تخاف يا نور عيني .. أنا هاربيك و أعلمك و أكبرك وأعملك كل اللي نفس فيه.. يا غالي .. يا ضي عنيا .. و إياك تفكر لحظة في الملعونة اللي جريت لراجل تاني و نايمة معاه و سابتك و أنت لحمة حمرا.
: و هو ده مبرر لإلحادك ؟!
:إلحاد إيه و بتاع إيه.. يعني هي كانت جدتي عندها ذرة دين .. دي الست بجبروتها جمعت كل طاقتها عشان تغرس فيا أكبر قدر من الكراهية لأمي و أهل أمي ..عموما أنت بتقولي عليا ملحد و كافر و زنديق..
: هو نا اللي باقول .. ما أنت نفسك مجاهر .. هو يعني أنت بتنكر إلحادك؟
: يا بنتي .. ما الولية كانت بتصلي .. و لابسة البرقع و البيشة .. ولا ترى رجلا و لا يراها رجل .. و عايشة في عزلة في دور التقية الورعة .. لكن عمرها ما اهتمت أنها تحببني في ربنا و لا تعرفني عليه .. لكن كان همها الحقيقي.. أنها تكرهني في أمي و تبعدني عنها و تبعدها عني و تفرق ما بيننا.... كانت بتعمل نسك و عبادات و حركات مفصولة عن الواقع .. ما كانت السبحة في إيدها ليل نهار و مع ذلك شغالة حقن و توقيع .. أنت عارفة.. بيت ستي.. تدخليه .. تحسي نفسك في صومعة .. بخور و أرابيسك و سجادة الصلاة على طول مفرودة و كلك حركات !! لدرجة أن الست قبل ما تموت قلبت سريرها وعدلته على القبلة.. تخيللي!! و مهما أقول لك كانت بتقول إيه عن أمي و أهلها و مهما أوصف لك عن طول لسانها و قذارة قلبها و معدنها .. و مع ذلك جهزت نفسها للقبلة..ها أو..! صدقيني دي لو كانت عندها ذرة شك - مش اعتقاد - مجرد شك انها هتقابل في يوم من الأيام معاون نيابة الأزبكية.. مش رب الكون .. كانت لمت نفسها و ما تجبرتش على والدتي و حرمتني منها بالشكل ده.. ياشيخة بطلوا بقه تمثيل ....!
قيل: أدرى الناس بالأسرار سكان الصوامع
قلت: إن صح الذي قالوا.. فالسر شائع
عجبا كيف ترى الشمس عيون في براقع
و التي لم تتبرقع لا تراها؟
لست أدري
إن تك العزلة نسكاً و تقى ، فالذئب راهب
و عرين الليث دير .. حبه فرض وواجب
ليت شعري أيميت النسك أم يحي المواهب
كيف يمحو النسك إثما و هو إثم
لست أدري
طلاسم ( أبو ماضي)
صدفة
و لو تشوفي سعادتها لما كانت أمي المسكينة تزورني .. و تكون جدتي قبلها " عاطياني الدوز التمام " فأول ما تدخل أمي البيت .. أصرخ فيها و أشتمها و أبهدلها و أطردها: امشي يا سافلة يا منحطة .. مش عايزك .. مش عايز أشوف وشك .. روحي مطرح ما كنت.. ناموسيتك كحلي يا عروسة.. لسة فاكرة انك عندك بن رامياه كأنه لقيط .. يا الله.. روحي للبيه جوزك .. نامي في حضنه.. أنا هنا مع جدتي .. هي دي أمي .. ما ليش غيرها .. هي دي اللي بتربيني..
و أمي المسكينة.. تبكي و تنهار و تقول لي : يا بني هي اللي منعتني أخدك .. أنا نفسي تيجي تعيش معايا .. و أنا أخدمك بنفسي و أربيك.. و أنا- يا داليا - امسكها من إيدها و اطردها برة الشقة.. فتكون جدتي محضرة لي عصير لمون .. أشربه و تقول لي: إهدا يا بني .. ما تخليش واحدة ذي دي تفور دمك.. إنساها يا بني .. اللي بيعك بيعه واكسب فيه كمان!!
: يااااااااه... حاجة صعب جدا..
: لكن تعرفي- يا داليا - الصدفة فقط - خلت جدتي تموت بدري .. فبصيت حواليا .. ما لقيتش أي مخلوق في الدنيا واقف حدي .. غير أمي ..احتوتني و صبرت عليا و امتصت غضبي و فهمتني إنها وقت ما تزوجت والدي كان عمرها 14 سنة - يعني طفلة - و لما ترملت كان عمرها 18 سنة .. يعني صغيرة جداً.. و أكدت لي أنها لم تتزوج لأنها عاشت قصة حب و لكن لأنها ما كانتش متعلمة و لا كان في سيدات بيشتغلوا زمان إلا في خدمة البيوت أو في الكباريهات.. و أخبرتني أن جدتي كانت تعطيها جنيه و نصف كمصروف شهري و تقول لها
: شهريتك يا أختي .. إلهي يتمر في جتتك!!
و طبعاً تدخلات في كل صغيرة و كبيرة لتنغيص حياتها .. كما أن والدتي أكدت لي أن فكرة الزواج كان بالنسبة لها عفة و ستر .. فمش ذنبها إن زوجها الأول مات وهي عندها 18 سنة و مش ذنبها إن زوجها الثاني مات و هي بنت 28 سنة و كمان مش ذنبها أن زوجها الثالث مات و هي في الأربعين !
تعرفي أنا النهاردة في السبعينات و شايف الصورة بشكل مختلف.. طبعاً كانت لازم تتجوز عشان تعيش و تجد رجل يكون مسئول عنها ماديا و معنويا .. أنا لو عندي بنت و ترملت و هي 18 سنة .. ما لازم أجوزها عشان أطمئن عليها.
- أنت مخلف بنت؟
- لا .. تخيلي أنا تزوجت ذي أمي 3 مرات و لكن ما خلفتش!
: وطبعااً الموضوع ده كمان صدفة ؟!
: تقصدي إيه؟!
وظل الملحد السبعيني - يا نهى- يصف لي مدى كراهيته لجدته الذي تمنى فقط لو أن هناك رب و إلآه و آخرة و عقاب ليراها متشوشحة في قعر جهنم..
قوم أنا أقول له إيه: "يعني تعتقد إنها هتتشوشح لوحدها ؟ ما أنت هتكون مشرف معها" !!!
: من غير سخرية لو سمحت .. أنا مشكلتي أني مش متأكد .. مش عارف.. يعني أصل بصراحة موضوع التربية و النشأة الدينية دي .. أنا ما خدتش نصيبي منه.. لذلك - يا داليا - تجديني مش متيقن... احتمال تبقوا أنت و أمثالك صح .. ما تقدريش تجزمي..
: لا إن كان عليا فأنا أجزم
:أقصد إن التفكير في موضوع البحث عن رب و البحث عن الذات و الكون .. بيتعب تفكيري !!
أوراء القبر بعد الموت بعث و نشور
فحياة .. فخلود أم فناء فدثور؟!
أكلام الناس صدق أم كلام الناس زور؟!
أصحيح أن بعض الناس يدري؟
لست أدري!
إن أكن أبعث بعد الموت جثماناً و عقلا
أترى أبعث بعضاً أم ترى أبعث كلاً؟!
أترى أبعث طفلا أم ترى أبعث كهلاً؟!
ثم هل أعرف بعد البعث ذاتي؟!
لست أدري
طلاسم ( أبو ماضي)
نهى:
أعتقد أن أمثال هذا الملحد السبعيني لا يحاول أن ينظر لذاته .. هؤلاء لا يقفون امام المرآة إلا ليصففوا ما تبقى من شيباتهم .. لكن موضوع محاولة رؤية الذات من الداخل لا تشغل فكرهم .. ربما ترهقهم!
هل تذكرين - يا نهى- العبارة التي جاءت على لسان أحمد زكي في فيلم " اضحك الصورة تطلع حلوة"؟
: " إن أكثر ما يسعد الإنسان أن ينظر الناس لصورته فيجدوها حلوة" و كم تكون سعادته إذا نظر الإنسان لذاته من الداخل فرآها جميلة !
عمرك فكرت كيف ستراك" منار" حين تكبر؟ أعتقد أن هذه الجدة لم يدر بخلدها أن حفيدها سيري صورتها بكل هذه التفاصيل الدقيقة في يوم ما.. صورة بدون أي رتوش .. يقينا لم تكن تعلم أنه سيهتم " بتفاصيل و فرافيت الحياة " التي عاشها معها..
-هل يدور بخلد أي من الأبوين أن الأبناء يلاحظونهما و يدققون و يركزون مع أبائهم أكثر ما يركز الأهل مع الأبناء؟
يلاحظون متى يغضبون ويقارنون بين درجات هذا الغضب .. متى سكنا ؟ و متى غضا الطرف؟ و متى هاجا ؟ ومتى ماجا ؟ و متى عصفا ؟ و متى ضربا ؟ و من شتما ؟ و بمن رحبا ثم اغتابا ؟ و لمن فتحا الأبواب؟ و مع من أغلقا القلوب؟ و عماذا صهينوا؟ و لماذا ازدوجت معايرهما؟ و من ظلما ؟ و مع من تجبر بابا من منطلق قوة و مع من استضعفت ماما من منطلق لؤم لا من باب الاحتساب؟ و من قام بابا بتهميشه ؟
- لما قام بابا بالاتصال بفلان الثري الشهير مرات و مرات ووقف على باب مكتبه ساعات و ساعات؟ و لما اكتفت ماما بالرنات مع فقراء العائلة في المناسبات؟
- مع من رحب بابا وأقام الولائم و مع أي ضيف بدأت ماما تنظر في ساعتها؟
- مع من تسامح بابا و مع من تصالح و مع من اقتص؟
- على من عيدت ماما في المناسبات و من نسيت في المسرات ؟
- لماذا غضت ماما الطرف عن سوء معاملة بابا لوالدتها ( جدتي)؟ و هل هذا الهدوء يعتبر حكمة منها أم ضعف؟ إذن لماذا لم تصمت وعلا صوتها و وصل لمدينة الواحات عندما علمت بعلاقات بابا مع سيدة أخرى؟ و أيهما أكثر إثما.. الزنى أم عقوق الوالدين؟
- لماذا تغضب ماما إذا لم تصاحب أختي زوجها في رحلاته؟ و لماذا تقاطع ماما أخي لمدة أسبوع إذا علمت أنه اصطحب معه زوجته في أي سفرية بدعوى أنها لا تريده أن "يبعزق فلوسه"؟
- لماذا أخبر بابا.. عريس أختي أن شرع الله هو أن يتكفل الرجل بكافة الأعباء المادية للزواج.. و لما نصحني إذن أن من حقي أن أختار أثاث البيت الذي ستقوم خطيبتي بشرائه من مال أهلها ؟ و لما تبرم و استاء حينما أخبرته أنني لن أقوم باختيار شيء لم أدفع ثمنه.. و أنني أعتبر ثمن هذا الأثاث دين في رقبتي؟ و كيف لي أن أنسى تعليقه وقتها " إن الحياة مشاركة و تعاون بين الزوج و زوجته و لا فرق بين الاثنين و "لا داعي لان تشعر يا بني بأي حرج حينما تدفع زوجتك أو أهلها أي شيء عنك"؟!
- لما قامت ماما بإجباري على رد الجنيه العيدية الذي منحته لي خالتي الفقيرة و أنا صغير؟ و لما لم ترد الخمسون ألف جنيه الذي أهداها لها خالي الغني لمساعدتها تحت مسمى هدية؟
- هل لبابا ورد يومي و لو صفحتين يقرأهما من أول القرآن لآخره ؟ و هل يتخذ من كتاب الله منهج حياة ..أم هو كماما يستخدم القرآن كتعاويذ؟ فلا يقرئ منه سوى سورة الواقعة يوميا لجلب الرزق.. و يسين لطلب الحاجة.. و المعوذتين للوقاية حسد .. و البقرة و الفاتحة تقرآن في البيت و على زجاجات المياه قبل الشرب.. لفك السحر.. و باقي القرآن ينطبق عليه" إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا..."!!!
- لماذا ثار والدي و هاج و ماج و حثني على ضم ثورتي لثورته لأسب معه زوج أختي بأفظعها سبة و العنه اللعنة الكبرى عندما نبا لعلمه أنه يفكر بالزواج من أخرى ؟! و كيف إذن شجعني على تجربة حظي مرة ثانية مع أخرى بل و أوعز لي بضرورة إستخدام حقي الشرعي مثنى و ثلاث و رباع ..عندما تأخر حمل زوجتي فترة؟
- هل يهتم والدي- حقا ً- بعمتي الأرملة و يصطحبها في كل مكان إكباراً لها ؟ أم أنه سعيد بما تعطيه له من امتيازات خاصة عندما تسمح له بقيادة سيارتها" البي ام دبليو" الحديثة؟ و لماذا لا يهتم والدي بباقي عماتي رغم أن لهن ظروف أسوأ؟
- هل ينتقد والدي قمع الحريات و ديكتاتورية الحكام عن قناعة.. و هل يمارس المقاطعة بشجاعة و مداومة ؟ و هل يتألم حقا لما يحدث في فلسطين و العراق و في السجون العربية؟ إذن لما يمارس ديكتاتوريته علينا في البيت ؟ و لماذا يطالب بالعدل في الخارج إذا لم يحققها لأهله في الداخل؟ و لما يطالب الحكومة بالشفافية و هو يخفي عن ماما حقيقة راتبه؟ و لماذا يلعن الحكومة التي تضيق على الشعب .. رغم أنه يضيق علينا الخناق " و ده الموجود " "و اللي مش عاجبه يشرب من البحر"! و لماذا يلعن الشرطة و ينعتهم بأفظع السباب رغم توعده لأمي و معاقبتها لو نسيت الحبهان(الهيل) في الطعام أو لو ضاعت منها نظارتها أو لو كسرت منها إحدى الأواني (0و طبعا ما احنا لاقينن الفلوس في الشارع) ..رغم ان خسائره - هو - تكلف ميزانية الأسرة أضعاف .. خاصة انها تتعلق بإصلاح السيارة و خلافه ! و لماذا أسعد أنا حينما ألحظ أن نبرة صوت والدي قد إنكسرت و شابهت نبرة صوت أمي المستعطفة .. خاصة حينما ظهر في أحد البرامج و بدا "قليل الحيلة و كسير الجناح مثله مثل الأجنحة المتكسرة و قد تنازل عن كبرياؤه و قوته و جبروته" و شرع في مناشدة أحد الوزراء بل و كاد يتوسل إليه لقضاء طلب له.. و لماذا لم يدر بذهن والدي البتة أن ما يمارسه عليه رؤساءه في العمل من قمع و إذعان و سادية ما هو الا قصاص عادل لما يفعله بأمي ؟ !
رب قبح عند زيد هو حسن عند بكر
فهما ضدان و هو وهم عند عمرو
فمن الصادق فيما يدعيه
و لماذا ليس للحسن قياس؟
لست أدري
طلاسم ( ابو ماضي)
رمل و زبد
-
هل تعتقدي يا نهى - أن الأبوين على دراية بكون الأبناء ينصتون لصوت أرواحهم و لغة أجسادهم أكثر ما يسمعون أحبالهم الصوتية .. و ينظرون لنواياهم و يبصرون الشواهد أكثر من المشاهد؟!
- ف:" ليه بقه يا حاتم؟ احنا مش قلنا بلاش غش في الإمتحانات" .. ترادف في قاموس الأبناء = "ها أخبار اللجنة إيه؟ ربنا سهلها لك و لا كانوا غلسين؟!" و شتان بينها و بين استخدام مصطلحات مضادة في المعنى كإظهار الخرزانة و قطع المصروف و المخاصمة و التهديد بأخذ المحمول أو بأن الأب بنفسه سيذهب ليبلغ إدارة المدرسة أن ابنه غش في الامتحان؟
- و عبارة مثل:" تخيل يا شريف.. خالك اللي كرشه مليان فلوس و واكلها والعة و راجع من الخليج بعد عشرين سنة و على قلبه أد كده.. يمر على الفران و يغمزه بخمسة جنيه بقشيش.. فيجيله كيس العيش لغاية عنده.. عالم .. مش احنا اللي...." ألا تعني عبارة كهذه إضاءة الأب الضوء الأخضر لإبنه لذم خاله بعد أن أوحى للإبن و حكم علي الخال بأنه يستخدم أساليب ملتوية أو بصريح العبارة " خالك راشي و مرتشي"؟ وهنا يتيقن الابن أن والده يكره خاله بل و يريده كارها حاقدا عليه!
- و حكاية من حكايات ال
Pelow Talk"
ترويها أم لابنتها و هي تحتضنها فتقص عليها تاريخ الأسرة المجيد : "و ما فيش داع يا بنتي نقلب المواجع .. مش عايزاكي تفكريني بالذل اللي شربته من أم أبوك و أخواته .. يا ساتر .. دول عملوا عمايل !! ده مرة عملولي سحر .. لكن الواحد بيعامل ربنا .. و أنا مش عايزاك تشيلي منهم مهما عملوا فيا و سووا ..مالكيش أنت دعوة .. ربنا هو المنتقم و كله بثوابه يا بنتي.. أنت عارفة .. كنت أزور حماتي.. و تكون عمتك راجعة من عند الترزي.. و أول ما تشوفني .. تقوم مدارية الفستان اللي استلمته و لفاه في ورق جرائد .. شفتي كانت بتغير مني اد إيه !! و لا لما سيتك ماتت .. عمك راح هو و سلفتي على الشقة.. و أشطوا ذهب الولية كله.. يالله .. على فكرة.. احنا ما يهمناش لا ذهب و لا غيره .. بس الحركة مش حلوة.. عموما أصل عمك هو اللي كان شاريه لها.. و تعرفي.. باقي أعمامك قامت بينهم مشاكل ياما على الميراث.. دول يا بنتي اتخانقوا على شباشب أمهم .. و تضحكي بقه على عمتك لما لبست الجلبية و الطرحة بتاعت أمها و عاشت الدور .. لا و آل كانت عايزانا نتجمع كل أسبوع في بيت أمها عشان البيت يفضل مفتوح .. طبعا ما وافقناش.. اهو ده اللي كان ناقص !!"
- أم بهذه النوعية أو التربية .. ترى هل تدري كيف كحلت قلب أبنتها؟ و ترى- يا نهى - ألن يأتي يوم تدرك فيه البنت ما قامت به الأم من تلويث لقلبها بملؤه بالأحقاد و من تشويه لسمعة ذويها؟
- ترى هل سيكتفي الأبناء بالإشادة بحرص والديهم على طهارة ذات اليد؟ و هل يفكر الآباء في احتياج الأبناء لقدوة موازية فيما يتعلق بطهارة ذات الفرج .. و طهارة ذات اللسان.. و طهارة ذات القلب.. و طهارة ذات الروح؟!
نهى:
لما يفضل أولياء الأمر لوحات الفنانين أمثال" مونيه" رائد المدرسة التعبيرية ؟ الأن صوره دائما لا تعني بالتفاصيل؟! فحين تنظرين للوحاته، لا يسعك إلا أن تقولي هذا بيت و هذه حديقة و هذا رجل و هذه سيدة .. أما تفاصيل الهيئة و حقيقة الملامح فلا تتضمنها رتوش "مونيه ".. لكنها موجودة في البورتريهات الكلاسيكية لرسامين أمثال دافينشي..
فأولياء الأمور من الحكام أو أرباب العائلات يركزون على الانجازات معتقدين أنها كافية لتحقيق حياة سوية.. فهذا مصنع و هذا بيت و هذه مدرسة و هؤلاء أطفال و هذا بحر و هذا نهر بغض النظر عما في أعماق هذه البحار .. رمل أم زبد ؟ فالانجاز هو إقامة المصنع ..أما العناية و الاهتمام بصيانة معدات المصنع و تأهيل العمال .. أما تنقيح و تهذيب نفسية الأبناء من الداخل.. أما تشذيب الحدائق بشكل مستو و محاربة الحشرات الضارة و الإهتمام بكل ركن من أركان البيت.. فأمور لا يبذل فيها أولياء الأمر جهدا ووقتا كافيا .. بل إن المصيبة أن كبار المعنيين بإدارة المدرسة تراهم يعانون من " زهو مريض" كون المدرسة قد خرجت دفعتها السنوية دون تدقيق في أخلاقيات هذه الدفعة أو أهدافها .. أو أن خط الإنتاج في المصنع سار .. بغض النظر عن جودة المنتج .. و أن الحديقة فيها زهور جميلة حتى لو حوت حشرات و ثعابين في أحشائها !! تجدي رئيس دولة يخطب في شعبه و يتحدث عن إنجازات خطته الخمسة و عشرينية !! و البنية التحتية و شيدنا خمسة كباري وبنينا عشرين مدرسة وأقمنا عشرات المصانع .. وطبعاً لا داع للحديث عن حجم البطالة و أعداد المشردين و نسب متعاطي المخدرات و تصاعد أعداد المنتحرين ....!!
أيها البحر
يرقص الموج و في قاعك حرب لن تزولا
تخلق الأسماك لكن تخلق الحوت الأكولا
قد جمعت الموت في صدرك و العيش الجميلا
ليت شعري.. أنت مهد أم ضريح؟
لست أدري
طلاسم ( أبو ماضي)
شمعة تحترق في إشارة مرور
نهى الحبيبة:
أرجو ألا أكون مبالغة في رؤيتي .. بل كم وددت لو جانبني الصواب .. أربما أحاول عدم تجاهل وقائع نعايشها و نشاهدها و نقابلها في حياتنا ؟ بل إني أندهش من دهشتنا لأمور متوقعة..
لك أن تصوري أن أحدهم أعلن أنه صدم في ابنه و وحيده .. بل إنه على وشك التبرؤ منه.. و قالها:
أنا يا ابني اقدر اعمل " دلييت " لل "سي دي "اللي اسمه هشام من حياتي !! أنا أفنيت عمري عليك.. ضحيت من أجلك و دخلتك أرقى المدارس .. طلبت السفر لبعثة في أمريكا سفرتك و معاك الآن ماجستير .. طلبت تسافر تاني للدكتوراه في أمريكا سفرتك لكن....
أه من لكن يا نهى.. لكن دائما هناك لكن يا نهى!
: لكن إيه يا بابا.. هو يا أتجوز حفيدة الفريق مرتضى.. يا أكون بن عاق و تمسحني من ملفات حياتك؟
: أنا يا بني عايز اطمئن عليك .. أنا كبرت و نفسي أشيل أولادك و أفرح بك و أنت مكون أسرة و عندك بيت و مستقر في حياتك
: معلش يا بابا سيبني على راحتي
: هو إيه اللي معلش.. لكنش باعزم عليك بفشار و سيادتك عندك حموضة و بتعتذر!
: لا يا بابا .. و لو كان الموضوع اخره فشار كنت اكلته و جاملتك غصب عن عيني.. لكن مش هاقدر أجاملك في موضوع يتعلق بزواجي و حياتي .. و بعدين هو يا انا اتجوز حفيدة الفريق مرتضى .. يا هاسمع الموشح ده على طول
: لا تحترم نفسك و أنت بتتكلم معايا وأنا مش باخيرك .. هتتجوزها يعنهي هتتجوزها.. و يكون في علمك أنا مش مستعد أرمي ابني.. و مش هادفعلك مليم في جوازك من أي واحدة جايبهالي من الشارع ..
: أنا اللي باتجوز من الشارع يا بابا ؟!
: لا تكون فاكرني نايم على ودني و مش عارف بتعرف مين و بيركب معاك مين و بتجيب مين للبيت!
: بابا ارجوك و لو سمحت و من فضلك.. بطل الأسلوب ده.. لأنك هتضطرني أرد عليك .. و أنا فعلا مش عايز أرد على حضرتك.
: يا بني أنت مسافر امريكا تاني و بتقعد هناك بالسنين.. فمن حقي أطمن عليك و أجوزك عشان الجواز عفة ليك و يصونك. و أنت لسة شاب صغير و عارف البنات هناك شكلهم عامل إذاي و ما فيش لا رابط و لا ظابط .
: يعني البنات هنا اللي عندهم رابط و ظابط ... ما تخلنيش اتكلم بقه !
: بص من الآخر مش هادفع قسط كورسات ال
Fall
الا لو اتجوزت هايدي حفيدة الفريق مرتضى
: مش هاتجوزها
: و ديني لأنت متجوزها
: عند بعند.. مش متجوز خالص
: طبعا عايز تصيع على حل شعرك
: بن الوز عوام
:أنت مجنون يا ولد
: ليه مجنون .. ما أصل الموضوع
Jinetic
جينتك.. و لا حضرتك فاكر إني مش عارف إن حضرتك عملت بتاع عشرين علاقة عرفي من ساعة ما طلقت ماما
: أء أء أء
: يا بابا انا عارف كل حاجة و بصراحة .. ما كل الناس عارفة إن حضرتك اصبحت تستحل الستات بورقة
: يا كلب يا سافل يا ...
: ليه كلب يا بابا ؟ ليه سافل ؟ عشان عارف الحقيقة !
: يا بني أنا ضحيت بنفسي و رفضت االجواز الشرعي عشان أحافظلك على ميراثك و ما ادخلش عليك ست تحل محل أمك.. فتعكنن عليك حياتك .. و ما اجبلكش اخ يورث معاك!
: كمان واخدني شماعة و هتعيش دور المضحي .. و نظام حضرتك "شمعة تحترق" في سبيل إسعاد إبنك .. و اذا كنت غالي عندك كده .. طلقت ماما ليه ؟؟ طب فكرت في نفسيتي لما أكبر و أزور والدتي في بيت زوجها الجديد ؟!
: أنا طول عمري كنت بأحذرك.. و لو تفتكر كنت باقلك: خللي بالك ..الراجل ده مش عمك و ما تنادهوش بعمو .. و لا حتى أنكل و تقول له: يا أستاذ.. و فهمتك إنك بتزور والدتك لكن بيتها مش بيتك .. ده بيت رجل غربيب.
: هو مين اللي دفع والدتي للزواج من رجل غريب؟ ما كانت هنا و مالية البيت و منوراه .. و حضر تك اللي اتجوزت عليها لما قابلت حبك القديم في إشارة المرور ! يعني كنت متوقع إن ماما تقبل إن جوزها يتجوز عليها .. و عادي الامور تمشي تمام ؟! لا، تلاقيك كنت فاكر انها هتأرأض في ضوافرها و تعضعض في لحمها !! يعني حضرتك كنت ترضى إن جدي يتجوز على جدتي ؟ يا بابا انت طول عمرك شايف مامتك ست عظيمة .. و ما فيش واحدة ربعها في الدنيا .. و بتقدسها .. لكن كنت بتعامل أمي أنا بشكل عادي .. رغم إنها هي بالنسبة لي أنا.. أمي و مقدسة و عمري ما أرضي لها بوضع مهين .. و حضرتك أجبرتها انها تنفصل عنك و دفعتها للزواج من رجل اخر ! و على الأقل ماما إتجوزت على سنة الله .. زواج شرعي و عملت فرح و صورتها طلعت في "الموعد "و كل الناس شاهدة مش...
: اخرس يا منحط يا جبان.. أنا عمري ما حبيت أطلق أمك.. هي صممت الطلاق و قالت: يا أنا.. ياهي !
: أفحمتني .. فعلا " ضحيت هنايا فداك".. هل لك ان تتخيل نفسية شاب بيزور أمه .. فيجد زوجها يتعمد مغازلتها أمام إبنها سواء بتقبيلها أو قيامه بالربت على مؤخرتها و هو خارج لعمله؟
هل تخيلت لما أكون في سن المراهقة و زمايلي يقولوا لي : احنا شفنا والدك من يومين في" ستاربكس" مع موزة زي القمر!
هل تخيلت وقع الصدمة علي لما والدي يصارحني انه فضل أن يزني بورقة عشان يمنع الست اللي بيمارس معها ... أو عامل معاها علاقة.. أن ترث للحفاظ على ميراثي؟؟
ليه ما فكرتش يا بابا تحافظ على قيمي و تورثني اخلاق و مبادئ ؟
- أنا ما زنتش يا ولد .. اياك تكلم ابوك البشكل ده.. أنا ربيتك أحسن تربية.
: يعني حضرتك تسمي أي علاقة في السر إيه؟ تسمي ايه انك مستأجر شقة تقابل فيها المدام ..أنت تجيب الكباب لزوم الغداء و هي تجيب الصاقع .. وتاخدوا قعدتكم و بعدين تناموا مع بعض و تقوموا تاخدوا الدش بتاعكم .. وحضرتك تلاقي فوطة و شامبو و معجون حلاقة و "افتر شيف " في الحمام .. فتقول لها: يااااااه انت ما بتنسيش حاجة ابدا .. يا ريت كل الناس زيك.. انت الوحيدة اللي فاهماني.. يا ريتني قابلتك من زمان! و ما يمنعش تفضفضوا لبعض عن هموم السنين و انت تعيش في دور "وحيد" و هي تعيش في دور" ناهد شريف" و قصة و رواية تنفع للسينما
هو ده الزواج يا بابا ؟! هو ده بناء الأسرة؟! هي دي التضحية؟! هو ده تحمل المسئولية ؟! الزواج اسمه بناء و حضرتك لم تبن بيت .. حضرتك أجرت شقة !! حضرتك حرصت على وضع شرط عدم الإنجاب مع كل واحدة عملت معها علاقة! حضرتك شرط السرية.. يعني عايز جنس من غير مسئولية.. أنت كنت بتراضيهم ماديا .. محتمل .. لكن رضيت ربنا ؟ !
يا بابا اللي حضرتك عملته ده هو محاولة تحايل لتحليل علاقة جسدية ليس إلا .. لكن الورق اللي حضرتك بتكتبه و مسميه قسيمة عرفية .. اقدر أقلك" بله و اشرب ميته" لا في شهود عدول و لا فيه ولي و لا إشهار و لا في مؤخر و لا مقدم و لا مساكنة و لا في نية دوام عشرة .. يا بابا إذا فرضنا انك ممكن تخفي زواجك عن أي انسان.. لازم تبلغني أنا به .. فلنفرض إنك مت .. أفاجأ أنا بواحدة داخلة البيت عندي و تقول لي : تا تا تا.. أنا مرات والدك!!
: أولا مش حتة هلفوت ذيك هو اللي هيفتي في الحلال و الحرام و بعدين إطمن .. و لا واحدة تقدر تقول لك كلمة بعد وفاتي.. أصلا الورقة دي غير معترف بها أمام المحاكم .
: يعني حضرتك نطقتها بلسانك .. و أعتقد حضرتك سعيت لعلاقة ليس لها سند معترف به أو يعتد به من الأصل و لا في مساكنة .. و بتكلمني عن العفة و الستر و الزواج !
: يا بني أنا مش طالب في الجامعة أو عيل صغير .. أنا كبير و مسئول .. لكن كان في ظروف عندي و عندهم .. أصلا أغلب الستات اللي عرفتهم كانوا طالبين عرفي عشان عندهم بنات و معاشات و حاجات من دي.
: أرجوك يا باب ما تتحجش بالظروف.. وبعدين بجد حاجة تكسف .. يعني عايزين كل حاجة من غير أي ثمن .. هي عايزة عرفي عشان تفضل تحصل معاش المرحوم حتى لو غلول و حرام.. و كمان عشان تفضل مختفظة بصورة الأم المضحية " شمعة تحترق في سبيل الأبناء" و بعد شوية .. واذا جد في االأمور أمور.. و ظهر الملل .. خلاص نقطع الورقة..
:يعني يا بني مش أحسن من الزنى الرسمي اللي أنت بتهببه؟!
: لا مش أحسن.. على الأقل عارف أني بأعمل مصيبة و حاجة غلط و أستغفر عليها .. مش باجائر! على الأقل أنا شاب صغير و عمري ما كنت محصن ..على الأقل مش بأضحك على نفسي و على المجتمع كله..
: يا سلام.. ده أنت اللي أقنعتني و أفحمتني!!!
:يا بابا مش حضرتك اللي حكيت لي ان ربنا قال لسيدنا داوود :" أنين المذنبين أحب إلي من تسبيح المرآئين".. يا بابا مش حضرتك أللي قلت لي حديث الرسول: الإثم ما حاكك في صدرك و كرهت أن يطلع عليه الناس" و بعدين يا بابا .. انا ما شفتش قصادي نموذج لحياة أسرية حقيقية .. ما شفتش أب حريص على مفهوم الأسرة .. ما حسيتش إنك ضحيت عشان أولادك غير بالفلوس.. حضرتك بتتكلم عن رغبتك في أني أكون اسرة و تشوف أحفادك .. لكن أنا حاسس إن كل اللي يهمك إنك تعمل حفلة و فرح كبير و تعزم فيه أصدقائك و معارفك القيادات الكبيرة و تعلن عن إنتهائك من أداء مهمتك .. و تفخر إنك جوزت إبنك من حفيدة الفريق مرتضى .. لكن حضرتك ما طبقتش قصادي عملياً مفهوم الأسرة المترابطة.. حضرتك حبيت تتجوز اتجوزت .. حبيت تطلق طلقت .. حبيت تعمل علاقة بورقة عملت .. حبيت تقطع الورقة .. قطعت!!
: يعني غلط يا بني لما بديتك على نفسي و ما حبيتش أجيبلك واحدة في البيت تحل محل امك .. أو أخ يقاسمك في الميراث!
: صدقني غلط .. أنا كنت فعلا أفضل اني أعيش وسط والدي ووالدتي في بيت واحد .. لكن كان ممكن أتقبل إنكم تنفصلوا بالمعروف .. وصدقني كنت حاحترم جداً.. إن حضرتك تتزوج على سنة الله و رسوله فتعلمني بالتطبيق معنى الزواج الحقيقي و العفة و الستر - و فرضاً - لو حصل مشاكل في الأول لعدم تقبلي لأخ جديد من زوجتك.. لكن يقينا كانت الأيام هتقرب ما بينا ..اذا حضرتك حرصت على انك تحببنا في بعض .. و كان ممكن اجد أخ يكون ليا سند في المستقبل ..
يا بابا .. أرجوك ما تزعلش مني .. سامحني .. أنا مشوش .. مضطرب جدا.. ملتبس.. الزواج و موضوع تكوين أسرة بالنسبة لي طلاسم .. أحيانأً أقرر إني لازم أكون صح .. و ساعات أشعر أني منحط يا بابا .. ساعات بيكون عندي قوة ايمانية كبيرة و باعزم على الزواج و تكوين أسرة و أبدأ صلي و أبكي و ساعات بأنهار.. و ما فيش بعدها بشوية باكون أشر من أجدعها إبليس و مع ذلك مش قادر أقتنع أن الزواج مجرد ورقة ..
: يا حبيبي الورقة دي إقرار و...
:يعني نفرض قررت اشترى بدلة "
Boss
وصاحب المحل اكتشف بعدها إني دفعت فلوسها بورق مزور .. يصح أقول له : ما أحسن ما كنت أسرق.. على الأقل دفعت لكم ورق!!
: طلعتني مزور يا زاني يا مجرم!
: يا باب اهدى.. أنا نفسي اشرح لحضرتك وجهة نظري .. الموضوع مش ورق.. يعني حضرتك أكيد سمعت أنه تم الإعلان عن علاوة الرواتب في مصر ( ال 30 %) في عيد العمال..لكن كل الناس عارفة و حضرتك أولهم.. عارف أن الحكومة هتطبع حوالي 13 مليار ورقة نقدية من فئة الجنيه لتهدئة الشعب بالعلاوة الجديدة .. و كمان زودت الأسعار تاني يوم .. يعني أعطت من يد و أخدت من أياد!
: ها .. خلص
: ما أهو .. ورق نقدي !! مش مزور تحت السلم .. لكن تعتقد أن الرواتب هيكون لها قيمة بهذا الشكل ؟ بالعكس .. الورق المطبوع هيزيد التضخم .. لأنه ورق مزور بطريقة شرعية.. و الدنيا تتكركب رغم انه إسما .. كل بيت هتزيد الأوراق النقدية فيه !!
: فاهم قصدك لكن القياس خاطئ!
: لا مش خاطئ يا بابا.. و ثق إنه حتى لو كنت حضرتك عامل علاقة بمأذون شرعي لكن في السر و مانع الإنجاب لغرض في نفسك و لا يوجد ولي .. فهي هي.. نفس الفلوس المزورة و نفس العلاقة الآثمة و نفس الغلط اللي سيؤدي لتضخم مجتمعي و لكن بمسميات أخرى .. و عموما أنا عمري ما قصدت أضايق حضرتك و أسف جدا لو كنت تجاوزت حدودي .. أنا ستين غلطان و أبوس إيدك ما تزعلش مني .. لكن فعلا مش قادر أتجوز "هايدي" المشكلة مش هايدي و لا غيرها .. بابا أنا مرعوب من الزواج .. أنا خايف من الجزء الشرير اللي موجود جوايا .. خايف أفشل و التاريخ يكرر نفسه و اخلف ولد يتعذب معايا ..و ينخدع فيا .. يا بابا .. فجيعة الإبن في والده.. أضعاف فجيعة الأب في إبنه.. على الأقل.. ممكن إبن بار يعوض عن إبن عاق.. لكن الأب ما لوش تاني.. بصراحة أنا مرعوب يجي يوم من الأيام أكون ذي حضرتك ..
يااااااااه .. برده لبخت.. شوف يا بابا .. لما أرجع من أمريكا نتكلم في موضوع الزواج .. لكن عايزك تعرف أني بأحبك حضرتك جدا و مقدر حبك ليا و حياتي من غيرك ما تسواش .. ربنا يخليك ليا يا رب و أرجوك إدعيلي.. احضني يا بابا .. احضني. ادعي لي !
إنني أشهد في نفسي صراعاً و عراكا
و أرى ذاتي شيطاناً و أحياناً ملاكا
هل أنا شخصان يأبى ذاك مع هذا اشتراكا
أم تراني واهماً فيما أراه؟
لست أدري
كل يوم لي شأن .. كل حين لي شعور
هل أنا اليوم أنا منذ ليال و شهور؟
أم أنا عند غروب الشمس غيري في البكور؟
كلما ساءلت نفسي جاوبتني:
لست أدري
طلاسم ( أبو ماضي)
نهى:
أطلت عليك .. و لكني شعرت و كأني كنت أراك أمامي و أتحدث معك كما كنا نتحدث زمان في جلساتنا الجميلة ليلا.. حينما كان زوجي في العمل و زوجك مسافر في السعودية..
بالمناسبة ،هل أخبرتك يا نهى أني لا أعرف اسمك الكامل ؟! أعرفك فقط " نهى" .. أم منار.. تعرفي أيضا أني لا أعرف أي من الأسماء الكاملة لجيراننا سواء جيران بيت أبي و أمي قبل زواجي أو في بيتي بعد زواجي..
تعرفي- يا نهى - طالما تحدثنا معاً عن " فرافيت الحياة" و تفاصيلها.. إلا أني أتعجب من نفسي فلم يخطر ببالي يوم أن أسالك عن اسمك الكامل ..
يبدو أن المهم أن نجد من يشاركنا تفاصيل الحياة ليفك معنا طلاسمها .. و ربما هذا ما جعلني أهتم بالمسمايت أكثر من الأسماء.. دعواتي لك بكل خير كما أرجو ألا تنسيني من صالح دعاؤك فأنا على وشك الوضع هذا الشهر إن شاء الله .. اللهم ما اجعله و إخوته و ذريتهم من الصالحين و قدرنا على تربيتهم تربية ترضي الله.. اللهم وجميع أبناء المسلمين.
سلامي و قبلاتي لك و لمنار و دعواتي لك و لكل جيراننا بكل خير.
أختك و جارتك
داليا الحديدي
الدوحة
27- 4 2008
1 تعليقات:
في 18 فبراير 2010 في 11:25 ص , أسما عواد يقول...
هاي
مررت لألقي التحية
إرسال تعليق
الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]
<< الصفحة الرئيسية