رسائل من الدوحة

متغربين إحنا.. متغربين آه.. تجري السنين و إحنا .. جرح السنين.. آه.. لا حد قال عنا خبر يفرحنا و لا حد جاب منا كلمة تريحنا .. تريحنا

الخميس، 18 ديسمبر 2008

الرسالة التاسعة .. 2008 " لم تعد كبلادي "

  • مامي :
    غاليتي :
    كل عام و أنت حبيبتي ..
    كل سنة و حضرتك أطيب وأطيب .. و لو أن " أطيب من هيك ما في"
    كان لازم أول رسالة في السنة الجديدة تكون لحضرتك علها تكون سنة حلوة و طيبة كالمرسلة إليها.. لكن ألست معي أنه من الغريب أن تمر كل هذه الأعياد دون وجودك معنا و وجودنا معك..عام ميلادي جديد .. عيد أضحى جديد! كريسماس جديد! على فكرة أنا "زعلت" من حضرتك في عيد الفطر لأنك أعطيت محمود و دانا العيدية.. و نسيتيني!
    هو أنا كبرت و لا إيه؟ و اللي يغيظ .. أن حضرتك كل شوية تقولي :أنت هتفضلي في عيني دودي الصغنونة.. و ساعة العيدية.. كبرتي.. ها ها
    أنا باهزر يا مامي .. اوعي تزعلي مني.
    حبيبتي:
    كم أشتاق إليك .. و كم أحن إليك
    أحن إلى لخبز أمي
    و لنساكفيه أمي
    و لبيتزا أمي
    و لإحتفالات أمي
    و لحضن أمي
    تعرفي .. حضرتك على طول في بالي .. لكن في نص اسمه" قمة على قمة" كتبه شاعر نبطي أسمه سعيد الفلاحي ..كل ما أسمعه بصوت "ميحد حمد" أتذكرك خصوصا في الأبيات دي:
    هيمن على أرقى الجمال و لمه
    و جمع ثقافات العالم في تاجه
    قمة على قمة و ذوقه قمة
    ذوق و جمال وغرتين وهاجه
    أهتم من همه و همي همه
    ومنهاج قلبي منهيجه منهاجه
    دمه على دمي و دمي دمه
    وهو الدواء و أنا طبيب علاجه

    أوعي تفتكري أني بأغني عليك يا مامي :)
    عارفة.. حاولنا أمس في ليلة رأس السنة تقليد طقوسك.. ذهبنا لشراء أبو فروة و الفاكهة و الحلوى و كنا نتوق لتناول البيتزا و لكن هيهات أن نجد من يخبزها ويزينها بطريقتك.. فقررنا عدم الشراء.. كما أننا لم نجد أبو فروة في "اللولو" أو "كارفور".. فجلسنا نتذكر كيف كانت حياتنا و احتفالاتنا بالأعياد في مصر .."زمان"!!

    العيد في الغربة "غير"

    الأعياد بعيد عن الوطن ُتملح أوجاع المغتربين .. و تصبغ جراحهم بصبغة اليود، لذا فهي تحتاج إلى مجهود نفسي كبير ليتخطوا هذه الأيام بسلام.. كما أن محاولة التكيف مع أوضاع وعادات مستجدة في العيد عملية مرهقة .. خاصة بالنسبة لأسر تشعر أنها مضطرة للبعد عن كل ما تحب و من تحب و لسان حالهم يقول: من قال أننا نغترب لنعيد أو لنفرح؟!
    يبدو أن العيد عبادة تحتاج لنية .. و للأسف فإن نية الفرح مفقودة في قلوب بعض أو كثير من المغتربين..أفراد يشعرون أنهم ليسوا في أماكنهم و ليسوا بين أهلهم.. و مع ذلك فعليهم واجب إظهار الفرح بينما هم من الداخل على قلب رجل واحد حزين و كئيب.. أما مشهد شاب وحيد يتناول فطيرة واقفا أو مستندا على شيء في أي " فود كورت" فهو و بحق.. مشهد درامي مؤثر .. يدفع للتساؤل.. فيما أو فيمن يفكر؟ ربما يتساءل من دفعه للغربة .. من سبب طرده من بلاده و إبعاده عن أحبابه.. ألا يستفزه منظر التجمعات العائلية إذا رأي بجانبه أسرة قطرية كاملة تتسامر أو تقض وقت طيب مجتمعة؟ أربما يسرح في عالمه القديم حينما كان لديه بيت فسيح و أب وأم و أخوة و عزوة يلمسهم عن قرب.. ربما؟

    كم عشتُ أسألُ: أين وجهُ بلادي .. أين النخـيلُ وأين دفءُ الوادي
    لا شيء يبدو في السَّماءِ أمامَي .. غيرُ الظـلام ِوصـورةِ الجلاد

    و تبقى عملية اجترار الذكريات محاولة أخيرة لحفظ التوازنات النفسية!
    فاكرة يا مامي كيف كنا نحضر لرمضان و نعيد في العيدين و نجتمع في شم النسيم و نحتفل في ليلة رأس السنة و الكريسماس؟
    فاكرة الزيارات والضيوف؟ فاكرة العيديات والخروف؟ فاكرة لما كنا نربي الخروف و ننزل نركب عليه؟ أذكر غيظك حينما كنت أخبرك بأننا " خلاص قتلنا الخروف يا مامي"
    فيكون ردك: ذبحنا الخروف يا داليا!!
    فاكرة الزينات والأنوار والبمب والصواريخ وملابس العيد والكعك والإفطار بالكبدة و الكلاوي و الغذاء "الفخدة و الرقاق "؟
    أتذكر ديسمبر المصري و حتى الأسبوع الأول من يناير.. كان يمر علينا و نحن في أجازات للأعياد، بدأ بعيد المدرسين وأعياد الميلاد للكاثوليك والبروتستانت والأرثوذكس الشرقيين.. والاحتفال برأس السنة الميلادية ووصولاً لعيد الشرطة.. فالموضوع كان "هيصة أعياد و أجازات".. و كل سنة و انتم طيبين و
    Happy new year, Merry Christmas, Joyeux Noel, Bon Anne
    كانت العبارات الأكثر تداولاً في هذه المناسبات .. أما هنا في الخليج فنقول" عساكم من عواده".
    وحتى عند ذهابنا للمدرسة في بداية ديسمبر.. فكان بغرض التحضير للحفلات ومن سيرتدي بابا نويل؟ أو للترتيب لتزين شجرة الكريسماس و تزيين الفصول و توزيع الهدايا و الحلويات و للتحضير للحفل.
    أيام جميلة .. لكن مرت.. لكن صدى صوت أجراس الكنائس في المدرسة و صوت التكبيرات و التهليل في ساحة جامع مصطفى محمود و جامع عمرو بن العاص في العيدين لا زال يملأ أذاني! على فكرة تم التصريح لإنشاء أول كنيسة في قطر مع بداية هذا العام و لكن بشرط عدم رفع الصلبان!" يعني جت على الصلبان !!"

    أهْفـُو لأرْض ٍلا تـُسَاومُ فَرْحَتِي .. لا تـَسْتِبيحُ كَرَامَتِي.. وَعِنَـادِي
    أهْفـُو لأيـَّام ٍتـَـوَارَى سِحْرُهَا .. صَخَبِ الجـِيادِ.. وَفرْحَةِ الأعْيادِ

    تعرفي هنا العيد جميل و لكنه شديد الهدوء.. قليل الملامح كمريض شاحب.. و الصحف بصحفيها و كتابها تضج بالاحتجاجات بدعوى أن الاحتفالات بالكريسماس و رأس السنة لدى البعض فاقت الاحتفال بالعيدين .. و نحن نجاهر بالاحتفال بأعيادهم بينما نحتفل بأعيادنا على استحياء.. و كلام من هذا القبيل.. على فكرة، كل عام يتكرر نفس النقد.. هو .. هو " كوبي و بيست".. ما علينا .

    وبحبك وحشتينى.. بحبك و أنت نور عينى..
    دا و أنت مطلعة عيني .. بحبك موت
    لفيت اد إيه لفيت.. ما لقيت غير في حضنك بيت
    وبقول لك أنا حنيت.. بعلو الصوت

    وكأن الوقت في بعدك واقف.. مابيمشيش
    وكأنك كنت معايا بعدتى ..و مابعدتيش
    فى دمى حبيبتى و أمى وزى ما أكون.. بأبتدى أعيش

    بعدت وكنت هعمل إيه.. من اختار غربته بإيديه؟!
    لكن حبك ده مانسيتهوش.. ..وعاش فيا
    ليه هتأسف على الغيبة.... مغبتيش لحظة وقريبة
    محدش عنده كده طيبه و حنية

    وبحبك وحشتينى .. بحبك و أنتى نور عينى
    دا وأنت مطلعه عيني.. بحبك موت

    مامي:
    أنا و ياسر.. بكينا من كلمات الأغنية.. و فين.. أحاول أقنعه إنها أغنية للوطن والمغتربين.. وهو مصمم أنها أغنية عاطفية..المهم أنا في يوم و أنا بأسمعها .. قلت لياسر :عندي شعور أنها من كلمات أيمن بهجت قمر.
    : بتفتكسي؟
    : إيه التعليق الشاعري ده يا ياسر!
    : بأهزر يا دودي.. الواحد ما يعرفش يهزر مع مراته؟!
    المهم ليلة رأس السنة سمعت معتز الدرمداش في برنامج 90 دقيقة يشيد بكلمات أيمن بهجت قمر في أخر أغنية قدمها للجاسمي.. طبعا انتشيت فرحاً..
    يقوم ياسر يقول: "ما هو كتب- برده- أغنية هشام عباس" يتربى في عزو"
    و أنا هأموت نفسي يقول لي:" يا ولد .. يا جن.. برافو عليك .. جيبتي التايهة " لكن استكثرها علي.. يرضيك كده يا مامي؟
    Is this acceptable?

    حبيبتي مامي:
    قبل وبعد انتهاء العيد.. دعيت لأكثر من مناسبة لحضور" سبوع" أو عقيقة" لأحدى المعارف هنا في الدوحة.. وحفلة " ترويقة" نسائية.. و آخر دعوة كانت لتوديع مقيمة مصرية انتهى عقد عملها هي و زوجها هنا في قطر و ستنتقل للإقامة في عمان.
    و سبحان الله وجدت الجالية المصرية كلها هناك- " كلها " لزوم التهويل- لكن أقصد أنه كان "حتة دين تجمع" يشعرك بدفيء جميل في ديسمبر .. كما كانت هناك جنسيات أخرى من فلسطين،سوريا، العراق والسودان و قليل من قطر .. و بالأطفال!
    " لماذا لم يكن هذا التجمع في العيد؟ هذا هو العيد .. سبحان الله .. أكيد له حكمة"
    تساؤلات و تعليقات قيلت من الكثيرات.. ثم بدأت كل واحدة تروي للحضور كيف قضت العيد أو كيف قضى عليها العيد !

    أربع سطور للتمويه

    لكن قبل ما أقص عليك ما حدث في هذا المجلس..أجدني أتذكر كلمة كتبها المفكر السعودي غازي القصيبي في روايته "شقة الحرية" فقد ورد في افتتاحية الكتاب أربع سطور" للتمويه"جاء فيهم:

    " كان الكاتب في القاهرة في الفترة التي تتحدث عنها الرواية.. و مع ذلك فجميع أبطال هذه الرواية و جميع أحداثها من نسيج الخيال.. والوقائع المنسوبة إلى أشخاص حقيقيين هي بدورها، من صنع الخيال! و أي محاولة للبحث عن الواقع في الخيال..تكون مضيعة لوقت القارئ الكريم".

    أما أنا فأقول:
    "كانت الكاتبة في الدوحة في الفترة التي تتحدث عنها الرسائل،، و لذلك فجميع أبطال هذه الرسائل و جميع أحداثها من صميم الواقع.. والوقائع المنسوبة إلى أشخاص حقيقيين هي بدورها، محض واقع! و أي محاولة لتهيؤ الخيال في هذا الواقع .. ستكون مضيعة لوقت الجميع! إلا، و لأن هذه الرسائل ليست للتشهير بل للعبرة فقط .. فقد امتنعت عن ذكر الأسماء.

    بيت " أم غويلنيا "

    "أم غويلينا" - يا مامي- كانت حي قديم من أحياء الدوحة .. و تبعد خمس دقائق من كورنيش الخليج العربي.. أما اليوم فهي أشبه بالسيدة المسنة التي قامت بعشرات العمليات التجميلية باستخدام "البوتكس والفيلينج و الليفتينج " والحقن بالكولاجين.. حتى أصبحت تعرف بالحي أو الحية المتصابية ! ورغم أن"أم غويلينا" قد تبرجت وتزينت وتطورت ببنايات شاهقة وأبراج جديدة بعد قيام ملاك العقارات بهدم قديم المباني و تشييد عمارات شابة يافعة لطرد المستأجرين القدامى بفقرهم.. واستقبال المستأجرين الجدد القادرين على دفع إيجار شهري يبدأ من خمسة آلاف ريال شهريا لشقة غرفتين و صالة.. ورغم كل ما استجد على "أم غويلينا" من مظاهر ثراء وجمال صناعي، إلا أنها عجزت عن تغيير اسمها العتيق الذي لا يعرف أحد من هي "غويلينا" وبالتالي من هي أمها، كما أنها لازالت مفتقرة لأي مظهر من مظاهر العيد للمسلمين أو المسيحيين أو حتى السيخ .. ربما لأن اغلب سكانها من الهنود و "البتان" باكستان و النيبالين و الأندونيسيين وبعض الشوام و المصريين..
    في هذا الحي حيث نقيم.. صحوت أول أيام العيد مصابة بفيروس أنفلونزا شديد .. صاحبه كل أعراضه من رشح و تكسير و صداع وعطس.. لكن ما أن رأيت محمود حتى تذكرت طفولتي في العيد .. تذكرت كل ما و من اشتاق إليهم.. تذكرت أغان العيد .. تذكرت يوم الرحيل .. تذكرت العودة في الإجازة زائرة كالأغراب .. تذكرت الغلاء .. تذكرت الإعلانات الترويجية عن السياحة في مصر لجذب السائحين في فترة الأعياد .

    اشْتـَقـْتُ يوْمًا أنْ تـَعـُودَ بـِلادِي .. غابَتْ وَغِبْنـَا.. وَانـْتهَتْ ببعَادِي
    هَذِي بِلادٌ تـَاجَرَتْ فـِي عِرْضِهـَا .. وَتـَفـَـرَّقـَتْ شِيعًا بـِكـُلِّ مَزَاد

    و تذكرت أيضا حق بني في الشعور بالعيد.
    : كل سنة وأنت طيب يا حبيبي.. النهاردة العيد..( لم يبدو عليه أي تعبير)
    : عايزة سندويتش لبنة يا ماميتو
    : لا يا ميدوس.. اليوم العيد و هنأكل لحمة و هتاخد عيديتك
    : عيديتك؟
    : أيوة الفلوس.. العيدية و تلبس الجديدة
    : هات فلوس ماميتو
    : تفضل يا ميدوس كل سنة و أنت طيب
    : كام دول؟
    : كتييير
    : طايب.. هات محفظة" فلة" عشان أشيل فلوس عيدية
    : طيب روح لبابي ياسر واطلب منه عيدية
    :كمان .. الله.. حاضر ماميتو دوللينا.. بس هيديني؟
    :طبعاً..أنت لك عيديدة و دانة لها عيديدة و ماميتو كمان
    : الله.. جميل يا دوللينا
    : بس الأول البس لبس العيد بسرعة عشان تنزل تصلي العيد مع بابي في الجامع
    :لا.. دا مس جديدة يا ماميتو.. أنت استريته من مصر

    "الأروبة" لاحظ أننا لم نشتر له ملابس جديدة في العيد لأننا كنا قد اشترينا له ملابس من مصر في الأجازة و لم نسمح له بارتدائها إلى أن يأتي العيد.. و طبعا لأني لم أتمكن من النزول للصلاة بسبب مرضي .. فياسر بدوره رفض اصطحاب محمود معه لحضور صلاة العيد في الجامع .. لأن بصراحة محمود لعبي جدا.. و تعبير لعبي هو اللفظ المهذب المرادف لحاجة صعب جدا.. و أكيد لن يحتمل أن يجري خلف محمود.. كما لن يحتمل أي تعليق أو نظرة ضيق من المصلين.
    فأول يوم مضى دون صلاة عيد و دون ذبح .. لأن أثمان الخرفان وصلت ل 1200 ريال للخروف الواحد.. فغالبية المغتربين يقومون بشراء كوبونات لذبح الأضاحي في بلاد فقيرة مثل غينيا و النيجر و فلسطين و السودان و مصر.. حيث يتراوح سعر كوبون الخروف من 250 ريال و حتى 600 ريال.
    في اليوم الثاني للعيد انتقلت عدوى المرض لياسر و الأولاد .. فقضينا أول ثلاثة أيام في البيت و "هاتك" يا لمون و عسل و شوربة خضار..عمرك شفتي ناس تأكل في العيد شوربة خضار!!
    المهم رابع يوم العيد قررنا مقاومة هذه الانفلونزة الهدامة و نلحق نعيد في أخر يوم للعيد .. فذهبنا نشوي في مدينة الخور و فرحنا جدا الحمد لله و اليوم الذي تلاه اشترينا غذاء و ذهبنا لتناوله في إحدى حدائق الأطفال في مدينة الوكرة و محمود و دانة فرحوا.. و يوم آخر اشترينا فطائر و بيتزا من مطعم البيت الشامي و أكلناهم في حديقة "الشيراتون".
    - سلامتك يا داليا ألف سلامة.. و الله ما عرفنا .. أجر و عافية إن شاء الله..

    بيت "السد" سجين قطر !

    السد يا مامي ..شارع تجاري و حيوي نوعا.. به مولات و محلات تجارية و مطاعم و فنادق.
    و هو يتقاطع مع آخر الدائري الثالث و تسكن هذا الحي صديقة مصرية كانت إحدى الحضور.
    - ها.. عملتي إيه في العيد؟
    - العمل عمل ربنا
    - لا بجد ؟
    - أبداً.. هو كان نفسه نسافر مصر نعيد مع العائلة.. لكن هو غير رأيه بخصوص السفر لأن الميزانية لا تسمح بتذاكر طيران لخمسة أفراد و هدايا لعائلتين ومجاملات بالإضافة لمصروفات العيد في مصر و عيديات خصوصاً بعد ارتفاع الأسعار بدءاً من رغيف العيش و حتى البنزين.
    - و بعدين؟
    - و لا قبلين.. هو فكر وقرر أننا لازم نستغل أجازة العيد الكبير -عشرة أيام- و نسافر الإمارات بري.
    - قلت له: عظيم .. جميل نسافر بري و أجهز سندوتشات وعصائر وحلويات للسفر .. لكن...
    - هي فيها لكن؟!
    - أصل هو رجع في كلامه.. لأن قطر ليس لديها أي منفذ بري سوى مع السعودية.. حتى المنفذ القديم الذي كان يربط بين الإمارات و قطر تم إغلاقه بعد خضوعه الآن لسيطرة المملكة.. و هذا العام - على بختنا - قامت السعودية بمنع منح تأشيرات المرور عبر السعودية منعاً لعمليات الحج غير المشروع بعد أن لوحظ أن عدد كبير من المقيمين في الخليج يحصلون عل تأشيرات عبور لمدة يومين، لكنهم يتركون سياراتهم في الرياض و يركبون الأتوبيسات المتجهة لمكة فيؤدون مناسك الحج السريع و يعودون من حيث أتوا بعد دفع غرامة قدرها 200 ريال.. أو يبكون في تذلل لرجال الأمن عند منفذ العبور في " أبو سمرة " فيعفوهم من دفع الغرامات.. و النتيجة انه اكتئب لأنه شعر انه سجين قطر.. لا هو قادر على السفر جواً لقضاء العيد مع الأهل في مصر كما أنه ممنوع من السفر براً و لو أربعة أيام لتغير جو في الإمارات؟
    - ها .. عملتي إيه؟
    - بصراحة الجو كان مكهرب.. قمت أتبل الفخدة وتركته في حالة حزنه واكتئابه لأني متأكدة أنه لا يريد أن يسمع مني حتى " كل سنة وأنت طيب" لكن بمجرد ما رآني في المطبخ .. بدأت حالة الهياج!
    : من قال لك تتبلي الفخدة.. أصلا.. أنا كنت ناوي نشوى فراخ
    : ولا يهمك .. ده أنا تبلتها لبكرة و أنا في ديك الساعة لما نشوى فراخ في العيد
    : و بعدين؟
    فرجت من عند ربنا.. كلمت ماما أعيد عليها بدري لأني متأكدة أنها لا تنام سوى عقب صلاة العيد .. و بعد السلامات والتحيات سألتني
    : هتعملوا إيه في العيد؟
    : مفيش.. أصله مكتئب و مش طايق نفسه
    : طب هاتي أعيد عليه
    : يا ماما ما لوش لازمة
    :ادهوني بس و ما لكيش دعوة...
    :كل سنة وأنت طيب يا حبيبي.. واحشنا جدا.. و الله مش عارفة أشكرك واقل لك إيه.. مراتك قالت لي انك شايلهم في عينك وعامل كل جهدك عشان تسعدهم ومش حاسين بغربة وأنت جنبهم.. يا بني ما تجيش على نفسك كده .. ربنا يخليك لهم و لنا يا رب .. يا سلام الواحد طول عمره كان فاكر أن خلفته بنات.. و الناس كانت بتعايرني .. ما يعرفوش إن ربنا عوضني ..عوضني بك و بهم..ربنا يخليكم ليا .. يا الله.. مش هأطول عليك عشان الدولي.. لكن كان لازم اسمع صوتك و أعيد علي ابني الكبير وأتشكر له.
    - يا تانت .. والله.. يعني.. طب..
    - لا يا حبيبي .. دموعك غالية .. ليه بس كده.. هو أنا كلمتك أنكد عليك في العيد.. أنا كان نفسي أسمع منك كل سنة و أنت طيبة يا تانت
    - كل سنة و حضرتك طيبة يا ماما
    - ساد في المجلس صمت السكينة ثم صرخنا: ملعوبة .. أما مامتك ست طيبة بس "عقر" صحيح .. و حصل إيه؟
    - حصل.. حصل سحر.. الراجل دبت فيه الروح
    و قال لي: أنت لبسي البنت وأنا أجهز الأولاد بسرعة و يا الله..
    - ها ها و بعدين؟
    - أبدا ..الاكتئاب راح و نزلنا صلينا العيد كلنا و بعد كدة رحنا السوق المركزي واشترينا خروف و الأولاد مش مصدقين نفسهم ..والفرحة "بتنط "من عينهم من منظر الخرفان والأضحية وحكيت لهم قصة سيدنا إبراهيم و كبش الفداء وهم مذهولين على مبسوطين .. وخلصنا الذبح على الساعة 11 .. فقال: إيه رأيكم نسافر للخور؟
    - طبعا موافقين وعزمنا على الغذاء في فندق السلطان في الخور و كان يوم جميل وأكلة لذيذة.. والأجمل انه كان عنده استعداد يتبسط و يعيد.. أصل الفرحة محتاجة لنية أو لإستعداد نفسي !
    المهم.. ثاني يوم أخذنا " للسيتي سنتر" و الأولاد لعبوا في مدينة كيوتل للألعاب رغم كره للذهاب للمراكز التجارية في الأعياد لأنها تكون أشبه بزحام البشر أثناء السعي بين الصفا و المروة في طواف الإفاضة.
    واليوم الثالث اخبرنا انه اعد لنا مفاجئة و هو أننا سنسافر لمدينة الشمال.. وعند وصولنا للشمال وجدنا أنها مدينة شبه خالية من السكان و هدؤوها غريب و لا يوجد بها سوى متنزه للأطفال و مركز تجاري لم يتم الانتهاء من إنشاؤه بالإضافة لميناء الشمال.. و هناك أخبرني أن الشط المقابل هو البحرين!! و قال
    : على فكرة في مشروع إنشاء جسر بين قطر والبحرين بتكلفة 3 مليار دولار.. و في حالة إتمام هذا المشروع .. لن نصبح سجناء في قطر و ستفتح نوافذ السفر في الإجازات بحرية.
    - و الله حلو .. يعني بداية مقلقة لكن ختامها مسك
    - بصراحة أنا سعدت به و بروحه في العيد و بتغلبه على روح الاكتئاب التي سيطرت عليه و التي كادت أن تقضي علينا في العيد أكثر من سعادتي بالفسح.
    - لا يا حلوة.. هو لم يتغلب على روح الاكتئاب لولا مكالمة تانت
    - لا لا لا.. الأصح نقول : لولا فضل الله .. ثم ما كان ممكن يقل أدبه أو يعاند.. و ماما تتكلم و تقول - مهما تقول ولا الهوا- لكن هو كان عنده إرادة و تغلب على الطاقة السلبية المدمرة.. ما كل الكلام متوفر .. و الصح معروف والغلط معروف.. وهي ماما هتقول أو تعرف تقول أكثر من كلام ربنا.. ما الآذان يأذن خمس مرات يوميا و في ناس بتسمعه و كأنها من سكان مالطة و القرآن يختم يوميا على الفضائيات .. و رب منصت و القلب في صمم.. لكن في نفوس نجت لأنه " قد أفلح من زكاها و قد خاب من دساها..." والمهم أن ربنا - بفضله و كرمه- عداها على خير.. و ما ننساش إن الرجالة بتكون مضغوطة وعل آخرها في الشغل و متبهدلين آخر بهدلة.. و متحملين غصب عن عينهم.. ونفسهم ربنا يعافيهم من ذل الغربة، لكن العدو من أمامهم و الجلاد من خلفهم .. بل و في عقر ديارهم! فلازم نقدر و لازم نفوت و لازم نعيش...

    فِي كـُلِّ رُكـْن ٍمِنْ رُبـُوع بـِلادِي.. تـَبْدُو أمَامِي صـُورَة ُالجــَلادِ
    لـَمَحُوهُ مِنْ زَمَن ٍ يضَاجـِعُ أرْضَهَا .. حَمَلـَتْ سِفـَاحًا فـَاسْتبَاحَ الـوَادِي


    بيت مدينة خليفة الشمالية.. عيد .. بمحض تنكيد!!

    كانت- يا مامي- هذه هي ثاني مرة ألتقي فيها بهذه السيدة وهي لأب لبناني وأم فلسطينية.. و تقطن بمدينة خليفة الشمالية بجانب مجمع"اللاند مارك" التجاري.. والمنطقة سكنية جميلة و هادئة و بعيدة عن وسط الدوحة.. و العجيب أنها ترتدي ملابس مشابهة لملابس القطريين سواء عباءة الرأس الخارجية أو النقاب الكامل والجلباب المزركش .. تضعه تحت العباءة .. ولهجاتها شامية محببة.. خليط بين الفلسطيني و اللبناني و مطعمة بخلطة العود والعنبر والبخور الخليجي .. بصراحة يا مامي، معظمنا بدأ يلحظ اقتحام بعض المصطلحات الخليجية في كلامنا، بالإضافة لبعض الكلمات "الأرابو هندو" أو التحدث بالعربي بطريقة هندية!
    المهم.. بدأت المرأة تحكي لنا عن بداية إقامتها في قطر منذ 12 عام ومن قبل قطر، كانت تعيش مع عائلتها في الكويت و قبلها كانت في السعودية التي ستعود لها قريبا بعد انتهاء عقد عمل زوجها في قطر وعدم تمكنه من نقل كفالته.. ولم نندهش لأن هذا الترحال هو حال معظم الفلسطينيين.
    - احكي لنا .. بأي حال عاد إليك العيد .. بالفرحة؟
    - بل بمحض تنكيد
    - أول القصيدة...
    - يا الله.. ما تتخيلوا.. الزلمة كان مرضان و متعذب و معذبنا معه
    - قلبها نكد؟
    - هيك اللي صار.. ضهر لصلاة العيد لحاله وما رضي نضهر معه.. وعاد .. نام .. فكلمت الماما من شان أعيد عليها .. وعادى..كيف الأحوال و اشتقتلكم و ينعاد عليكم .. وقبل ما أسكر .. قالت لي الماما :خيك بيريد يحكي معيك.. فعيدت ع خيي و ع مرته و كل سنة وانتم سالمين .. و بعدها قامت القيامة!!
    - ليه؟
    - بدأ الاستجواب : مع من عم تحكي و أد ايش صار لك تحكي و كيف لم أستاذنه قبل الاتصال؟
    - دخيلك يا زلمة..عم بأعيد عل الماما و ع خيي و مرته
    - و ليش هو ما عم يتلفنلك؟
    - يا ربي .. يا الله.. كنت عم بأتلفن أعيد عالماما و هو طلب يحكيني تيعيد علي.. إيش فيها؟
    - و ليش تعيدي عى خيك عا حسابي؟!
    - شو حسابك و ما حسابك.. إيش ها الحكي؟ دخيلك بيكفي
    - لا ما بيكفي
    كل ها الإصة من شان حكيي مع خيي؟
    - كل ها الحكي لتعرفي أن في البيت في رِجال .. فهماني منيح؟
    - و هيك المرجلة و لا الولدنة؟
    - الولدنة هاي لخيك .. خيك اللي ما عم يتصل عليكي إلا بميل ما بيكلفه لا درهم و لا ريال و لما بده يسمع صوتك.. ينطرك لما تتلفنيله فتكون المعايدة على حساب إمه أو إخته أو زوج إخته!
    - شو كل ها الحكي من شان إصة مصاري و ما بعرف شو ..دخيلك بيكفي.. ما بدي أسمع ها الاصص.. هاي شغلة بيني و بين خيي.
    - اصطفلي مع خييك .. بس مو عا حسابي!
    - لايك.. تعتإد إني ما بإحب إن خيي يعيط علي و يتصل في- عا حسابه إذا بدك - و أفتخر فيه .. لكن.. بالأخير هو خيي و في شغلات ما بنختارها بحياتنا.. وإذا كنت بتنتإده تتقول عنه هيك زلمة بخيل.. أنا بيعنيني بالأخير أنه ما يبخل علي بمشاعره.. و هلا.. نحنا بعيد و كتر خير الله انه بخير وأني سمعت َصوته و اتطمنت عليه و ع مرته و عا اولاده.. و بدي تعرف شغلة .. ها الزلمة خيي و بيضل خيي و باعيش وهو خيي و باموت و هو خيي.. بأزعل منه.. لكن بيضل خيي و عا راسي.. و أنت ما خصك يتصل في أو ما يتصل في.. يتلفنلي أو ما يتلفنلي .. هاي شغلة بيناتنا و أزيدك من الشعر بيت.. بركي تروق.. خيي رجال و بيتلفنلي أحياناً و بيحكيني .. بس مو شرط أعطيك خبرية كل ما يتلفن لي !
    - ها الزملة بيتلفنلك من شان ينقال إنه حاول يتلفنلك و انه عمل اللي عليه
    - يا عمي روق .. نحنا بأول يوم العيد .. طلع خيي من راسك.. لإللك شغلة : تلفنله إذا بدك وإله اللي بدك إياه.. لكن أنت معصيب من خيي .. لييش عم بتعصب علي؟ ما يصير.. و لما تقابله .. تأخده بالأحضان.. و ما بتإدر تفتح ِتمك معه!
    - معصب لأنك رضيانة.. لكن بدك أوضربه .. اوضربه ..
    - على اولك.. رضيانة .. ما عمري اشتكيت لك .. يبقى ليش شاغل حالك؟ ما خصك!
    - ما خصني !!! ضبي أغراضك
    - على وين؟
    - برات الدار.. غيري أواعيكي وضبي أغراضك و اضهري..
    - يا ستار و عملتي إيه؟
    - و الله ضهرت
    - في العيد.. رحتي فين؟
    - رحت عالمسجد و ضليت ببيت ربي أسبح" لا الاه إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين" و ما تلفنلي إلا عشيي !
    - يا خبر و بعدين؟
    - حمد الله كان شوية معصيب و طق حنك .. لكن حمد الله.. هدى شوي و الموضوع مرء و اتأسفلي
    - يعني قضيتي عيد حلو؟
    - عادي.. تاني يوم العيد طلعنا على بيت حماي و طبخنا و أكلنا .. عادي.. ما كل عام على ها الحال .. المشكلة إنه زوجي من الداخل ما انه سعيد .. ما انه رضيان .. ثائر.. و عرفان منيح أن ما حدا يحتمل ثورته غيري!

    لـَمْ يبْقَ غَيرُ صـُرَاخ ِأمـْس ٍرَاحِل.. وَمَقـَابـِر سَئِمَتْ مـِــنَ الأجْدَادِ
    شَيءُ تَكـَسَّرَ فِي عُيونـِي بَعْدَمَـا .. ضَاقَ الزَّمَانُ بـِثـَوْرَتِي وَعِنَادِي

    بيت الدفنة .." هابسك عليها"

    نادراً يا مامي ما تجدي أي مصري يعيش في الدفنة.. فمنطقة الدفنة ترادف الزمالك أو المعادي في مصر.. و منذ عامين قامت في هذه المنطقة طفرة عمرانية بعد بناء نحو 150 برج شبية بأبراج دبي.. فكما أن مغنيات الفيديو الكليب اللبنانيات قد أصبن مذيعات ومغنيات مصر و الخليج بعقدة نقص مزمنة .. حتى أنهن قمن بعمليات تجميل ووضعن ذات المساحيق للحصول على "اللوك" اللبناني.. فإن معظم دول الخليج تجتهد للحصول على اللوك المعماري "الدبيي"!
    و "الدفنة" - يا مامي- كانت منطقة شبه خالية من السكان و لم يكن بها سوى حي الدبلوماسيين المكدس بالسفارات المختلفة.. أما اليوم فقد أصبحت "الدفنة" عامرة بأبراج الشركات الشاهقة كما أن بها مناطق سكنية "كومباوندات" و فيلل خاصة للقطريين و المقيمين إلى جانب إنشاء مشروع اللؤلؤة و هو من أكبر المشاريع العقارية الاستثمارية ال12 نجمة المقامة على الخليج العربي.
    وإذا كان قد انتشر في الفضائيات العربية أكذوبة أن القطريين يتمتعون بأعلى مستوى دخل في العالم فلك أن تتخيلي- يا مامي- أن في"الدفنة" تتركز الطبقة الأغنى في قطر.. لذلك فقد تتعجبي أن واحدة من الحضور المصريات كانت من سكان "الدفنة" و لكنها كانت تعيش مدفونة بالحياة في هذه "الدفنة" أو هكذا تعتقد:
    - أرجوكم ما تسألونيش عملتي إيه في العيد.. اسألوني اتعمل فيك إيه في العيد؟
    - يا ساتر .. الكلام غير مبشر
    - الحقيقة و من الأخر إطلقت !!
    - يا خبر.. في العيد !!
    - هو الانفصال بدأ من قبل العيد و يمكن لا يوجد واحد في عائلتي لم يتوقع لي الطلاق
    - لكن "حبكت" في العيد؟!
    - الراجل تجنن و أنا ربنا نجاني منه
    - يا ساتر حصل إيه؟
    - من يوم الوقفة بدأ الخلاف.. ليه و ليه طلبت منه يخصص لي جزء من الذبيحة .. ففتح وصلة ردح !
    : ما تطلبي كمان لبس جديد للعيد و عيدية .. ما أنا أصلي ناقص شغل شحاتين!
    :إيه الألفاظ دي..و فيها إيه لما أطلب عيدية؟ هو أنا أجرمت لما أطلب جزء من الذبيحة أو لبس للعيد؟!
    : لا يا ماما اصحي .. مش أنا .. و بعدين عايزة جزء من الذبيحة ليه .. هتوديها لأمك؟!
    : إيه أمك دي.. لو سمحت تكلم عدل .. ثم أن ماما مش محتاجة حاجة منك.. لكن أنا نفسي أوزع جزء من الدبيحة على أصحابي.. اشمعنا أنت و ماماتك تدبحوا و توزعوا و "ما ينبنيش" و لا نسيرة من اللحمة!
    : لا ده أنت يومك مش معدي.. عايزاني أطلع أمي معاش مبكر و أقلها استريحي و "أنتخي" و الهانم الصغيرة هي اللي هتوزع!
    : حيلك حيلك .. فيه إيه؟ معاش مبكر إيه؟! دي الحاجة عندها 90 سنة .. و بعدين أنا طالبة جزء.. جزء أوزعه و "ما طلعش" مني كلمة أو معنى أني عايزة استأثر بالتوزيع لكن أنت بتتلكك!
    : باتلكك عشان ايه؟ قوليها كده .. عايزة اسمعها منك.. أصلك شكلك جيبتي أخرك!
    : تعرف أنت عمرك ما حبتني
    : ياااه.. أخيراً حسيتي.. أخيرا فهمتي .. إيه النباهة و الذكاء و الألمعية دي.. نفسي تقولي لي سبب يخليني أحبك؟
    : يا ساتر عليك.. للدرجة دي مليان كراهية!!
    : و من اللي ملاني كراهية؟ مش أخلاقك .. مش طباعك ؟؟
    : كل ده من العقد اللي عندك.
    : بصي.. جيبي من الأخر .. عايزة تقولي أني معقد عشان مريض و ما باخلفش.. أنا هاريحك ..يا هانم أنا لو كان عندي ذرة شك أني قادر على الإنجاب..استحالة كنت أختار واحدة زيك تكون أم لأولادي .. أنت ما تنفعيش تكوني أم.. أنت محسوبة على الإنسانية بالغلط ! و رغم ذلك أنا ما خبتش عليك أني مريض و فهمتك كل حاجة قبل ما نتجوز.
    : امال اتجوزتني ليه؟ عشان تعذبني؟!
    : تمام و بأقولها لك للمرة الألف ..أنا أول مرة شفتك فيها كان في فرح وكان معك والدك ووالدتك و أخواتك وعائلتك كلها.. وأمك ست طيبة و ملاك .. فانا بعبطي قلت " تطلع البنت لأمها"
    : لكن خيبت ظنك؟
    : يا ريت .. ده أنا عمري في حياتي ما شفت حد بيعامل الناس بطريقتك وبيتكبر على الناس ذيك .. لكن أنت مش حاسة بنفسك.. لا بتسمعي نبرة صوتك و أنت بتتكلمي مع أي حد طيب .. و مش شايفة نفسك وأنت بتعاملي مع الناس بتكبر و ازدراء .. حتى أمك راكباها و مطلعة عينها!!
    : أنا مطلعة عين ماما؟!
    : ده أنت مورياها الويل.. بس فعلا أنت من النوع اللي مش بيحس بنفسه و للأسف مش بيحس غير بنفسه !!!
    : و أنت مالك أنت.. علاقتي بأمي ما تخصكش طالما أنا طيبة معك؟
    : لا يا حبيبة ماما.. ما فيش راجل في الدنيا عنده ذرة عقل يعدى الموضوع ده
    : موضوع إيه.. أنا عملت لك أنت إيه.. ده أنا من إيدك دي لإيدك دي..عمري ما كنت بأطبخ لحد و طبخت لك .. عمري ما كنت بأنضف البيت و بانضف بيتك .. عمري ما كنت بأخدم حد و بأخدمك بنفسي و بأخدم أهلك ..عمري ما كنت باستأذن حد و بأستاذنك .. دايما ممشية كلامك رغم أن طول عمري كلامي من رأسي.. عايز إيه اكتر من كده؟! أنت بتتلكك علشان تطلقني!

    : باتلكك.. أنت فاهمة غلط .. عارفة .. أنا كان نفسي أقدر أتحملك .. كان نفسي ربنا يعطيني القدرة و استمر معك عشان تفضلي تحت إيدي..أعذب فيك بدل ما يقع في إيدك زوج طيب ضعيف تعذبي فيه و تطلعي عليه عقدك .. كان نفسي أقدر أستحمل عشان أمرمطك و أفرج عليك أهل مصر و اخليكي أحاديث لأهل قطر والخليج كله.. كان نفسي ربنا يصبرني عليك لغاية ما تموتي و أقف على قبرك و أقول له: يا رب أشهدك أني غاضب عليها .. اللهم اغضب عليها!!
    : يا ستار..ليه ليه .. ليه حرام عليك؟!!
    : حرام علي أنا.. و أنت بمخك هل تفتكري أن ممكن راجل.. أي راجل.. يعطي الأمان لست لا ترحم أمها و تعاملها معاملة مذرية و مطلعة على أبوها -اللي ركبها المرسيدس و البي ام- انه بخيل و إيحة و بيطلع بالضالين!!
    : ما تجيبش سيرة بابا أرجوك ..
    : و الله .. و الهانم عمرها رحمت أبوها .. عمرك هديتي والدك هدية .. عمرك قعدتي تحت رجله أو خدمتيه.. مش الراجل ده اللي طول عمرك بتشتكي منه و مبهدلة سمعته في العائلة كلها.. دلوقتي بس حلي؟!
    :إيه القسوة اللي فيك دي؟!
    : مش قلت لك أنت مش حاسة بنفسك.. أنت عارفة أنا مرة شفتك و أنت بتشخطي في أمك و بتعنفيها و رميتي الممسحة في وشها لأنها ما بتسمعش كلامك!!
    : أنا منعتها أنها تضر نفسها لأن الدكتور مانعها من المسح عشان مريضة
    : والمريضة دي .. عمرك مسحتي أو كنستي عنها الأرض؟! عمرك غسلتي عنها الصحون؟! عمرك قلتلها لا يا ماما .. أنا هاطبخ لك الغداء .. و أنت تقعدي ملكة في البيت؟! عمرك بوستي ايدها؟ عمرك بوستي رجليها ؟ عمرك عزمتيها على عشوة ما اكنش أنا دافع ثمنها؟ عمرك فكرتي تحوشي و تجيبلها هدية قيمة وغالية - إلا كله من فضلة خيرك-؟ عمرك قعدتي تحت رجليها و قلتيلها اتمني .. أمري و أنا أنفذ؟ دي بتخاف منك وأنت مش حاسة!
    دي الست بحطة ايدك ،اقعدي هنا ،قومي من هنا، روحي، تعالي، جيبي.. ده أنت - بجبروتك - محتلية غرفة نومها و منياماها مع أختك في الغرفة الصغيرة .. أنت تركبي في العربية في الأمام و أمك رامياها في الخلف .. أنت تمشي في الأمام و هي أكنها شغالة بتجري وراك.. أنت تشتري لوازمك الأول و هي في الأخر .. أنت تعملي المشاوير الخفيفة و تتركي ليها الغسيل و النشير و الطبيخ و المسح و الكنس و العزايم .. و الأكادة إنك مطلعة على نفسك انك المسئولة عن البيت و شايلة كل العبء على كتفك -يا حرام- !!
    : أرجوك
    : أرجوك إيه .. أنت فاكرة أني ممكن اقتنع أن في إنسانة ممكن تحب أو تحن أو تحترم زوجها اكتر من أمها أو أبوها؟ ده أنا أبقى راجل عبيط ..أنت احترميني لأنك مجبرة على احترامي و قدرتيني لأنك مجبرة على تقديري و بتسمعي كلامي لأنك مضطرة.. لكن تعالي أقلك: هل تتخيلي أني كرجل مش ممكن أخاف أني أمرض في يوم من الأيام أو اكبر و اعجز و أتحول لفرصة أمامك تهيني فيها أو تعامليني ذي ما بتعاملي أمك أو أخوك أو أختك أو أبوك أو أهلك كلهم؟!!
    : ده أنا شيطانة بقه؟!
    : عمرك إتكلمتي كلمة عدل على أخوك أو أختك أو أهلك أو أصحابك..إلا دائما مصغراهم و على طول تدعي انك وارثة الحكمة وحدك و الذكاء بانفراد ..أما أصحابك فبيغاروا منك .. حتى أعمامك و خلانك اللي بتتباهي بمراكز و مناصب بعضهم و مهمشة و مبتعدة عن الجزء الفقير منهم و بتقولي فيهم ما قاله مالك في الخمر!!
    : تعرف أنت إنسان- فعلا- مريض!
    : و هو كذلك، أنا مريض.. حلو جدا.. و أنت إيه؟ أنا نفسي تعرفي حاجة.. حجي ما تحجي و إعملي عمرات بعدد شعر راسك و خدي دروس في التجويد على قد ما تقدري و احفظي لك خمس ست سبع ثمن تسع أجزاء قرآن أو احفظي القرآن كله بالقرآت السبع ذي ما أنت عايزة.. و اتكلفتي و اتحجبي أو حتى اتنقبي.. و قومي صومي و زكي و روحي من الجامع و تعالي من الدرس .. لكن.. ربنا - إن شاء الله- مش هيقبل منك حرف.. لأن كل "أف" قلتيها لوالدك ووالدتك هتدفعي ثمنها دنيا وآخرة.. كل نبرة صوت عليت عليهم و كل نظرة حادة صوبتيها لهم وكل تصعير خد وكل رزعة باب و كل تطنيش عن تعب أمك و هلاكها و هي ست مريضة .. متهالكة.. كل ده هتتحاسبي عليه .. وخليكي عايشة حياتك في التليفون مع صحباتك .. تفتكري هينفعوكي؟ إلا ما حدش قالك ان تصعير الخد يعتبر تكبر .. ما سمعتيش ان ربنا ما بيدخلش الجنة من كان في قلبه ذرة من كبر .. ذرة يا بنتي مش صخرة!!

    - أنا يمكن كنت عصبية في فترة لكن تغيرت
    - الله يخليك اكذبي على حد تاني مش عايش معك.. يا ريت تتغيري ..لكن صعب .. لإنك مش قادرة تلاحظي إنك بتعاملي الناس بتعالي .. صعب إنك تفهمي مخاوف زوجك و أسباب غضبه منك ..
    - أنا مش عارفة أنت شايفني كده ليه؟ أنت مفتري و ظالم .. حسبي الله و نعم الوكيل!
    - لمعلوماتك اللي عاشروك.. عذرني لأنهم عارفينك وهم نفسهم اشتكوا منك و نفسهم يخلصوا منك .. لكن بيتجنبوك كما أوصى الرسول( ص) بتجنب السفهاء ..
    - أرجوك .. أسكت .. واضح انك مش حاسس اد إيه أنت أناني و عصبي و مزاجي
    - يا بني أدمة افهمي .. قلت لك أنا مضطر أكون كده معاكي.. لأنك إنسانة متخيلة إنها وحدها محور الكون.. ومعتقدة انه لا ينبغي التعاطف مع أي إنسان إلا إذا كان يعاني من نفس مشاكلك.. ما في إنسان عنده كرب إلا أنت .. ما في حد يحتاج تعاطف سواك.. كل سوالفك و حكيك مع صحباتك و أهلك شكوى و تضرر و عدم رضا.
    ايه التخريف اللي أنت بتقوله ده؟
    - أنا عايزك تسمعيني بجد.. لأني فعلا ناوي اطلقك ..
    - ننفصل أحسن مليون مرة من الإهانات اللي أنت فاكر أني ممكن أتحملها
    - تتحمليها- ازاي يا حرام- لا طبعا الهانم تتحمل إهانات؟ لا الهانم هي اللي تهين و الناس هي اللي تتحمل.. الهانم هي اللي تشتكي و الناس هي اللي تسمع
    - أنت سمعتني باشتكي؟
    - يا حبيبة قلبي أنت فاكراني كيس جوافة ؟! مش عارف إيه اللي بيحصل في بيتي و في الدفنة كلها.. ده أنت ليل نهار تشتكي مني لأمك و تشكي أخوك ليا و تشتكي أمي و أخواتي لصحباتك و تشتكي أختك لخالاتك وتشتكي خالاتك لعماتك وتشتكي عماتك لخالاتك. . هل تعتقدي أني مش عارف و نايم على ودني؟
    - كمان بتتصنت علي في التليفونات..وتتجسس عليا؟
    - بيرافو عليك .. باتصنط .. وباتجسس .. لأتي مضطر.. لأتي متجوز حية و بأحتاط منها.. خايف اتلدغ! وعلى فكرة ..ماما و اخواتي البنات و حتى سلايفك مش بيكرهوك لله في لله كده..
    - طبعا أنت اللي مكرهم فيا؟!
    - تمام.. أنا كل لما أسمعك وأنت مهلهلة سمعة أخواتك وأهلك و مطلعاهم فاشلين وحاقدين.. و كل ما أسمعك و أنت بتغتابي في عماتك عند خالاتك والعكس صحيح .. بأعمل حاجة بسيطة جدا.. باتصل بالحاجة و أخواتي و اقلهه بلسان حالي : "هابسك عليها "!!!
    - و فخور بنفسك؟ ما أنا عارفة .. لكن كلامك مش دقيق أنا مجرد بأفضفض مش بغرض تشويه سمعة أهلي.. لأن مش منطقي أن أسيء لأهلي
    - يا بنتي.. الشكوى تكون مرة .. مرتين لكن بالسنين.. وبدعوى الفضفضة تطلعي أمك
    ما بتعرفش تتصرف و ذي قلتها و أختك بتغار منك و تقولي أن أخوك فاشل في
    التعليم و في الشغل وانك أنت اللي طالعة ناجحة لوالدك لكن هو اللي خربها ..
    بدعوى الفضفضة تتصلي بصحباتك و تكسري صوتك علامة الأسى و الحزن..عشان يسألوك: فيه إيه ؟ فيكون ردك: لا أبدا.. مفيش أصلي في كرب .. و تبدئي وصلة شكوى تستمر بالساعات تفشي فيها كل أسرار البيت !!
    - أنت مفتري
    - أنا اللي مفتري .. مش قلت لك مش حاسة بنفسك.. أنا أحيانا كنت أتمنى يكون لك أب قاسي.. جلاد يصبحك ببصقة و يمسيكي بعلقة .. كان نفسي يكون من نصيبك أم مهملة أو مشغولة بتحقيق ذاتها أو من نوعية الستات بتوع الإتحاد الاشتراكي.. و يا سلام لو كان من نصيبك أم تسيبك يتنهش في لحمك بثمن بخس.. و تعرفي أنت كان لازمك أخوات من صنف إخوة يوسف!!
    - يا أعوذ بالله منك. . أنت إنسان معقد و مريض و مهلهل نفسيا!!
    - طب أنا هاعقدك أكتر .. و أقلك إن في ناس ربنا ابتلاهم بزمرة هذه الابتلاءات.. و لمعلوماتك ..في أولاد ربنا مبتليهم بآباء في منتهى العقوق و مع ذلك بيجاهدوا نفسهم و يتذللوا لهم و يخفضوا لهم جناح الذل من الطاعة لله!
    - أنت مش سامع نفسك بتقول إيه .. ده أنت مستكتر على أهل طيبين!
    - و الله دلوقتي أصبحوا طيبين و حلويين؟! أنا لا يعنيني هما إيه.. أنا الل يهمني أنت إيه .. أنا نفسي تلاحظي نفسك .. أنت إيه؟؟ لاحظي تجبرك في التعامل مع الخدم .. لاحظي لا مبالاتك في التعامل مع الفئات المهمشة أو الفقيرة .. لاحظي تجاهلك واستعلائك مع أي حد طيب يهتم بك و يسأل عليك .. لاحظي سخطك وعدم قبولك لأي حد يتفوق عليك في أي شيء أو يخالفك في أي رأي.. و أرجوك لاحظي نفسك و أنت تتعاملي مع أي إنسان شخصيته قوية..
    - هو ده رأيك في؟
    عمرك انشغلت بمشاكل الناس؟
    - كتير
    - لكن بشكل انتقائي.. أنا لما عرفت أن عمك مريض و بيغسل الكلى.. حبيت أتصل به .. قلتيلي .. سيبك .. كله أونطة و لا مريض و لا حاجة و بيهول!
    - أنت اللي مريض!
    - عمرك ما هتفهمي ..أنت في منتهى الأنانية و متقوقعة في ذاتك و لذاتك ونفسي تعرفي أني رافض أخصص لك نصيب في حياتي ..
    - أنا عارفة أنت اتجوزتني عشان تثبت للناس انك نجحت في ترويض النمرة.
    - و الله فشلت .. و الغريب أني فقدت الرغبة في النجاح .. أنا رافض أخلاقك.. رافض مباهاتك بأنك إنسانة عصبية .. خلقها ضيق.. أنا رافض أضيع اللي باقي لي من وقت و عمر مع إنسانة مفهومها عن الدين و الحياة خاطئ ! لكن تأكدي أني مش هأريحك .. لأني بعد طلاقك هاتجوز صاحبتك .. و لولا أن أختك عندها أخلاق و بتحبك .. كنت إتجوزتها لكن أنا متأكد أنها إنسانة محترمة و هترفض!
    - في ألف داهية كلكم لكن بجد أنت فاكر نفسك متدين؟
    - شكلا لا.. أنا مش مربي دقني و مش هاربيها.. و أصلي الوقت بوقته، لكن مش في الجامع .. لكن يكفيني أني بأراضي أمي و أخواتي شايلهم فوق راسي وأهلي بأكرمهم و لو على حسابي و بأحترم الكبير و مش بأذى الضعيف و حياتي بين شغلي و بيتي و ما ليش في الحرام و راضي
    -و أنت فاكر انك مش عصبي؟
    - معاكي عصبي و مضطر أكون .. لأنك من نوع "سمن كلبك يقتلك"!
    - أنا عمري ما ادعيت أني ملاك .. لكن تأكد إني مش شيطان وأنت ما قدرتش تحبني و أنا ما قدرتش أكرهك بالعكس، أنا يمكن عمري ما حبيت حد و احترمته ذي ما حبيتك و احترمتك و ربنا يسامحك.. عموما أنت ظلمتني و أرجوك طلقني.
    - و الله أنت قلتيها بنفسك .. أنا غصب عني ما قدرتش احبك .. ربنا ما سمحش لحبك انه يدخل قلبي .. رغم أني متأكد انك كنت وفية في الفراش .. لكن الوفاء مش جسد فقط .. أسراري بتطلع برة .. سمعتي و سمعة أهلي بتتخرب على لسانك .. أشوف معاملاتك مع الناس أخاف و أترعب منك .. فمن غير رجاء أو استعطاف.. على الرحب و السعة.. بس أجازات العيد تنتهي و بينا على السفارة ننهي الإجراءات.
    - الحمد لله الحمد لله.. و لا يستاهل انك تبكي عليه. . مع ألف سلامة.. إيه كمية الحقد دي..أنت ربنا نجاكي يا شيخة .. استخلفي و ربنا يعوض عليك.
    - صدقوني .. أنا الحمد لله تخطيت المرحلة دي.. بكل ما فيها.. و حسيت أن العيد الحقيقي يوم ما خلصت منه و الحياة مستمرة بيه أو من غيره..
    - طب احنا نقول لك ألف مبروك
    - الله يبارك فيكم.. يا الله .. أخد الشر و راح.. بس ادعوا لي.. أصلي في كرب.

    مَا بَينَ عُمْـر ٍ فـَرَّ مِنـِّي هَاربـًا.. وَحِكايةٍ لن يزْهـُــو بـِهـَا أوْلادِي
    عَنْ عَاشِق ٍهَجَرَ البـِلادَ وأهْلـَهـَا.. وَمَضى وَرَاءَ المَالِ والأمْجـَادِ

    النجمة " عراقية "

    الحقيقة - يا مامي- حكاية فتاة "الدفنة" كانت مرهقة للجميع حتى أن صوت زفرات الحضور قد علا في المجلس .. فقامت صاحبة الدعوة بتقديم القهوة العربي المرة و التمر و الحلويات لتلطيف الجو.. و بدأت بعض المدعوات في تلقي بعض الاتصالات على الجوال و بعد ثلث ساعة تقريبا عدن إلى الجلسة و جاء دور سيدة عراقية حنطية البشرة.. هيفاء القامة تجمع بين صلابة الملامح وعراقة الأصل.. تعيش في حي "النجمة "والذي يطلق عليه المصريون" شبرا مصر" فهذا الحي الذي يقع في وسط الدوحة به كل شيء.. الفقراء يعيشون وسط الأغنياء .. و العراقي قد يجاور الكويتي و المسلم قد يزامل الشيعي بل واليهودي..وكل الجنسيات لها حق التنفس في هواء "النجمة" .. كما انك تجدي في" النجمة" المطعم الهندي يبيع البرياني بتوابله الحراقة بجانب محل"الرغيف الساخن" الذي يقدم سندويتشات الفول و الفلافل المصرية... يجاوره محل "الناعورة" الذي يبيع المناقيش والفطائر اللبنانية ويقابله حلواني"القدس" الشهير بالحوليات الشامية بصناعة فلسطينية..
    هذا الحي عبارة عن لوحة سريالية خلطت الشامي بالمغربي ..لذا فهي تستعص على الفهم .. لكنها سهلة القبول لأنها ترضي الجميع.. فمحلات" الحراج " للأثاث والملابس المستعملة يجاورها محلات الأثاث الباكستاني الغالي و دكاكين البقالة الصغيرة التي يستأجرها و يعمل فيها عمال من الهند و بنجلاديش تجاور شركات الفردان للصرافة وشركات العمادي التجارية.. و طبيعي أن تسمعي في هذا الشارع أغنية "أنا مو ولهان أنا .. أنا دنيا من الوله" لعبد الله الرويشد .. و تمشي قليلا فتسمعي كاظم السهر "قولي أحبك كي تزيد وسامتي" ثم تفاجئ بصوت وردة الجزائرية في المحل الذي يليهما تغني " وحشتوني" فإذا دخلت محل رابع قد تسمعي "آه يا ليل" بصوت شيرين أو "الأماكن" بصوت محمد عبده أو"لو تعرفوا" لإيليسا.. و يقينا ستسمعي كل مساء صوت أم كلثوم في هذا الحي "الكوزموبوليت".
    وتسكن في هذا الحي ..هذه النجمة العراقية و التي بدأت الحديث على هذا النحو
    :و الله جبل ما تسألوني إيش رايج في العيد في قطر؟؟أجاوبكم
    : خير؟
    : ماكو شي .. ماكو عيد بعيد عن العراق .. ما كو عيد بعيد عن ديرتي وأهلي و زوجي.. شلون افرح و أشتري لأطفالي حلوى و مو عرفانة شو اللي صاير لديرتي و زوجي و جيران الحي في الأعظمية و أهلي في كربلاء ؟
    :زوجك في العراق؟
    : و الله جينا على قطر بعد دخول العلوج للعراق..
    :هاههاها؟
    : لكن عقد زوجي انتهي صار له شهرين و ما جدر يحول الكفالة .. فسافر توه عا الإمارات و نحنا ضلينا إيهينه بقطر لحين ما تتحسن الأوضاع .. و هو كل فترة يدفعه الحنين فيدزلي رسالة.
    : لكن الأولاد ذنبهم إيه ما يعيدوش؟
    : و الله أكو دروس و امتحانات عُجُب أجازة العيد .. فجاعدين يدرسون.. و الحمد الله أني التجيت فيكم اليوم.. لأن بيوم م الأيام .. كنت كيفكم.. أشتجي من هموم المترفين .. أشتجي من عمتي أم زوجي و كنت أتكدر منها لما تريد تعرف شنو صار و لما تريد تتدخل و و و.. لكن بعد الغزو ..و بعد ما شافت عيني الديار بتتهدم و الشيوخ والأطفال مشردين من دون مأوي.. و العراقيات مغتصبات.. بعد ما دجت الجوع و عرفت شلون مر طعمه.. بعد ما جابلت حثالة القوم يتبغددوا علينا و إحنا من بغداد.. شلون أفرح؟ و الله استحي أفرح أو اشتجي أو أعيد و أنا بعيد عن العراق؟ عيدي بيكون في اللحظة اللي أطمن فيها على أهلي و أكون يم زوجي و يم عراقي.
    - عشت و عاش العراق.. و الله خجلتينا !

    شَاهَدْتُ مِنْ خَلـْفِ الحُدُودِ مَوَاكِبـًا .. للجُوع ِتصْرُخُ فِي حِمَي الأسْيادِ
    كـَانـَتْ حُشُودُ المَوْتِ تـَمْرَحُ حَوْلـَنَا.. وَالـْعُمْرُ يبْكِي.. وَالـْحَنِينُ ينَادِي

    سيدة الوكرة .. " الرضا عيد "

    بعد هذا الدرس من هذه النجمة العراقية .. التي أخجلتنا جميعا.. تحدثت سيدة قطرية تعيش في الوكرة.. و الوكرة ليست حي أو منطقة .. إنما مدينة ساحلية في جنوب الدوحة وتفصلها عنها نحو ثلث أو نصف ساعة بالسيارة.. ويعيش في الدوحة عدد كبير من المقيمين وعدد أكبر من العائلات القطرية أشهرها على الإطلاق "عائلة عبد الغني "التي تعيش في قصر كبير له ملحقاته من القصور الصغيرة و عميد عائلة عبد الغني هو رجل الأعمال ذو العقيلة الأكثر تجارية في عالم الأعمال القطرية "عبد الله عبد الغني" صاحب توكيل شركة" تويوتا" و للعلم فإن قصر عبد الغني هو أحد معالم "الوكرة ".. فتجدي الناس يقولون:" الجامع المجاور لقصر عبد الغني .. الدوار الذي يلي دوار عبد الغني.. المدرسة المقابلة لقصر عبد الغني و هكذا..." فالقصر هو بمثابة عاصمة " الوكرة" أو نقطة ارتكازها أو هكذا اعتقد.. وأعتقد أني أخبرتك - يا مامي- من قبل أن عمتي "تانت سوسو "كانت تقيم في مدينة "الوكرة" عندما عاشت في قطر في السبعينات.
    غير أنه حينما جاء الدور على السيدة القطرية لتروي لنا كيف عاشت العيد هذا العام قالت:
    يا جماعة الخير .. عساكم من عواده .. ايش السالفة؟ ليش ها الحزن ؟! و ايش ذنب اليهال و البذورة .. أنا العودة في أخواتي و أبيكم تسمعوني زين.. الحياة يوم زين و يوم شين.. و اللي يبي فيكم يعيد و يستانس .. يبي له يفكر زين و يرضي ربه زين .. و الغربة مو كلها شين.. ربي في التدبير و هو الحكيم .. و كان جادر يخليكم جنب الأهل .. لكن ما كانت هتنعدم المشاكل ..نرضى بجضا الله و بحكمته و "الحمد لله" مو بالجول .. بالفعل..
    الجمعة الماضية صار لي عشرين سنة على " ملشتي"
    - حفلة زواجك بتسموها " المِلكة" مش كدة؟
    - ايه و الله.. يا بعد عمري.. و ايش نسوى؟؟ و يجي العيد وراه العيد و ما اندبح في داري و لا دبيحة .. كله عند بيت حماي .. و لا عمري يوم جلت و لا اشتكيت .. أجوم أصلي و نتريج.. و ييي أبو اليهال من صلاة العيد و نطلع على بيت حماي لحين ناكل.. و اللي بده يتغشمر يتغشمر.. و اللي بده يلعوذ.. بيلعوذ و اللي يجول: اخرطي!! و اللي واللي.... و كله عدى.. لكن كله مثبت عند ربي..
    هو اللي يحاسب.. و أنا أحتسب..
    - يعني عشرين سنة.. العيد في بيت حماك؟
    - أي والله..و بعدها نطلع مع اليهال على بيت بوى و أمي و نضل حتى نتعشى.. و عساكم من عواده.. وفديتش.. و والله ما جسرتم .. و نرد على الدار.. لا طلبت يوم عيدية و لا لحمة و لا طلعة..
    - طب و بتسمي ده عيد؟
    - أحمد ربي و اشكره .. تاني يوم.. نجضيه مع اليهال اللي صاروا الحين زينة الشباب.. و نطلع و نشتري و ناكل ونشرب و نستانس و نعاود و "الرضا عيد"
    - ربنا يزيدك رضا يا حاجة .. كل سنة و أنت طيبة
    - مشكورين.. عساكم من عواده
    بيت " سلوى"

    أعتقد يا مامي أنك لم تنس طريق سلوى.. وأعتقد أن ذاكرتك تعتز برحلة العمرة التي صاحبناك فيها منذ عامين حينما سافرنا للعمرة عن طريق البر..أشعر أني كالجمال التي تعيش على اجترار الذكريات الجميلة.. فإذا كنت لم أنس طريق مصر السلوم الذي كنا نسلكه لنسافر إلى ليبيا حينما كنا نصاحب بابي أثناء عمله في تدريب الطيارين الليبيين في السبعينات .. فكيف لي أن أنسى لحظة من لحظات جمعتنا أثناء السفر معك لأداء العمرة .. و على فكرة.. طريق سلوى هو الطريق المستقيم الذي يصل قطر بالسعودية و منها لمصر و الشام أو دول مجلس التعاون الست بل هو المنفذ البري الوحيد لقطر بالعالم.. و الطريق يبدأ قبل إشارات "رامادا "بنحو 2 كيلو و يتشعب منه عدة طرق عبر دوارات صغيرة وهو في الغالب طريق تجاري يضج بالشركات و المحلات التجارية و مراكز الديكور و المطاعم .. و يقع فيه "الفرع الوحيد لمكتبة جرير" في قطر علماً ان لهذه المكتبة فروع في باقي دول مجلس التعاون .. ورغم كون الشارع تجاري إلا أن به بعض البنايات السكنية..
    و تسكن فيه سيدة مصرية مع زوجها و أبناؤها منذ نحو عشرون عام.. و قد بدأت تروي أيامها في العيد على هذا النحو:
    - دورك يا حاجة.. محتاجين تحكي لنا بالتفصيل كيف كان العيد في الحج و ألف مبروك و ربنا يتقبل.
    - لا، نفسي أحكي لكم كيف من الله علي بالحج.. فأنا متزوجة من رجل فاضل يكبرني بكثير.. و قد زوجني والدي له و عمري 15 عام بعد أن قاموا بتسنيني.. وفرحت البلد كلها بي يوم زفافي .. فقد كان زوجي لقطة في عرف الجميع.. في عرف من يتمنى الهروب من البلد لأي مكان ..حتى أن أهل البلد كلهم كانوا يباركون لوالدي و يقولون له: عقبال ما تستر باقي البنات.. و ربنا يقدرك و تعرف تجوزهم جوازات" سقع" ذي أختهم الكبيرة!
    وانتقلت من قريتي لمصاحبة زوجي في غربته .. لأقف بجانبه، أسانده و أشاركه حياته.. و هو بدوره كان يقوم بكامل مسؤولياته المادية.. إلا أنه يبدو أنه كان لديه قناعة أنه غير مسئول عن أسرته إلا من خلال الإنفاق.. فهو يعمل صباحا وحتى الساعة الثانية عصراً و يصل للبيت في الثانية والنصف ليقول: السلام عليكم .. الغدا!!
    ثم ينام ساعتين ليرتاح قليلا ويصحو ليقول
    : فين القميص؟ فين البنطلون ؟فين الشراب؟
    و كلها أسئلة روتينية لزوم التحضير للخروج لقضاء السهرة مع أصدقاؤه.. فحياته هي العمل صباحا و الخروج ليلا مع أصحابه .. حتى يوم الجمعة.. ينامه حتى صلاة الجمعة.. ثم: فين الغداء؟
    ثم الدش والتحضير للخروج والسهر معهم ..أما البيت و الأولاد ف:" ده دورك" فيعطيني المصروف الشهري ويعطيني مصروفات المدرسة السنوية و أنا على الذهاب للمدرسة للدفع وحدي أو أذهب للمدرسة وحدي في حالة وجود أي مشاكل للأولاد.. و أنا أوصلهم للتدريب في النادي وحدي و أخرج معهم لشراء طلباتهم وحدي وأذهب معهم إذا أرادوا الفسحة وحدي .. لكنه يجتمع معنا في وقت الغداء ثم يطلب الإنفراد بنفسه ليستريح وحده..
    لكن منذ عشر سنوات استجدت في حياتانا حدث جديد.. إذ أخبرني زوجي أن الله قد قذف في قلبه
    - وحده - حب الحج و زيارة بيته الحرام .. فرحبت بذلك أملا في أن يتقرب لله و ينعكس ذلك علينا.. عل الله أن يقذف في قلبه حبنا جميعا سواء أنا زوجته و أولاده ..
    - و ظل يحج عشر سنوات وحده ؟!
    - عشر سنوات ..إلى أن أخبرتني احد الصديقات في الصيف الماضي .. أنها ستقضي العيد هذا العام في الحج وسألتني إذا كنت قد أديت الفريضة ؟ فأخبرتها أن زوجي هو الذي يحج أما أنا فأقضي العيد في البيت وحدي .. لأن الأولاد كبروا وأصبحوا يخرجون وحدهم و أظل أنا في البيت إلى أن نجتمع مساء..
    فسألتني: و ليه مش بتحجي مع زوجك ومعكم الأولاد
    : لا ..أصله بيحج طيران و الطيران غالي
    : طب ما أنت معك 3 رجالة طول بعرض.. ما تقترحي عليه انك أنت والأولاد تسافروا بري و هو يسافر طيران و تتقابلوا هناك ؟
    : الله.. فكرة.. تفتكري يوافق؟
    : حاولي
    :ها و حصل ايه؟
    : حصل أنه "عصلج شوية " و ليه؟ و ناقصين مصاريف.. حرام عليكم.. إيه المصايب دي؟! ..انتم ورايا ورايا " فقلت له : يعني ربنا يجعلها لك في ميزان حسناتك و احنا مش هنضايقك .. د أنا و الأولاد نسافر بري لوحدنا وأنت لوحدك طيران و لوحدك في فندق هيلتون مكة.. و بعد طول محايلة و شهر قيام ليل .. وافق الحمد لله.
    :و شعورك إيه وأنت مسافرة لوحدك مع الأبناء؟
    : منتهي السعادة ..ألف حمد و شكر لك يا رب.
    : منتهى السعادة و هو لوحده و أنتم لوحدكم ؟!
    : مش دي القضية .. ما أنا على طول وحدي .. المهم أني أديت الفريضة و زرت و طفت
    و شفت الكعبة و الحمد لله أن أولادي كانوا معايا .. و سبحان الله.. السفر البري مع أولادي قرب ما بيننا جداً..
    :يعني هو يسافر طيران و ينزل في فندق خمس نجوم و أنت مبسوطة انك مسافرة بري؟
    : حرام عليكم .. اهمدوا ..أنتم عايزين تقوموني على الراجل.. طب أريحكم .. أنا لو حسبتها بطريقتكم ممكن الواحد يتضايق.. لكن أنا حسبتها بطريقة مختلفة.. قلت الحمد لله أن ربنا سخري لي إنسانة شجعتني أني أفاتحه في رغبتي في أداء فريضة الحج و ألف حمد و شكر لله انه جعله يوافق حتى لو عصلج في الأول شويتين.. هو في حاجة في الدنيا بالساهل.. ثم أن الحج البري ممتع و عمري ما قضيت مع أولادي و هما شباب 24 ساعة كاملة من غير موبايلات و رنات .. كلهم كانوا جنبي .. و فترة المحادثة و الدردشة كانت طويلة جدا و خلتني أتعرف على حاجات عمري ما عرفتها عن أولادي!
    : معقول ذي إيه!!
    : حاجات كتير منها أن ابني الكبير بيحب الشعر و قال لي بيتين شعر مش قادرة أنساهم:

    أحْبَبْتـُهَا حَتـَّى الثـُّمَالـَة َ بَينـَمَا..َ باعَتْ صِبَاهَا الغـَضَّ للأوْغــَادِ
    وَطـَنٌ بَخِيلٌ بَاعَنــي فـي غفلـةٍ.. حِينَ اشْترتـْهُ عِصَابَة ُالإفــْسَادِ

    : تخيلوا كمان.. أول مرة اعرف أن ابني الوسطاني عمل عملة سودة .. كان أثناء السفر جنبي و قال لي
    : يا ماما .. أنا مرعوب و نفسي ربنا يقبلني
    : إن شاء الله يقبلك يا حبيبي.. ليه بتقول كده ؟
    : أصلك ما تعرفيش ..أنا إنسان وحش و مرتشي!
    : يا خبر.. بتقوله إيه؟! أنت ولد طيب و عارف ربنا و بتصلي فرضك.
    : بأصلي أيوة.. لكن مرتشي
    : مرتشي إيه .. ده وقت هزار؟
    :بصراحة يا ماما.. في واحد زميلي في الفصل مخه كبير صحيح .. لكن ما لوش في المذاكرة ..
    فراح اشترى من المدرس امتحان الهندسة !
    : اشترى إيه؟!
    : اشترى الامتحان يا ماما
    : هي الامتحانات بتتباع بالكيلو؟!!
    : لا .. بالمادة يا ماما.. و هو اشترى امتحان الهندسة ب 3 آلاف ريال!
    : أعوذ بالله .. و أنت إيه دخلك؟
    : مش أنا قلت لحضرتك أن زميلي مخه كبير وعقليته تجارية فذة .. فالولد اخذ الامتحان و راح يبيعه لكل طالب في الفصل بألف ريال عشان يلم أضعاف ثمن اللي دفعه في الشراء !! و أنا اشتريت.
    : اشتريت ايه؟!
    :اشتريت الامتحان يا ماما!
    : امتحان إيه ؟ أنت بتقول إيه ؟ إمتى ده حصل ؟ و ليه ما قلتليش و اذاي تعمل عملة سودة ذي دي؟!
    : الله يخليكي يا ماما .. ما تتعصبيش .. حضرتك حتسيحي في الأوتوبيس و الناس حوالينا و احنا رايحين نحج .. و أنا طالب المغفرة من ربنا.
    : طب و أنت جيبت منين ألف ريال؟
    : لا.. ما أنا اتفقت مع عشرة من ربعي
    : ربعك ؟
    : اقصد زمايلي .. اتفقت معهم كل واحد يدفع 100 ريال وأنا اللي اشتري نسخة الامتحان.. أصل مش كل واحد في الفصل يقدر يدفع ألف ريال.. فعملنا جمعية!
    : لا حول و لا قوة إلا بالله.. ليه يا بني الغش والرشوة .. ده أنت لسة صغير .. هتعمل إيه لما تكبر..و بعدين رايح تتعاون على الإثم ؟!
    : أنت قولي لي اعمل إيه يا ماما.. أنا ندمان جداً.
    و قعدنا نتكلم و فتحولي قلبهم و مهما قلت لكم كانوا عاملين معايا إيه في الحج ..مش هاقدر أوصف .. كانوا محاوطين عليا و كأني أنا اللي بنتهم ..ووو
    : و إيه؟
    : و كنا بتقابل الحاج أحياناً .. وقضينا عيد جميل في منى و حجنا و اعتمرنا و كان أحلى عيد
    و هو كان لوحده؟
    : لا، ما هو على طول ما أصحابه .. ربنا يسهله .. ما أصل روحه فيهم.. و بعدين هو ما قصرش .. دفع لنا كل المصاريف وكافة شيء .. بس أصله واخد على الوحدة .. و يظهر إحنا كمان أتعودنا عليها!!!’
    - يا الله مبروك يا حاجة .. حج مبرور وذنب مغفور إن شاء الله.. و عقبال ما تحجي السنة الجاية
    - هاهاهاها.. استحالة طبعا.. أستغفر الله .. كله بإذن الله.

    مامي:
    غريبة أعياد المغتربين .. مش كده؟ سبحان الله.. سبحان مغير الأحوال .. يااااااااااااه.. الموضوع و هو بيتحكي سهل.. لكن دي ناس فعلا عاشت هذه الأعياد و هذه الأيام و هذه الحياة في الغربة.. ناس حاولت تبحث عن الوطن في الغربة مع أي حد خارج الوطن .. في البحر، في البر، في الجو، في القاع.. في أي مكان خارج الوطن.. البعض وجد في المال وطن .. والبعض اغترب في وطنه بسبب الفقر.. و البعض لم يمكنه المال من استساغة التوطن في الغربة .. و البعض راض ..
    والبعض ساخط معتقداً أنه راض.. فبين من يرى أن لا احد ذاق من ذاقه و بين من لا يعترف بألم سوى إذا ذاقه.. و لكن تظل الحياة تطحن و تدور لينجو منها من رضا و يضيع فيها من آبى .. يحن بعضنا للوطن .. و يموت بعضنا هرباً من هذا الوطن على شواطئ العجم و هو يتغنى بقصيدة فاروق جويدة "َهذِي بـِلادٌ.. لمْ تـَعُــدْ كـَبـِلادِي":

    كـُلُّ الحِكـَايةِ أنَّهـَا ضَاقـَتْ بـِنـَا .. وَاسْتـَسْلـَمَتَ لِلـِّصِّ والقـَـوَّادِ
    قـَدْ كـَانَ آخِرَ مَا لمَحْتُ علـَى الـْمَـدَى .. وَالنبْضُ يخْبُو.. صُورَة ُالجـَــلادِ

    قـَدْ كـَانَ يضْحَـكُ وَالعِصَابَةُ حَوْلـَـهُ .. وَعَلى امْتِدَادِ النَّهْر يبْكِي الــوَادِي
    وَصَرَخْتُ.. وَالـْكَلِمَاتُ تهْرَبُ مِنْ فمِي .. هَذِي بـِلادٌ.. لمْ تـَعُــدْ كـَبـِلادِي


    و بحبك وحشتيني.. و بحبك و أنت نور عيني
    ده و أنت مطلعة عيني .. بحبك موت
    بعدت وكنت هعمل إيه ..من اختار غربته بإيديه ؟
    لكن حبك ده مانسيتهوش.. وعاش فيا
    ليه هتأسف على الغيبة.. مغبتيش لحظة وقريبة
    محدش عنده كده طيبه و حنية


    أعياد سعيدة علي أطيب وأغلى أم وعلى العائلة كلها وعلى مصر وربنا يخليك لي و يحفظك من كل سوء.. و يا رب تكونوا قضيتم في إسكندرية أيام جميلة في العيد .. ولو أن صعب تفرحوا و تعيدوا من دوني ..:)

    بنوتيك .. حبيبة قلبك
    داليا
    1-1-2008

0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية