رسائل من الدوحة

متغربين إحنا.. متغربين آه.. تجري السنين و إحنا .. جرح السنين.. آه.. لا حد قال عنا خبر يفرحنا و لا حد جاب منا كلمة تريحنا .. تريحنا

الاثنين، 1 ديسمبر 2008

الرسالة الأخيرة من رسائل الدوحة لعام 2008 " شهر... عسل "


عمر باشا :

كيفك يا أبو الشباب؟ .. وحشني يا معلم .. ألف مبروك على الحج .. على الله تكون إفتكرتنا في الدعاء ؟.. سبحان الله من 17 سنة خالو وليد كان بيحج.

أخباركم إيه ؟ و وليد الصغير عامل إيه؟ أخر صور وصلتني منك .. طلع شبه خالو وليد خالص.. طبعا سيادتك مستمتع بممارسة دور الأب على وليد الصغير؟
قبل ما أنسى .. شكراً على جوابك الأخير.. وصل في وقته.. الواحد كان داخل في دور إكتئاب.. لكن رسالتك هلكتني من الضحك..

ياه يا عم عمر .. أخيراً كارفور وصل للصعيد و فتح فروع في سوهاج و دريوط و إسنا و أسيوط و أسوان ..
فيها إيه لما إخوانا الصعايدة يفطروا باتيه و كرواسون و كورن فليكس؟!
و إيه يعني لما يتغدوا ناجيتس و تشيكن فيله و زينجر و فرانش فرايز ؟!
أعجوبة يا أخي لما الصعايدة يحلوا تشيز كيك و بولات باسكن روبنز و هاجن داز ..
يا عمي إحنا إخوانا البدو من " المري" صار لهم عشرين سنة بياكلوا "جانك فود" و بيشتروا " المكابيس" من الهيبر ماركت .. و عادي .. العجلة لا زالت تدور!

يا عم عمر سيبك و طمنني ..
أخبار ماميتو زيزي إيه.. طبعاً لسة مخبين عليها موضوع الوفاة ..
و خالو وليد .. عامل إيه؟
حاسس إنه لسة زعلان مني لأني ما دفنتش أمي في مصر..
أرجوك و بطريقتك الحلوة يا عمر.. إشرح لخالو إن الموضوع كان مكلف جدا ً.. نقل الجثمان كان هيكلفنا حاولي 120 ألف ريال.. و بعدين أحنا مقيمين هنا في الدوحة من27 سنة .. فصعب عليا أنقل رفات أبويا و أمي ..

تعرف:

أنا آخر مرة سافرت فيها البحرين أيام ما كنت مشترك في كورس .. حسيت بشعورصعب .. لأني سايب البلد اللي فيها تراب أهلي ..
على فكرة كل فترة بأخد البنات و نروح نزورهم .. هي مدافن أبو هامور هنا مختلفة عن مصر شويتين .. لحد .. مش مقابر..
لكن احنا معلمين مقبرة بابيتو بعلبة كينز سفن أب .. أما ماميتو فمعلمينها بعلبة كولا لايت..
وصل إعتذاري لماميتو زيزي .. و لخالو وليد و لمامي إيمان و لعاليا القمر لعدم تمكننا من حضور فرحها .. سامحونا .. و الله غصب عنا .. لأن الواحد في حيص بيص و مشغول جداً.


شمس و قمرين

من شهر يا عمر، واحد صاحبي جابلي عقد عمل في صنعاء بمرتب معقول .. لكن ترددت .. أصل صعب أعيش بعيد عن إخواتي خصوصاً إنهم لسة ما اتجوزوش ..
دانة كل شوية بتماطل .. أخر واحد تقدم لها كان دكتور تخدير مصري بيشتغل في السودان..
عارف .. دانة اللي ماميتو – زمان- كانت بتشتكي من صوتها الرقيق و بتشبهه بممثلة قديمة إسمها ماجدة الصباحي .. إنسى يا عمر .. لقيتلك يا أخويا البنت تخنت لي صوتها و شختط فيا شخطة .. أجارك الله ..
و التانية اللي كنا زمان بنسميها " ب ب كرمة " اللي أمي كانت تغني لها :

تبكي و تضحك لا حزنا و لا فرح .. كعاشق خط في الهوى سطراً و محا
" العباس بن الأحنف"


خلاص الهانم كبرت و راسها نشفت عن أختها .. و تحولت لقبضايا و تقول لي
: روح يا شيخ .. جوز نفسك أنت الأول و مالك دعوة بنا..

مجتمع أنثوي شرس صحيح .. الله يرحم العصر الذكوري لجدودي!

بصراحة، بعدها صالحوني .. و قعدوا يغنولي أغنية كانت أمي تغنيها لنا و هي بتمرجحنا زمان في حديقة البدع:

شمس و قمرين .. سموا و صلوا
يا رموش العين .. سموا و صلوا
شمس و قمرين .. شمس و قمرين
شمس و قمرين .. سموا و صلوا

لكن مع ذلك كل لما اقترح عليهم ننزل مصر .. يماطلوني يا عمر ..
: بنحس إن إحنا ضيوف في مصر.
صحيح يا عمر:
من لسة عايش من أهلنا؟
و من لسة فاكرنا من اللي عايشين؟
لسة لنا أقارب في المنصورة و إسكندرية و أسوان ؟
مين نقدر ندخل بيته بدون ما نشعر إننا ضيوف تقال أو خفاف؟
على فكرة يا عمر:

أنا قابلت دكتورعمر أحمد الموجي .. هو بيعمل قنصل في سفارة مصر في قطر .. و شفت عمه أنكل مصطفى – بن تيتة فتينة - كان بيزوره من شهر .. قال لي انه رجع من الجزائر من سنتين .. لكن كبر جدا.. ربنا يعطيه الصحة..

Sans Famille

يا أخي كل حاجة اتكركبت مرة واحدة فوق دماغنا..
رحيل أبويا و أمي في سنة واحدة .. و فجأة، الواحد أصبح مسئول عن بيت و أسرة و البنات .. و دول حكاية لوحدهم ..
يا أخي ده اتضح إن فتح البيت طلع هم ما يتلم .. مع إن أبويا و أمي كانوا مرتبين كل حاجة..
نتصل بمن في أي حالة طارئة .. و كيفية سحب الفلوس و الأوراق الخاصة بالبيت و دفتر للإيصالات و ملفات خاصة بعقود وشهادات و ورق كتير.

ياااااااه .. الواحد كان زمان تمبل كبير يا بن الخال :)..
أبويا وأمي كانوا يصحوني و يغسلوا لي وشي .. بعدها يلبسوني اليونيفورم – نظيف و مكوي - و يوصلوني المدرسة - العب شوية .. أذاكر شوية .. أصاحب شوية .. و أتخانق كتير - و يرجعوا تاني يجبوني من المدرسة..

عن نفسي كنت أفضل العودة للبيت .. جري على المطبخ .. لأستمتع بصوت الخليج من مذياع مطبخنا كخلفية موسيقية لبيتنا .. و كنت أحب رؤية منظر البخار المتصاعد من طنجرة بها ماء مغلي لزوم سلق المكرونة أو الفروج .. و يا سلام لو أمي كانت طابخة ملوخية .. أشمها من الدور الأرضي ........ ياااااااااااه..
و أه لو أبويا بيشوي سمك!

يا أخي الوضع تغير كلياً .. الواحد حاسس إنه..
Sans famille

زمان يا عمر كنت أعيش دون حساب للزمن .. اليوم أعرف أن الحياة تبرينا لتقصف عمرنا كما قصفت أعمار أهالينا ..
بصراحة.. عندي حنين كبير لذكريات طفولتي.

يا سنين اللي راح ترجعيلي .. ارجعيلي شي مرة ارجعيلي
و انسيني عأبواب الطفولي .. تأركض بشمس الطرقات

فقط الآن بدأت أعيد ترتيب حياتي..
القراءة كانت لا وجود لها في يومي سوى عبر الإنترنت .. حتى كتابات أمي و رسائلها، لم أكن أطلع عليها رغم إنها كانت منشورة..
فقط من أسبوع .. جلست وحدي بينما البنات في الجامعة .. فتحت اللاب توب الخاص بماميتو .. و إنغمست في قراءة مدونتها

" رسائل من الدوحة "

http://lettersfromdoha.blogspot.com/

ياه يا عمر .. رسائل لجدتنا ماميتو زيزي .. رسائل لجدنا باب جدو محمود و بابا جدو ختيار ختيار و خالو وليد ومامي إيمان .. و رسائل لصديقاتها في مصر .. " أنتي ماجدة " و" أنتي عبير" و رسائل لجارتنا " أنتي نها " قبل ما نعزل .. حتى مربيتها دادة فتحية .. راسلتها.
أقرأ و أضحك .. أقرأ و أبكي .. أضحك و أبكي .. أتامل و أفكر و أستوحش و أفتقد .. و أحمد ربنا إنه كان لنا أسرة و أصدقاء و عائلة!

آخر رسالة كتبتها كانت لتيتة فتينة في نوفمبر 2008 من الدوحة..

شوف عمتك كانت كتبت لها إيه يا عمر:

" بنات العبادنة "

حبيبتي تيتة فتينة :

سلامة حضرتك ألف سلامة .. مامي قلقتني عليك جداً.. ربنا يشفيكي شفاء تاماً لا سقم بعده.
الحقيقة، الموبايل إتكسر - كلاكيت دانة ثالث مرة - و طبعاً كان فيه كل النمر.. ومامي نسيت ترسل لي نمرة حضرتك رغم إني طلبتها أكثر من مرة – أعذريها لأنها فتحت حضانة جديدة في المعادي و مشغولة جداً جداً-

المهم.. كيفك يا قمر؟ يا فاتنة فاتنات المنصورة يا أحلى تيتة فتينة في الدنيا..
أه يا معقدانا أنت و أخواتك البنات اللي أحلى من بعض .. أعتقد إن أي حد كان بيشوفكم من بعيد.. كا يقول إن " بنات العبادنة " واخدين 80 % من ال24 قيراط الخاص بهن جمال.. ما شاء الله!
لكن في جدة تبقى أجمل من حفيدتها ؟!
عرفتي ليه بأتهرب من الظهور معاكي في المجتمعات!
لن أنسى يا تيتة أول مرة زرناكي لما عزلتي من الدقي لمصر الجديدة .. فبنسأل البواب عن شقة حرم المستشار الموجي .. يقوم الراجل يقول
: أه تقصدوا الست الجميلة.. البياض بحَمَار بنمش .. دي سكنت في الدور الرابع؟
كان نفسي أعمل هايليت نفس لون شعرك الماستيك..
الواحد يفهم إن الناس يكبروا شعرهم يشيب .. لكن حضرتك.. شعرك الياقوت قلب على لون ماستيك تحفة .. يا الله حظوظ .
عموما مش حقد و لا حسد و لا نفسنة .. الرك على الروح ..
و اللي يفرس إن - حتى - روحك أحلى .

طب يرضيكي كل لما أحاول أقنع ياسر أني شبهك .. يقوم يقوللي
: داليا .. بصي ماتضطرنيش أكسفك! على فكرة بيسلم على حضرتك جداً.

وحشاني يا تيتة .. ومفتقدة القعدة الحلوة مع حضرتك و مع الأناكل كلهم.. سلامي لهم جميعا ً.. أنا ذهلت لما عرفت خبر سفر أنكل مصطفى للعمل بالجزائر.. و كمان سمعت إن عمر بن أنكل أحمد سافر لندن لإستكمال الدكتوراه .. هو المصريين كتب عليهم الشتات في الأرض و لا إيه؟

تيتة فتينة:

كل حاجة في حضرتك وحشاني ..
طريقة كلامك المميزة بمفردات إنتهى عصر تداولها
ضحكتك الأنثوية الحيية
أكلك.. عدسك.. مكرونتك .. رزك المعمر .. محاشيكي.. كشكك.. رقاقك و كل طبيخك المفتخر و أي حاجة بتحطي إيدك فيها .. خصوصاً الحمام المحشي بالفريك.


على فكرة .. أول ما حضرتك أعلنت إعتزال الطبخ و تسليمك مفاتيح المطبخ لعبد الله السفرجي .. مامي الله يسامحها و يسامحك إعتزلت الطبخ هي كمان ..
و تشوفيها و هي "بتجنك فوود" من أي كافيه كفتاة مراهقة تستلذ بأي برجر أو كشري و لو من زيزو المش نضيف.. تقولي عليه العوض و منه العوض!

حاجة غريبة جداً .. مع إن أكلها روعة .. و كان عليها حتة دين بيتزا.. ما تلاقيهاش غير في نابولي .. لكن خلاص .. بنت أختك أنهت هذه الحقبة من حياتها غير آسفة ..

الحقيقة، مامي يا تيتة قد إستنسخت نفسها منك .. فما دامت خالتها إعتزلت الطبخ .. فلازم هي كمان تتبع خطاها.
طب تصدقي بإيه؟ الست .. بنت أختك .. جمعت لي كل كتب الطبخ اللي كانت عندها من أبلة نظيرة لكتب أجنبية .. و لمت الأطقم الفيزون و الصيني البافاري و السكينة الكهربا و كله .. كله.. و سلمت لي العهدة .. و كأنها بتورثني التركة .. و شدي حيلك و ورينا شطارتك.. و القلب داعيلك..
إيه المقلب الي أنتم عاملينه فيا ده؟

عارفة :
حضرتك كنت من أكثر الناس اللي أثروا في حياة بابي و مامي ..
ياما إتصالحوا بسببك .. و يا ما إختلفوا بسببك .. و هاتك يا غيظ في بعض..
بابي : صدقيني يا زيزي .. تانت فتينة بتحبك جدا ً.. أه أمال .. لكن تأكدي إنها بتحبني أكتر بكتير .. يعني مكانتي عندها بعد أحمد إبنها على طول .
مامي : طبعا تانت بتحبك أكتر عشان انت بن تانت زينب .. أختها الكبيرة .. لكن أنا بنت أختها الصغيرة !

و حضرتك يا تيتة تبصلهم هما الإتنين بذهول شديد و تقوليلهم:
" إيه يا اخواتي لعب العيال بتاعكم ده.. إنتم هتتشاكلم مع بعض ذي الأطفال. . خليتم إيه لأولادكم ؟!"

" إن عشنا و كان لنا عمر "

للأسف - يا تيتة – لم أنزل أجازة مصر هذا العام .. كان نفسي أشوفك و أبوسك و أدردش مع حضرتك يا سكرة .. لكن إن شاء الله ملحوقة السنة اللي جاية " إن عشنا و كان لنا عمر".

على فكرة، هذه الجملة تعتبر من درر القواميس الشعبية .. أنا كنت دائما أسمع حضرتك تقولي : " إن عشنا و كان لنا عمر " و كنت أتعجب من تفسير الماء بالماء .. و ظللت أبحث عن الفرق في المعنى .. إلى أن هداني الله لمعرفة أخبار ناس كان لهم عمر و لكن لم تتح لهم فرصة العيش.
شارون ما زال له عمر إكلينيكي .. لكن مش عايش .. الحمد لله !

يآه يا تيتة:
عاملة إيه في الدنيا دي من غيري؟
على فكرة أنا لاحظت أني كلما راسلت أحد .. أساله نفس السؤال .. ربما فاتحة كلام .. أو لعلني كنت لا أتصور الحياة بدون من كنت و كانوا يمثلون لي معنى كبير في الحياة.

حياة إفتراضية

تصدقيني يا تيتة لو أخبرتك أني عايشة معكم حياة إفتراضية؟
تفكيري في بلدي و أهلى و في حضرتك على وجه الخصوص لا ينتهي ..
أتذكر مواقف حياتية شكلت أجمل أيام حياتي..

سكاكر الذكريات
أتذكرك عندما جئتي لتهنئتي في المستشفي يوم ولادتي لمحمود ..
أتذكر إفاقتي من البنج على وجه أرجواني ملائكي - لا تقولي لي أسمهان ولا سولاف فواخرجي - و كانت عليك جاكت موف باستيل و تنورة شانيل كلاسيك .. و طبعاً القالب غالب ..

و رغم إني كنت تحت تأثير المخدر.. لكن أذكر إني أفقت على مشهد .. ضبطك فيه بتعطي " بقشيش" للممرضة.
: كل سنة و حضرتك طيبة يا تيتة .. سلامة الشوف .. أنا اللي فاتحة بطني .. أنا اللي خلفت بعد ست سنين!
و حضرتك – إتنيتي- من الضحك .. و قمتي مسلماني مظروف ثقيل ..
إيمان أختي و زوجة أخي وليد تقول لي
: قمتي يا داليا حضنتي الظرف بقوة و قلتيلها
: تمام كده .. يا مامي حطي صندوق جنبي .. و اللي يدخل من غير ظرف .. ما تعزميش عليه بكابوتشينو ..
ثم غبت عن الوعي في ثبات عميق!
* ربنا يسامحه دكتور التخدير .. فأنا أحمله مسئولية تحريضي على التلفظ بأقوال – أبداً - ليست من سمات شخصيتي .. إذ جعلني أبدو كمن تلهث خلف المادة.. حاشا و كلا !
ما أجملها سكاكر الذكريات .. كم تحلي حياتي !

رجعت الشتوية
تيتة :
أكتأأب لك من مقهي في النادي الدبلوماسي بالدوحة إسمه " لاونج ميمبر" يذيع أغنية فيروز " رجعت الشتوية ".

أكتب لأشاركك أحداث جديدة أعلم أنها ستشكل ذكرياتي و ذكريات أبنائي المستقبلية.. فنوفمبر الجاري أحببته كما أحببت كل نوفمبرات حياتي ..
فلطالما حمل لي تشرين الثاني النبأ السار الذي أنتظره من العام للعام .. و هو نبأ "رجعت الشتوية "

يا دنيا شتي مصاري
شتي علينا فلوس و مطر


فكما تعلمين يا تيتة .. فأنا كوالدي .. فتاة شتوية .. تشرينية المزاج .. ديسمبرية الروح .. و ينارية الأمل في عودة غيث " شباط " من جديد لمحو كل إبتلاءات الصيف الحارة من حزيران و تموز .. و حتى أيلول ..


كم أحب " التشارين " و كم أعشق " الكوانين" يا تيتة ..
الحقيقة فإن تشرين لم يخذلني سوى مرة واحدة و لكنها كانت قاسمة..
أما باقي التشارين فقد جملت حياتي .. فعشق الكوانين الثاني منه، أراده الله أن يحمل ذكري يوم زفافي، كما حمل ذكرى وصولنا لآسيا منذ سنوات ما يعني .. بدء عامنا الثامن في غربتنا بقطر..
الحقيقة الموضوع لم يعد غربة بالمعنى الثلجي للكلمة.

فقد تحولت غربتنا شيئا فشيئا لتصبح برداً و سلاما لا ثلجاً و جليداً علينا ..
فقد إعتدنا الإقامة في قطر .. كما ألفنا قضاء الأيام و المواسم و الأعياد بل و العمر فيها..

أعتقد أن الشعور الجليدي يمطرنا – فقط - عند سماع أخبار مرض أو وفاة أصفياؤنا في الوطن .. كما أنه يحدث أحيناً نزول النوة علينا فيما يشكل تهديد لنا في العمل و ما يتبعه من مشاكل تحويل الكفالة و غيرها من مشاكل النوة الصعبة.

لكن بشكل عام .. فأولادي يا تيتة عاشوا قطرالوطن .. و قد مضت الحياة بهم متوهمين أنهم – فيها - مواطنين لا مغتربين ..
و نحن هنا نحاول أن نتعايش و نسعد بالتمتع بما هو موجود و أن نهجر التفكير في المفقود .. و إن كان .. الوطن العالق في كروموزوماتنا..

وطن زلت عنه أقدامنا و لم تزل عنه أقدارنا
وطن يعيش فينا و لا نعيش .. فيه كما قال الأنبا شنودة..
وطن تبرع بنا و لا زلنا نلعق طميه
وطن نتذكر طعم ثماره و لا نملك قطفها
مساء.. مساء .. بلاد العالم كلها مساء و وطني وحده هو صباح حياتنا.

يخيل لي يا تيتة أني لمست هذا المعنى بعد قرائتي لهذا البيت للشاعر
" هنري ميشو "
أمسيات .. أمسيات .. كم من أمسيات لصباح واحد"
Soirs soirs soirs, que de soirs pour un seul matin


لكن أولادي يا تيتة لم يعيشوا هذا الوطن و لم يعش فيهم .. لم يألفوا الدخول لبيوت الأهل - اللهم إلا في الزيارات السنوية - و لم يعتادوا على بيوت أقارب و أصحاب يستطيعون فيها خلع أحذيتهم و وضع صاق تحت أخرى .. أو الدخول لمطبخ الجيران و تذوق الأرز من الطنجرة أو لحس عجينة الكعك قبل خبزها .. أو التمدد على " كنبة " في غرفة معيشة أحد الأقارب بعد تناول الغداء و تغير محطات الديش .. فالأهل بالنسبة لأبناء المغتربين ترادف كلمة ضيوف.

من أسبوع - يا تيتة - قرأت كتاب " أرز بلبن لشخصين " لرحاب بسام ..
تصدقيني لو قلت لحضرتك إنها أفردت صفحتين شكر للأصدقاء في خاتمة كتابها..
كم غبطها لكم هذه الصداقات و نوعيتها..

كم أتمنى يا تيتة إقتناء مجموعة من الأصدقاء بكمية و كيفية رحاب بسام .. لكن على أن لا أنقص من نعمي شيء .. و إلا فإني أفضل أن يبقى الوضع على ما هو عليه.
ما شاء الله لا قوة إلا بالله .. الله أكبر .. ربنا يديمها عليها نعمة و يحفظها من الزوال..
آمل أن يصادقني أبنائي بعد حين!

Yuppi

أما يا تيتة عندي لك حتة دين خبر:

فقد إضطر ياسر للسفر وحده هذا العام للوطن .. لأننا نقلنا لبيت جديد في مصر .. فإضطررت للبقاء في الدوحة مع الأولاد لظروف مدرسة محمود .. كما أن السفر بثلاث أبناء و ترتيب خمس حقائب و شيل و حط و مرواح ومجي ..
بصراحة إرهاق شديد .. خاصة أن إبنتي " ب ب كرمة " لازالت ترضع رضاعة كاملة .. فلا وقت للسفر .. لأن الموضوع سيتحول لهدة كبيرة لأجازة لا تتعدى الشهر.

بصراحة، في البداية كان لدي شعور قلق المغامر .. فتجربة بقائي مع الأولاد وحدنا لمدة شهر دون ياسر .. أقرب للمغامرة .. حاجة كدة أشبه

" بهوم ألون "
Home Alone


و لكنها بالنسبة لياسر كانت قلق مضروب في توتر وهلع .. رغم محاولتي طمأنته و إقناعه بوضع " واتر ميلون صيفي" في بطنه.
لكن عن نفسي .. لا أنكر تطلعي للوضع .. فقد تحضرت لمواجهة هذه التجربة رافعة شعار!

Viva La Viva La Viva La Viva La Libertee

و للأسف فقد تسرب مني هذا الشعور و نقل لياسر .. فإتهمني بأنه سمع مني
Yuppi

: لا يا ياسر.. أنا ما قلتش
Yuppi


:لا أنأ سمعتك قلتي
Yuppi

: أرجوك يا ياسر ما تقولنيش كلام ما قلتهوش
: طيب يا داليا هاعديها و لو إني ملاحظ إنك مشبرة إزازتين سفن من أسبوع !
: عيب الكلام ده يا ياسر .. على طول كده ظالمني .. ربنا يسامحك.

و لكن دعيني أخبرك بقليل مما حدث في هذا الشهر.. عسل!

بمجرد عودتي من إيداع ياسر المطار سألت الأولاد تحبوا تأكلوا فين؟
محمود: موفمبيييييييييييييييييك
دودي: بيك بييييييييك
حظ المبتدئ

طبعاً كان إستحالة أحرمهم من أي حاجة كي لا يشعرا بأي حرمان أثناء غياب والدهم ..
بعدها عدنا للبيت و فور وصولنا .. دودي ألقت بالجوال .. دشدشته
أول القصيدة لم تكن تحمل عنوان " حظ المبتدئ "..
لكم كنت أتطلع أن تكون البدايات أفضل من ذلك تماماً كحظ المبتدئ..
ما علينا..
طبعا خفت من قلق زوجي لأنه حتماً سيتصل للإطمئنان علينا .. فنزلت جرى على "المول".. لم يكن هناك محل فاتح سوى" الميجا ماركت" ..
قلت للبائع : أعطيني أرخص موبايل عندك؟
فباع لي نوكيا أولد فاشون موديل 2600 ب 300 ريال
لاحقاً عرفت من ياسر إنه بيباع في " كارفور" ب250 فقط
بائع ذكوري متعفن صحيح .. أحرجني أمام زوجي !

المهم و لأني إتلبخت بالأولاد .. فإستغفلني هذا الذكوري مرة أخرى بحجب الفاتورة عني على أهميتها لوجود الضمان مسجل عليها.
كدت أقتنع بفكرة المصطلح الذكوري الذي يملأ فضائياتنا و وسائل إعلامنا ليل نهار.
المهم عدنا للبيت .. ياسر إتصل و إطمئن و كله تمام .. و رغم عدم رغبتي في إزعاجه بموضوع الجوال .. لكن خشيت من

:" ليه ما قلتليش؟"
فأدليت بأقوالي كاملةً :
: ليه يا داليا تشتري موبايل اولد فاشين كده؟
: بصراحة، خايفة الفلوس تخلص مني بسرعة و نحنا لسة أول يوم .. و بعدين مش هشتري موبايل بفلوس البيت!
: لا أنا كده زعلان .. أرجوكي روحي بدلي الموبايل و جيبي واحد محترم
: ما الإحترام له ثمنه يا ياسر ..
: هتلاقي فلوس في الدولاب.. خديها !
: بينا موبايلات يا ديبوس .. ما تقطعش .. إنجوي إيجبت.. هاف فان .. نايتي نايتي ..

طبعا – يا تيتة - ً كنت " عاموووت " عايزة أنهي المكالمة .. خوفا من تراجعه في كلامه أو خشية أن ينهي المكالمة ب
" كنت بأهزر".. أو " إنت فهمتيني غلط " ..
لكن يا تيتة مسكت نفسي لا يبان علي و لميت الدور .. لأن كان فاضل على الحلو دقة .. و أنهيت المكالمة على الهادي و كأني بأسوي أرز مصري مفلفل أو ضلما عراقي بالرياش.. و بعد ما إستوى الأرز .. جريت لأحتضن دولاب زوجي الغالي بعد أن أطلقتها مدوية:

Yuppiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiii
iiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiii
وسمعت في داخلي "منير" يشدو:

" ربك لما يريد .. أحلامنا حتتحقق .. و الغايب هيعود "

كم أحببت هذا التشرين يا يتيتة .. فهو يشبه زوجي

تشرين .. شو بيشبهك أنتِ
تشرين غدار .. و ع غفلة بيشتي
بيشتي .. مصاري


كل اللي أقدر أصارحك به يا تيتة إنه من منطلق إنكار الذات .. قررت عدم شراء موبايل غال الثمن .. نبطل فشخرة كدابة..
تيتة – تيتة - تيتة .. شفت أنا حلوة إزاي؟

المهم .. أخدتلك الأولاد تاني يوم و نزلنا إشترينا :

" دي في دي سوني" .. و إشتركت في " أوربت "
كما إبتعت " فوود بوسيسر تيفال" كان نفسي أشتريها من زمان .. أو بالأصح كان نفسي ياسر يهديها لي .
و إنتقيت أربع ديفيديهات أيروبكس ل" تامي لي" و تبعتهم بلوازمهم من
" دامبل " و " ماب " ألعب عليها .. و ملابس رياضية من " أديدس"
- كان عامل سيل-

و بالطبع لم أنس الأولاد، فلبيت طلبهم بشراء سديهات كارتون و مايوهات .. كما و لم أنس حظي من الدنيا، فإخترت شريط عزف على العود بكل المقامات.
و غيرت طقم الحلل الستانلس .. و إشتريت " سي دي" لانريكو ماسياس" و بارفاناية " فلاور بومب " لفيكتور اند رولف و كتاب " ذو سيركت " أو السر من مكتبة جرير..

طبعاً كان نفسي أشتري تكييف للمطبخ و بلاك أوت للستائر.. لكن حسبت حسبتي .. فوجدت أن الميزانية ستعترض، خاصة إني كنت وعدت الأولاد أننا سنقضي أول يوم العيد في الماريوت .. و قد أوفيت.

المهم إتشبرأنا وعدنا للبيت .. مع وابل من قبلات أبنائي .. و كنا كلنا طايرين من الفرح.
بصراحة و لإراحة ضميري الحي و لعدم تأجيل يوم الحساب .. أرسلت لياسر مكتوب إلكتروني مفصل بطبيعة المشتريات و أسعارها .. فأسرها ياسر في نفسه..

كتبنا و ما كتبنا
و يا خسارة ما كتبنا
كتبنا شي 100 مكتوب
لهلا .. ما جاوبنا !


تيتة - تيتة- تيتة .. شفت أنا حلوة إذاي؟
بالك يا تيتة .. لو سفريتين تلاتة من دول .. الواحد يفور الشقة ويحقق أحلامه .

القتل الرحيم

كان يومي - يا تيتة - يبدأ في الخامسة و النصف صباحاً .. أتوضأ و أصلي و أكوي يونيفورم محمود .. ثم أحضر الإفطار و السندويتشات و العصير.. ثم حمام الصباح، فتصحو " دودي" و تصمم على مصاحبتنا .. فأضطر لإعادة المشهد مضاف له بعض المعاكسات من محمود بسبب عكننة المزاج صباحاً.
طبيعة المعاكسات - يا تيتة - تختلف من يوم ليوم .. فبين رمي البنس و فرط الدبابيس على الأرض أو سحب كل أوراق المحارم من علبة الكلينكس و لمي يا ماميتو.
و بين قلع اليونيفورم و لبسيني تاني يا مايتو .. و بين
: " هاه.. هاه.. أنا قلت مش عايز سندويتش لبنة .. أنا قلت " كوكوبوبس"
و بين رمي كوب الحليب على الأرض و
: " أنا قلت عايز عصير شوكولا .. هو الكلام مش بيتسمع ؟ "
أو غيره من المعاكسات اليومية التي لا ينتهي محمود من إختراعها.

ثم ننزل لتحضير السيارة و طبعا يصمم محمود على القبض على المفتاح لفتح الكونتاكت و تسخين السيارة بنفسه ..
نفتح إذاعة "صوت الريان" على أثير " أف أم " 102 ميجا هيرتز .. لأنها تخصص ثلاث ساعات يومياً لأغاني لفيروز من السادسة و حتى التاسعة صباحاً ..
معاكسات السيارة أنقح .. فمحمود من هواة سحب خيوط شرائط الكاسيت للعب بها .. كما أنه أصبح قادراً على التحرر من أصفاده – حزام الأمان - ثم يقفز للمقعد الأمامي و مرة واحدة و أنا ماشية على الرابع .. يغلق الكونتاكت .. ثم يشد فرامل اليد و يفتح باب السيارة ..
أحياناً يتقمص محمود دور أنور وجدي في إحدى مشاجراته عندما يهز شعره .. لكن محمود يعطيكي الإنطباع أننا نجري الشريط .
هنا أتذكر مقولة شعبية هابطة : " جاتها نيلة اللي عايزة خلف"

أوصل محمود للمدرسة و أعود بدانتي للبيت و في الطريق تصمم على شراء أيس كريم من عند عم موسى البقال الهندي المقيم في قطر منذ ثلاث عقود..
بعد وصولنا، أبدأ في تحضير الإفطار لدودي .. سواء رقائق السيريال بالحليب أو سندويتش لبنة مع خيار أو بليلة مع عصير برتقال طبيعي .. ثم تطلب فزدق أو
" دودوء" كما تنطقها لتأكله و هي تشاهد " سبيس تون"
بعدها، أتفرغ ل "ب ب كرمة".. أرضعها .. ثم أرفهها بحمام ساخن لتنام مليكتي لمدة لا تقل عن ثلاث ساعات.

أزاحم الوقت لأفسح لنفسي أي ساعة أو هنيهة لأمارس الرياضة أو لأقرأ .. أو لأفتح اللاب توب و أكتب قليلا لأجد الوقت قد إنتصر..
أصلي الظهر و أحمل دودي فننطلق لإحضار محمود و نحن نسمع حسين الجسمي .. كاظم .. أصالة أو عزف منفرد على العود..

نذهب لشراء الطلبات من "اللولو" أو "كارفور" و في الطريق نتناول عصائر .. ثم نعود فنحمل المشتريات و نرصصها في أماكنها..
ثم أقوم مرة أخرى بإرضاع " ب ب كرمة " و أتوضأ و أصلي العصر
ثم أشغل الغسالة و توابعها من نشر و تطبيق و رص الملابس و توضيب الخزانة بينما يساعدني محمود ..
بعدها أنشغل بتحضير الغداء و الذي أستمتع به لأن محمود يصمم على مساعدتي بوضع الملح أو اللحم في الإناء ..
فيعنيني أنه يعشق مرافقتي في المطبخ .. عكس والده الذي يعشق الإنفراد .. بأي شيء !
بعدها غسيل الإيدي والأسنان ثم صلاة المغرب و الحمام الليلي للأولاد و رضاعة " ب ب كرمة ".. ثم حزورة و حكاية ما قبل النوم و بعض الأذكار.

ينامون جميعاً، فسكوووووون .. فأعود لنفسي و للكتابة ليلاً لمدة ثلاث ساعات بينما أشاهد برنامج " القاهرة اليوم " لعمرو أديب " ثم أصلي العشاء و أنااام كالمقتولة قتلاً .. رحيماً.

توم & جيري

طبعاً يا تيتة هناك عشرات التفاصيل عصية الذكر في يومي مع الأولاد .. لكن الحقيقة هذه التفاصيل ممتعة رغم عنتها.
على أية حال ، فإن شعور الحرية قد دفعني لعمل بعض التعديلات في البيت لترتيب عملي بطريقة تسهل على تنظيم نفسي و تقليل الإجهاد.

فمددت كابل الانترنت من غرفة المعيشة لغرفة النوم ..
و قمت بعمل غسلة و بعد إنتهاء الغسلة تركت الخرطوم في مكانه..
ونقلت سلة ملابس الغسيل الي المطبخ بجانب الغسالة ..
ووضعت الراديو في المطبخ .
كما نقلت سرير الأولاد " الباسكت المتحرك" من غرفتهم الي غرفتي ما يساعدني على وضعهم فيه خاصة في أوقات " الراش اور" إذا زاد الصراخ و الهياج .
و فتحت شبابيك الحمام والمطبخ لطرد الروائح الكريهة ..
و وضعت المصلية بجانب ملابس الصلاة كما أخرجت سلة القمامة من دولابها لأن له سوابق في الكسر..
كذلك، إشتريت أكياس للقمامة لها حاملات طويلة بحيث تجر و لا تحمل.

أشياء بسيطة تريحني و لكني لم أتمكن من القيام بها إلا في هذا الشهر.. عسل.
عيشة يا تيتة .. عيشة!

أفتح التلفزيون وقت ما أحب .. أعلى الصوت كما أحب .. و الريموت يا تيتة.. الريموت..
الريموتات كلها في قبضة معصمي .. لا يفارقوني طوال الليل..

إن نامت الدنيا صاحي .. مع ريموتي
ريموتي في إيديا .. و ليل نهار صاحي

كما و إذ أبرطع في الشقة يا تيتة بدون حظر تجوال حتى لو الأرض ممسوحة.
أتهادي في " الليديز رووم " بدون قرع على الباب .. أعطف علي غرفة الأولاد .. ثم أتجول في الممر بخطوات شبيهة بمن يقومون بعمل العرض العسكري أمام قصر باكينجهام .. دون أن ينظر لي أحد و كأني خريجة
" العباسية "
أعرج على غرفة المعيشة دون إستجوابات
: كنت بتعملي إيه عندك؟
أشغل الغسالة – على أي درجة - بكل ثقة بدون ما أفاتح ياسر في الموضوع ..
أقتحم المطبخ في اي وقت و أعمل ما بدا لي بدون:
" احنا ما بنحطش غير طيقة واحدة من الفويل على البوتجاز .. لو سمحت إختفي من المطبخ "

عارفة يا تيتة في ليلة أكلت فيها فسيخ الساعة الثانية صباحا ً:) !

و الثلاجة يا تيتة .. الثلاجة.. بأعمل عليها تمارين فتح و غلق لذراعي وقت ما أحب ..
و أطبخ أي طبخة تطلع في دماغي في أي وقت من غير هندسة و إمارة..

أصل ياسر لا يؤمن أن الزوجة ملكة في بيتها .. نظراً لزوال عهد الملكية البائد .. و لأننا الآن نعيش عصر الجمهورية بالوراثة بكل سلوكياته .. فهو يرفض كلياً مبدأ تعين نائب له في البيت ..
على أية حال يا تيتة أنا مقدمة له طلب كي يستأمني على السياسات .. لكن حتى الآن لم يبت في طلبي .. لكن الحق يقال فهو يمنحني الحق في التصرف في خزانتي بكامل حريتي.
سوفتي الديمؤراطية يا تاتو؟

لا و لا الترولي يا تيتة.. التروللي..
شوفي يا ستي .. كنت أدخل كارفور، و الترولي في قبضتي أنا .. أضع أنا فيه ما أشاء - لا أحد يجرؤ على التعرض لما أضعه –
أختار أنا برسيل .. أومو .. إيريال .. اللي على مزاجي .. كما أقوم بنفسي بمنح البقشيش للعامل الذي يرافقني بالمشتريات حتى السيارة.

و لا الجبن يا تاتو .. و حضرتك عارفاني أعزها موت .. تفحشت في الجبن يا تيتة.. ما خليتش نوع جبنة ما اشترتوش - طبعا بابالغ-
لكن أقصد أقول اني كانت لي صلاحيات أختيار أي نوع جبنة أحبها..
يعني روكفور " مونت كريستو" و إشتريت ..
جبن ماعز فرنسي وعبيت في التروللي – رغم انها كانت كالخمر من المحرمات في عهد ياسر-
و الباراميتشجان .. إشتريتها مبشورة - هو أنا فاضية أبشر-
و موزاريلا "بريزيدون".. أهو .. يمكن الأولاد يحبوا يأكلوا بيتزا
و أقطع لي ربع ماسدم فريكو لو سمحت ..
و قلت أجرب الجبنة المضفرة و الحلوم .. همم.. الأولى طلعت حادقة و الأخيرة مجلدة!
و تمن جريار و زيها إيمنتال و ربع عكاوي و ربع جوديش .. ما طبعا يا تيتة .. "جيري" لما يعيش من غير " توم" .. لازم بأكل جبن بالعبيط !

و لا أنكر إني كنت أشعر بمسؤلية مضاعفة .. و ربما إرهاق جسدي أكبر خاصة عندما كنت أحمل سلة المهملات إلى الحاوية أمام البيت .. أو عند جرجرة حاوية المياة الكبيرة - 14 لتر - حتى المصعد .. إلا أنني أقدر أقولك أن الموضوع كان

Double Effort ..Triple Satisfaction


" استلابواليزيشن بروساس"


لكن والله إشتقنا له .. خاصة بعد أيام من سفره..
لكن الا توافقيني يا تيتة أن قليل من الفراق .. كالتبرع بالقليل من الدم .. ينقيه و ينشط الدورة الحياتية .. أما الكثير من الفراق كالنزيف يميت الإنسان و العلاقة !
و أنا عن نفسي لم أسع للكثير من الفراق خصوصا مع إنسان كزوجي يا تيتة .. فهو إنسان أكثر منه أي شئ أخر.. لكن لا بأس من .. شوية فاسحة .. حبة هوا..

فعلاً كنت أتطلع لعودته .. لكن لا بأس من معايشة التجربة لفترة قليلة .. كما أن زوجي حتما سيرتاح من عبئ الأولاد و من الروتين اليومي .. فيعود – إن شاء الله - بنفسية أكثر إنتعاشا.
ً

تعا ولا تيجي
وأكذب علي .. الكذبة مش خطية
اوعدني إنه راح تيجي .. و تعا
و لا تيجي
تعا

لكن ما فيش أسبوع و فعلا بدأنا نشتاق له:
إشتقتنا.. لنكاته .. لمصطلحاته الأعجوبة
" الله يرحم .. مات و هو بيقول جبنة "
" قول للهوا يهزو"
" قول للهوا يلزو"
" استلابواليزيشن بروساس"
" استلبواس من النوع...."
" ده بيستكنيص"
" ده عنده الموستاكا "
" على أد الشوق الرمضاني .. أنا شفت القرد خروف ضاني شايل اصعة "
"هيلا هوبي بصحنك فإصحنينا "

اشتقت لجبهته العريضة و صورته و هو نائم يتعبد في سلام و عدل..
إشتقتنا لعزوماته و هداياه بمناسبة و بدون مناسبة ..
إشتقتنا لصوته و هو يصفر سعيد إذا تحققت معجزة العلاوة ..
و لصوته الرخيم و هو يصلي بخشوع ..
و لنبرته الثائرة و هو غضوب أثناء مشاهدة خطاب لأحد الحكام العرب.
و فعلا إشتقت لصورته و هو جالس بجانبي على حافة الكرسي الهزاز يصالح – أحياناً بدموع – مصيبة لو بيستخدم جلسرين!

إشتقت لطريقته في تقليد المشاهير و المجاهيل ..
إشتقت لأحاديثنا العادية اليومية عن مجريات الأمور في العمل و في البيت.. إشتقت لمحاولاته الدئوبة لإقناعي بتناول الأدوية في حالة ظهور بوادر أي عرض .. رغم علمه برفضي التام لتناول أدوية طوال فترة الرضاعة..
و أعتقد أن هذا الإشتياق ذكرني بشادية:

لو قلنا في البعد إرتاحنا
نبقى بنضحك على روحنا
رجعنا نعيش أيامنا الحلوة


لكنه يا تيتة ترك معي ثلاث مخلوقات يحملون كرموزوماته .. يقلدونه في حركاته ليذكروني بوجوده معنا ليل نهار ..
– محمود يلتقط أي شيء ملقي على الأرض بأصابع قدميه و منها ليده -

ثلاث مخلوقات يثيرون البرجلة البصرية لكل من يشاهدهم .. شبهك شبهه .. لا لا فيهم منك .. لا أهو دول طلعوا شبهه خالص .. أخ يظهر شبهكم إنتم الإتنين .. يا سبحان الله.. ده حتى أنتم الاتنين بقيتم شبه بعض!

ثلاث مخلوقات لهم نفس جبهته العريضة و هيكل الوجه المستطيل .. لكن ملامحي وعيوني و نغزتي ..
ثلاث مخلوقات يمثلون نقطة تقاطع تجمع بل وتوحد بيننا.

لكن لا بأس يا تيتة من الأجازة .. حتى تستريح التربة قليلاً .. عل الحياة تكون أكثر إثماراً.
المهم يا تيتة فقد أتيح لي البقاء لنحو شهر في بيت يغيب فيه العنصر الذكوري ..
لكن يبدو أن ياسر قد إحطاط للأمر فترك لي " محمود " ليذكرني أنه
" بعينك "
فال " ين.. أبداً لن يغيب عن اليانج !"

إلا قوليلي يا تيتة فتينة .. من واقع تجربتك الثمانينية في الحياة ..
كيف تعايشت في بيت يقطنه خمسة ذكور و أنثى واحدة ؟
هل شعرت بأنك أقليات كالأقباط في مصر؟
هل عانيت كالأقليات المسلمة في فرنسا ؟
وهل تصدقين فعلاً إننا نعيش في مجتمع ذكوري؟

ذكوري .. أنثوي أم خنثوي؟

تيتة:

كلما فتحت التلفزيون .. أجدهم يروجون لفكرة المجتمع الذكوري ..
سطوة الذكور .. العنف ضد المرأة من قبل الذكور المتوحشين " الأسيين "
تفتحي على " المحور" تجدي الأستاذة " نهاد أبو القمصان" تحذر من هيمنة المجتمع الذكوري على الأجنحة المتكسرة .. و سيطرة الصقور على الحمائم الوديعة !

أقلبي على " أوربيت "، تجدي عمرو أديب يؤكد أن المرأة خلقت لإمتاع الرجل .. و شوية و يهاجم الشباب المتحرشين بالبنات في شارع جامعة الدول .. الله ما كانوا بيحاولوا يستمتعوا!

أتفرجي على لقاءات الصبوحة في الفضائيات .. ستجديها حافلة بحكايات عن معاناتها مع الذكور رغم إنها دوبت بالقليلة ثمان ذكور (الرقم المعلن).

طالعي الجرائد .. تجدي كتاب أفاضل من الجنسين يهاجمون العنف ضد المرأة في المجتمعات الرجعية الذكورية .. مطالبين بمعاملة أرقى و أكثر تحضراً لحواء!

إلا صحيح يا تيتة، مقتنعة أننا فعلاً نعيش في مجتمع ذكوري؟

عن نفسي تتملكني قناعة أن الإناث في مجتمعنا بالهبل والذكور في دنيانا بالعبيط .. لكن الرجل و المرأة.. الانسان و الإنسانة عملة نادرة .. بين أناس لم يكتفوا برقم أربعة .. فحولوا طقم القواطع و الضروس كله إلى أنياب!

لقد تولدت لدي قناعة بوهمية مقولة سيطرة المجتمع الذكوري .. فمثلاً يا تيتة و الأمثلة هنا على سبيل التبعيض لا التعميم:

الدتورة .. و المؤدية

* كثيرة هي الإدعاءات بتفضيل الأمهات أبنائهم الذكور على الإناث .. مع التأكيد بأن الأم ُتسخر بناتها لخدمة أخوهم " الحيلة " لأنه سيحميها من بطش أهل زوجها .. فهو من سيحجب الميراث عن إخوة الزوج و عن إخوتها .. و هي من ستجني ثمار عمله لاحقاً.

إذن كيف تفسري – حضرتك - تغير معاملة الأم لإبنتها إذا أصبحت دكتورة.. حبذا لو رفعت رأسها إذا إستضافها برنامج " العاشرة مساء " ؟
كيف تفسري تفضيل الأم لإبنتها على إبنها - و لو كان البكري - إذا كان هذا الإبن يعمل :
- مش هنقول عطاشجي – لكن نقول رئيس قسم التمريض في مستشفى حكومي أو حتى إستثماري..
- نقول مندوب مبيعات في شركة مستحضرات تجميل ..
- نقول مخزنجي في شركة تعبئة مياة غاذية
- مصور أو موظف في الأرشيف بجريدة مسائية أو حتى موظف في قسم العلاقات العامة في شركة برديس للسياحة !

يا تيتة :
دي الست هتفضل ليل نهار تقول أنا أم الدكتورة .. أنا اللي ربيت الدتووورة .. أنا الي علمت الدتورة .. أخرة صبري.. فرحة عمري.. الدتورة ..الدتورة.

و يا سلام لو إبنتها الصغرى إقتحمت عالم الفن .. أوبا !!
إركن بقه الدكتورة و خزن أخوها المخزنجي .. و نمسك في النجمة الصاعدة .. الواعدة .. و نسمع كلام " جاهيني " منتقى:
" البنات حنينين"..
"البنت زي الولد .. ما هيش كمالة عدد .. في الإحتمال و الجلد..."

والدعوات كلها من نصيب الفنانة و المؤدية .. أصلها مرهفة الأحاسيس
- فنانة بقه - والإتصالات و العزائم كلها للفنانة ثم الدكتورة ! و إركن أخينا المخزنجي !

السطوة هنا للمجتمع الذكوري أم للمجتمع الأنثوي يا تيتة؟ و ضعي في إعتبارك إنك هنا أمام أنثى( أم ) ناصرت إناث ( بناتها ) ضد ذكر( إبنها).

الشايب و الجوكر

* نقلب الوضع و نفترض أن هذه الأم أنجبت ثلاث إناث و ذكرين .. واحدة مدرسة رسم في مدرسة تجريبية و أخرى ربة بيت .. و الأخيرة أرملة لديها أربع أبناء و تعمل موظفة في معرض للسلع المعمرة ..
أما الذكور فالصغير " الجوكر" يعمل مدير مالي في وزارة الإعلام بالكويت .. و البكري - الشايب - يعمل محاسب في شركة بيع المصنوعات.

ها يا تيتة .. الوضع هنا إيه؟
الوضع هنا إن البنات سينطبق عليهن مثل:
" يا مخلفة البنات يا شايلة الهم للممات"
و أخوكم الصغير حطوه فوق رأسكم .. ده آخر العنقود سكر معقود.
حضروا الغدا لأخوكم ..
تعالوا يوم الجمعة أصلي عازمة أخوكم ..
ما تزعلوش من أخوكم .. إيه يعني شتمكم و هزأكم و ضربكم .. ده برضوا أخوكم و راجلنا ..
يا الله بطلوا دلع و كلام فاضي و روحوا جهزوا الحمام لأخوكم ..

ما طبعاً .. أي بنت من بناتها لما هتتمعظم .. مش هتدخل على والدتها إلا بصينية مكرونة بالباشميل طلعتها من تحت ضرس جوزها بالضالين .. و اللي تقدر تدخل على والدتها بطبق كبدة و كلاوي أو بيرام رز معمر .. تجد رد والدتها

: " يا بنتي ما لوش لازمة .. مش عايزين حاجة من وش جوزك الإيحة .. بس يغور بقرفه و بخله .. خليه بس يصرف عليكم"

أما الجوكر.. فهو من تنتظر منه الهدايا و الرعايا و دفع الفواتير ..
هي من ستشكو له كل يوم من الغلاء و هو من ستتحدث معه عن المرض ليدفع لها ثمن الدواء .. و هو من تأمل أن يدفع مصروفات تصليح أي شيء لها و مجاملة - فقط - حبايبها أما المغضوب عليهم، فيجب معاملتهم معاملة الضاليين..
و حتى إذا دعت" الجوكر" لزيارتها و لم يدخل عليها بطبق من الحلوى أو الفاكهة.. إلا أنه من الممكن أن يقول لها
: خدي يا ماما ال 200 جنيه دول .. معلش .. أصلي تعبان و مرهق .. و ما لحقتش أعدي على " العبد" !
: شكراً يا ننس .. ما كانش له لازمة يا حبيبي .. بتزعلني كده ..عمال تصرف فلوسك .. ليه بس الكلفة دي .. هو انت غريب .. تعيش يا غالي .. أخليهم يحضروا لك مايا بملح عشان رجلك .. ما أنت يا حبة عيني شقيان طول النهار.

لاحظي يا تيتة ان هناك تلاشي مقصود لصورة الأب الهرم الذي تم
" تكيسه و تغليفه تمهيداً للتخلص منه " لأن إبنها دخل سوق العمل بينما خرج زوجها إلى سجن المعاش.

إذاً نحن هنا لسنا بصدد مناقشة سطوة ذكورية .. لكن الأمر يتعلق بوضعية ذكورية عاملة أم خاملة .. بل إن السطوة هنا لأنثي إستغلت الذكر العامل و هجرت الذكر الخامل.

يا تيتة.. هناك آلاف المسنين من ذوي المعاشات الذين يتم معاملتهم من قبل المجتمع في مرحلة عمرية و صحية معينة - خاصة إذا طالت فترة المرض و المعاش - كذكران النحل .. ثم يأتي من يقول مجتمع ذكوري!

" بوش و كوندي"

* طيب ياتيتة .. كيف تفسرين تسلط الأنثى على أنثى أضعف منها ؟
فمثلا تسلط الحماه القاسية و تسيدها على زوجة إبنها .. و يا سلام لو مخلفالها ثلاث بنات .. دول ممكن يعملوا في البنت كما فعل " بوش و كوندي" في العراق..
لاحظي يا تيتة أن نتيجة تحالف " ذكر و أنثى" على العراق .. دمرت أمة و شعب و وطن بذكوره و إناثه؟

و النتيجة معاملة فوق الخيال للإبن .. و معاملة زفت للكنة من حماتها و أخوات زوجها .. رغم أن أخوات الزوج يلاقين معاملة سيئة من نفس الأم و من حمواتهن .. لكن أهو .. أخيراً هناك من يتسيدن عليه ..

" العقيم و الأصيلة "

* وإذا كان من المعروف أن زوج الإبنة يلقى - غالباً - معاملة محترمة من أهل زوجته لأسباب " فلسية " بحتة.. لكن هناك إستثناءات جوهرية .. فلا يخفي عليك يا تيتة.. وجود نماذج حماوات يحولن المعاملة المحترمة 180 درجة تجاه زوج البنت إذا نبا لعلمهن أن المأسوف على شبابه مصاب بمرض يعوقه عن الإنجاب على سبيل المثال!

هنا ياتيتة ستجدي توحش أنثوي من الحماة ضد زوج إبنتها .. و خدي عندك:

:أهلا يا حبيبي .. تاوك إفتكرت إن لمراتك أهل تسأل عليهم .. كده برده ما تجيش سبوع أخو مراتك .. ده طارق إبني عمل لمراته حتة دين سبوع حكى و اتحاكيت عليه المهندسين كلها .. يا الله عقبال عوضك يا سكرة..
الله ! و ليه بقى السجاير؟ مش قلنا نبطلها .. ما الدكتور قال مش حلو عشان صحتك ..
إذا جعت.. .. كل سلطة..
ها.. طمنى بتاخد الدواء في مواعيده .. داعيالك يا عنيا عشان تشيل على كتفك ..
يا الله عايزين نفرح بيكم .. مش عايزين كلام الناس يكتر.. و لوك لوك لوك .. عشان ما يبقاش شكلك وحش .. دي " نيفين" بنتي بتتقطع من جوا يا حبة قلبي .. و نفسها تسمع كلمة " ماما " ذي كل صحباتها و بنات خالاتها .. و أنا برضه.. حرام تحرمني من كلمة " ستو".. إيهء إيهء إيهء.. إييييييييييييييييييهيءءءءءءءء

و إذا إنفجر الرجل و مشي وهج من البيت .. قامت الحماة الأنثى بعمل إتصالاتها الهاتفية لتُشهر به في العائلة كلها مع فتح وصلة ردح و سب

: ده قليل الأدب .. ده مش متربي ..آل رضينا بالهم و الهم ما رضيش بينا..
لا لا لا، خلاااااااااص .. ده أنا بنتي غلبانة و ساكتة و حاطة و كاتمة في قلبها ..
و جوزها طلع عقيم ..عقيييييم .. لكن هي أصيلة و ما بتطلعش سره بره .. تربيتي .. لكن ما تمرش .. أصل ديل الكلب ..
لا كفايا .. كفايا .. خلاص طهقنا .. و كمان قلة أدب .. أنا اللي غلطانة إني رضيت بنسب عيلته الواطية!

ها يا تيتة.. إزيك بجي؟
لا تقولي مجتمع ذكوري و لا غيره .. ما هي الست محسوبة علي المجتمع أنثى .. لكن هرت بدن ذكر مريض و تحرشت بسمعته و خلته ما يسواش نكلة في سوق الذكور .. و دمرته و دهست كرامته و خلت سيرته أسوأ من سيرة الزمالك بعد سلاسل هزائمه المتوالية !

إسطوانة الوحدة الليلية

* و هل عندك تفسير يا تيتة لمحاربة الأنثى لأختها الأنثى عن طريق لطش زوجها على سبيل المثالً؟
أعتقد إن قصة الجارة المطلقة التي تعود من عملها لتقيل قليلاً .. ثم تصحو لتصفف شعرها و ترتدي الملابس الداكنة الضيقة .. ثم تضع علي وجهها مساحيق الحزن بحساب .. ثم تنظر من الشرفة فتجد سيارة الجار .. ما يعني عودة " المرسوم عليه " إلى المنزل ..

فتذهب بخطى منكسرة لتدق باب الجيران .. ثم ترمي نفسها في حضن صاحبة البيت و تبدأ في وصلة شكوى من غدر الزمان و إسطوانة آلام الوحدة الليلية و عطش السنين و مشاكلها مع طليقها و المحامي العقر اللي طلع وحش مفترس يريد أن يسلبها أعز ما تملك .. لأنها بدون رجل يسندها .. ثم تستسمحها في ترك الأبناء معها
: و لو سمحت ممكن أستلف منك جوزك عشان يقف معايا عند المحامي لأني وحيدة في الدنيا و محتاجة حد يساعدني؟!

الجمال الحزين

* و كيف تفسري يا تيتة كيد الذكور لذكور أقل منهم شأناً .. فهذا المشهد لم يغب عن بصيرتي منذ الصغر .. فقد كنت في النادي مع بعض المعارف و الأهل .. حيث كان من المعتاد أن تجتمع بعض العائلات – أزواج و زوجات بأولادهم - في النادي كل فترة .. و في إحدى الجمع .. دعت سيدة زميلها المحاسب المطلق ليشاركهم هذا التجمع الأسبوعي لتخرجه من أحزانه العميقة عقب أزمة طلاقه ..
حضر الشاب و معه إبنه الصغير .. و كان المشهد رومانسياً للغاية .. فالرجل شبه وسيم .. لم تسلبه هموم الدنيا شعر رأسه .. كاظمي اللوك نوعاً .. مسطح البطن .. متوسط الطول.. يرتدي جينز " ليي" و تي شرت
" لاكوست " لا يبرز من تضاريس جسمه سوى عضلات ذراعه..

و قد إختار الرجل الحديث عن حجم التضحيات التي بذلها لتتنازل له مطلقته عن حضانة الإبن .. فإكتسح الجلسة إكتساح أوباما لإنتخابات الرئاسة الأمريكية .. خاصة حينما صرح

: أنا إضطريت لبيع الشقة لطليقتي صوري .. مقابل تنازلها لي عن حضانة " بودي".. فلوس الدنيا ما تساوي بيات ابني بعيد عن حضني يوم واحد ..
مش هتصدقوني يا جماعة لما اقولكم إني كل يوم باروح أجيبه من المدرسة.. باكون حاسس و كأني عندي موعد غرامي مع حبيبتي..

طبعاً يا تيتة كل الحاضرات بدا عليهن التأثر البالغ ..
أما الرجالة فكان منظرهم تعبان ُملة .. قاعدين و الغيظ بيفرتكهم..
واحد منهم سفط بطنه لما لقى كرشه خابط في الطاولة..
و الثاني، كان أصلع من أعلى الرأس .. فمد شعيرات طويلة من جانب رأسه الأيمن في الجانبين .. بإستخدام طريقة – البريدج - أو كوبري ليصل الشعر من ناحية اليمين إلى أعلى ثم يوصله بالمنطقة اليسارية من الرأس..
في دخلة مين يا تيتة ؟
في دخلة زوج السيدة زميلة الأخ المطلق .. و الرجل يبدو كان عائد من الجمعية الموجودة في النادي .. و سعيد لأنه إشتري نصف رومي أرخص من بقالة " سعودي" .. فجاء متهللاً من بعيد معلناً بشرى توفير ثلاث جنيهات .. فشاهد المنظر " العاتشفي" للرجل المطلق و قد أخذ بألباب الحاضرات..
فبدأ عليه الغضب و طلب أن ينفرد بزوجته على جنب و تعمد أن يكون صوته مسموعاً
: ايه الجمال الحزين اللي انتي جايباهولنا ده؟!
: بطل و مش عايزين فضايح .. ده الأستاذ عصام زميلي في الشغل و كان متأزم بعد طلاقه، فعزمته هو و " بودي" إبنه
: قلبك ُحنبن با مدام .. نادي الولاد و يا الله على البيت .. لحسن مش طايق نفسي .. آل بودي آل .. ناقصين إحنا !

ها يا تيتة.. إزيك بجي؟

المقشات و الشطة

* و إيه رأيك يا تيتة في كم الجبروت الذكوري على ذكور أو إناث أضعف منهم ..
أذكر لك على سبيل المثال لا الحصر، إستخدامات المقشات في غير موضعها عند تعامل بعض الأجهزة الأمنية مع المعتقلين الذكور .. و إستخدام الشطة مع الإناث ..
و مثال آخر لطلبة الثانوي في تعاطيهم مع تلامذة الصف الإعدادي في المدارس الحكومية..
هنا في قطر، يصنف هذا الفحش تحت مسمى : "بياخدوهم على الصحراوي" و في مصر بيطلقوا عليه عملية تأديب و عقوبة وكسر عين .. و أسماء أخرى أستحي من ذكرها ..
هكذا يصف جبابرة الذكور " ممارسة اللواط " عنوة ضد صغار الذكور ..
و المجتمع مصهين صهينة صهيونية عن حقيقة أن أول تجارب كثير من الذكور ما هي إلا فاحشة اللواط في المدارس و السجون !!!

من المؤكد أن هناك نوعيات طاهرة في المجتمع .. كل شئ موجود!
لكن أسطورة سطوة المجتمع الذكوري ضد الإناث .. لا أساس لها من الصحة .. فها هم أقوياء الذكور يتجبرون على ضعافهم.

مش هنخلص بقه !

* طبعاً يا تيتة سامعة عن نموذج تسلط الممرضات على المرضى .. بغض النظرعن جنسهم .. أنا عن نفسي شاهدت الممرضة و هي تغرس بلا رحمة الحقنة في جسم رجل كبير مريض و حينما صرخ متألماً .. عنفته!
: مش هنخلص بقه !
رغم أنه كان ينتهي تماماً ..
و الغريب إن مريضة أخرى حكت لي عن صلف الطبيب معها و عدم صبره عليها
: مالك عايزة إيه .. ده أنت فاضلك كام يوم و خلاص .. تنتهي .. إيه الأزعرينة اللي أنت عاملاها دي؟!

إذن يا تيتة.. ممرضة أنثى تجبرت على مريض من الذكور و طبيب ذكر تجبر على مريضة من الإناث.. و لا دخل للأنوثة و الذكورة في الموضوع!

إصة حياتك!

* عارف يا تيتة .. مش الناس طلعان عينها من الحكومة بوزرائها و حكامها؟ و إدعاءات بالسيطرة الذكورية على صنع القرار .. و تلاقي الوزير من دول عنده حرس و غفر و خدم و ناس تحت يده، يذل فيهم بصرف النظر عن كونهم ذكور أو إناث..

تعرفي حضرتك إن هذا الكلام فيه كثير من التهويل .. ما سيدفعني لإثبات رأيي بذكر هذه الواقعة التي حدثت أمامي عندما أتيح لي مقابلة وزير من الأسبقين ..

الرجل كان كبر جداً جداً جداً.. و دخل مبنى المجمع بلا حرس و لا هلمة كبيرة .. دخل" سولو".. فكان نصيبه موظفة قرشانة مفعمة برائحة الرصاص و الحبر الذي يملأ مكتبها.

: و أنت بسلامتك لسة فيك نفس تسافر و تروح و تيجي .. يا راجل إتحط .. د أنت ِرجل جوة و رِجل برة.
: أنا مسافر لإبني في السعودية عشان
: حتحكيلي إصة حياتك .. آل بعد ما شاب ودوه ... سافر يا أخويا و هيص..
: يا مدام…
: ما تفتح يا عمنا .. أنسة يا حضرت
: حاضر
: خلصنا.. عايز إيه؟
: عايز أجدد الباسبور
: معاك الصور؟
: أيوة .. إتفضلي
: لا يا حاج .. لا يا جدو.. عايزين صور خلفية زرقا .. بسرعة خلصنا
: اتفضلي .
: فين الدمغة .. إجري يا الله .. جيب الدمغة من الدور الأول و تعالى بسرعة لحسن هنقفل .. خلصنا .. هنقعد طول النهار نفت في " البازابورت " بتاع أهلك.

و هاتك يابهدلة في ذكر مسن كان في يوم ما يحمل رتبة وزير !
و ها هو يدفع ثمن أوزاره على يد أنثى لا تمت للأنوثة بصلة !

أنثى أم خنثى؟!

* نموذج آخر .. من كثرة تكراره يا تيتة .. أصبح متوقع..
زوجة تعاني من زوج " أرباجونيست " شحيح .. عنيف و صلف.. في أي خلاف .. يلجأ للسب و الضرب و المعايرة بالأهل .. بنفسي شاهدت نموذج كهذا وأنا بعد صغير..
كنت أزور أسرة .. فوجدت في البيت .. كهل هرم مقعد.
: هاتا هاتا هات ت ت ت ترمس
: يا راجل اتهد هو أنت فيك نفس و لا سنان تاكل .. با بني أدم ما أنت باقالك 90 سنة بتطفح
: طب عاز عاز ززازز زبادي
: طب إترزي عندك .. البت يتغسل الحوض و بعدها هتجيبلك تتنيل تاكل
: عاز عاززززز حمام
: فاضيالك أنا .. ما أصلي ما ورايش غيرك .. أنت ما بتهمدش .. يا دي النيلة.. استنى لما الواد يخلص مسح السلم .. امسك نفسك.. عارف لو عملتها !
يا دي القرف يا دي القرف! برضه عملتها على نفسك ..

ثم نادت - يا تيتة - على الخادمة و َأسَرتها .. فذهبت الدادة إلي الذكر الهرم و شدت له أذنيه .. ثم أمسكت بيده و ضربته ضربة خفيفة على ظهر يده كالأطفال الذين يتم معاقبتهم على جريمة التبولي اللا إرادي .. فبكى!

هنا دخل الأبناء .. أربع شوارب ذكورية تطير من فوقها النسور وتهبط عليها الصقور .. فتيقنت أن الوضع سيتزن و أنه آن الأوان لإنصاف الهرِم.

و إذ بالأم تصرخ: تعالوا شوفوا .. أبوكم و قرفه
: معلش يا ماما .. إحنا آسفين جداً .. معلش أصبري
: آدي اللي باخده منكم .. ما طبعاً .. و لا حد حاسس .. كل واحد نايم في حضن مراته و سايبني أخدم في النيلة ده!

: يا ماما .. حضرتك ما تتعبيش نفسك .. سيبي البت هي اللي تنضف!
معلش .. فات الكتير ما بقى إلا القليل .. ده إن عاش النهاردة مش هيعيش بكرة ..
: لا عايش و هيعيش و أنا اللي باموت كل يوم و كل لحظة ..
عايش .. عايش و هو اللي بييقتلني كل ما اشوفه ..
عايش و هو اللي هيدفني و هو اللي هيورثني .. عايش .. عايش

: يا ماما .. سامحي و إنسي
: مش مسامحة .. مش قادرة أنسى .. مش قادرة أسامح .. هو عمره ما استستمحني .

أنا - يا تيتة - سمعت " سامحي" من هنا .. إتجننت ..
لأن زوجة بهذا الشكل .. لا أعرف هل تصنف كأنثى أم كخنثى؟
الشاهد .. دعبست على الموضوع..
طلع إن هذا المسكين الهرم .. كان في شبابه جبار لا يستخدم سوى
" الفرفر" في التعامل - المسدس باللهجة الصعيدي- و كان إذا دخل بيته ليلاً .. و وجد زوجته نائمة .. أفاقها بخلع حزامه و لفه بطريقة سندباد برفع الحزام لأعلى في الهواء، ثم يرميه على رقبتها ليجرجها على الأرض وحتى المطبخ .. بعد أن يكون أوسعها ضرباً بحلية الحزام المعدنية .. و كانت الموسيقة التصويرية لمشهد الضرب .. هي سيل من البصاق و اللعنات لها و لوالديها و للدين و لكل شيء.
* كان الهرم في شبابه يتلقى وشايات كثيرة من أهله تلهبه ضد زوجته
: مراتك بنت ال .. عملت و كان مفروض .. و أصول كانت تسوي

و كان الرجل يعلم أنه لن ينال رضا أمه إلا إذا أساء لزوجته بشتى الطرق .. يحمي الملعقة على النار ثم يعطيها لوالدته لتؤدب بها زوجته..
و ليحصل على مزيد من البركة من والدته .. كان يعضدها بطفي أعقاب سجائره في جسد الزوجة .. خاصة أمام إخوته ..
و كان يتفنن في عمل و قول كل ما من شأنه الإزدار بزوجته إرضاءً لعائلته التي لا تستريح إلا إذا تأكدت بما لا يدع للشك أنه يعكنن حياة هذه المخلوقة و يعاملها كما يعامل اليهود أسرى "حماس"!

و بعدما خلا وفاض الرجل من الوظيفة و المال و المنصب و الصحة و القوة التي طالما عظموه من أجلهها .. و حينما تحول لكهل و عبئ .. إكتفى الإخوة بالإتصال بزوجة أخيهم الهرم في المواسم:
" خللي بالك منه .. تشي أمانة .. حطتشي في عينك .. أنت ست أصيلة "!

مرة أخرة يا تيتة أجدني أمام سطوة ذكورية مرحلية واجهتها سطوة لا أعلم كيف أسميها أنثوية أم خنثوية همجية في مرحلة أخرى!
و الدليل هو تغير معاملة الأم و الأبناء للأب بعد خروجه على المعاش .. و بالطبع فإن كلامي على سبيل التبعيض لا التعميم.

ذكر تأسد في صباح حياته على زوجته .. فتلبونت عليه في مساء العمر

صبح و مسا

هو: صباحك سكر
هي : مسائك عنبر

هو: صباحك أغبرة
هي: مسائك دندرة

هو: المال مالي
هي: العيال عيالي

هو: لي غرس الصيف
هي: لي غيث الشتاء

هو: لي متانة الجسد
هي: لي جمال المتن

هو: لا فسحة
هي : لا متعة

هو: لك المكرمة
هي : عليك المرحمة

" داليا
الحديدي"

* ثم لماذا - يا تيتة - نتغافل عن السطوة الأنثوية لربة البيت على خادمتها و زميلتها في عالم الأنوثة ؟
لماذا نتعامى عن إستعباد أرباب و ربات البيوت للخدم ذكور و إناث في معاملة أقرب للسخرة؟
و كيف تعايشنا مع الجرائم التي يقترفها الخدم – ذكور و إناث - تجاه أبناء أسيادهم سواء من حوادث إعتداءات أو تحرشات بالأبناء من الجنسين ؟!

أظن حكاية الخادمة الأسيوية التي سافرت لبلدها بعد أن وضعت في الغسالة بن مخدومها الرضيع .. معروفة للجميع!
كما أن قضايا المدرسين الذين يفرغون غضبهم على التلاميذ عقاباً لهم على جريمة عدم أداء الواجب المدرسي .. بضرب يفضى للموت.. شاهد على وجود سطوة ذكورية على صغار الذكور و الإناث على حد سواء!


La Diablesse الشيطانة

حتى حفيدتك يا تيتة لم تنجو من عنت إحدى مشرفات المدرسة و هي صغيرة..
فلأن والدي- رحمة الله عليه - كان يعمل طياراً حربياً .. و سفره دائم .. فكان هناك صعوبة في البحث عمن سيوصلني كل يوم .. من و إلى المدرسة.. و كنت دائما من المتأخرات
Les retardateres

و في يوم .. تأخروا علي حتى ملتني المشرفة .. و كانت سيدة فاضلة و أمينة على بنات المدرسة بشكل لم أقدره إلا بعد سنوات ..

كان عشقها النظام .. وعدوها الفوضى .. ما جعلها تحظي بإحترام أولياء الأمور و ثقتهم – و هي في محلها - حتى أن والدي أعطاها " كارت بلانش" لتعاقبني كيفما شائت .. و كانت مهمة هذه السيدة الفاضلة هي أن تنتظر مع
Les retardateres
أي البنات اللائي يتأخرن بعد إنتهاء مواعيد اليوم الدراسي في الثانية و النصف
فقد كان لمدرسة " المير دي ديو" ثلالث أبواب:
* باب خاص بأوتوبيسات المدرسة يحرسه " عم فرح و عم بشرى"
* و باب آخر يحرسه " عم فوزي" ينتظر فيه الأهالي مع البنات حتى الساعة الثالثة و النصف ..
* ثم الباب الثالث للمتأخرات و هو خاص " بمدموازيل مارجوريت "
و كانت أنسة شبيهة بمسنات فرنسا، بجسمهن النحيل و قامتهن القصيرة و ملامحههن الدقيقة..

و يبدو أني قد تأخرت في هذا اليوم حتى الخامسة و النصف مساء أو يزيد .. ما يعني أن وقت عمل مدموازيبل مارجوريت قد إنتهى .. و بالطبع تريد الذهاب لتأكل وتستريح .. هذا ما فهمته بعد سنوات من هذه الواقعة.

لكن يومها لم أفهم سبباً لطريقة معاملتها الفظة معي .. ما أغضبني .. خاصة أني أيضاً كنت في قمة التعب لتأخر أهلي ..
أشعر بجوع شديد و قد هزمني النوم..
و مع ذلك فقد كانت أنفذ لها كل ما تطلبه مني بسعادة .. لأني كنت أفضل الحركة على الجلوس بجانب الباب على الكنبة البنية المصنوعة من خشب الخيرزان على شكل سلم موسيقي.

كانت مدموازيل مارجوريت تطلب مني الذهاب لمناداة أي راهبة .. و كنت أركض في تلبية طلبها .. و حينما كان يأتي والد زميلتي دنيا .. كنت أهرع الدرج لأنادي عليها .. و لكن مساعدتي لها لم تشفع لي حينما زاد تأخر أهلي .. فزاد معه سخطها و باتت لا تريد ان تسمع مني أي نفس :

: بطلي تهزي رجلك..
: ممنوع الماستيك
: نزلي الشنطة من على الكنبة و حطيها على الأرض
: طبعا لازم أهلك يتاخروا عليكي .. أكيد مش عايزينك في البيت - و كررتها مراراً-
ما أنت أصلك شيطانة.. شيطانة .. شيطانة ! و كانت تردد هذه الجملة كل خمس دقائق تقريباً يا تيتة
Diablesse que tu es

و لأني كنت أحرك قدمي القصيراتان بشكل لا إرادي كل فترة .. فلم تجد بد سوى تنفيذ عقوبة الحبس الإنفرادي القاسية بوضعي وحيدة في صالون بجانب مكتبها عند مدخل باب المدرسة..

و هناك جلست و مارست هوايتي في التأمل و تفحص المكان ثم غلق عيني و إسترجاع صور.. كل تابلوه معلق .. لون السجادة .. أماكن البيبلوهات.. النوافذ و ما خلفها .

ثم كففت عن هذا العبث حينما زاد ضيقي بوحدتي .. و بدأت أشعر بألآم خطة التعذيب المدبرة لي .. ما زاد سخطي، خاصة أنها كانت تدخل علي كل فترة لترميني بلفظ
: شيطانة

على فكرة يا تيتة، كلمة شيطانة بالفرنسية لها معنى مجازي يطلق على الأطفال كثيري الحركة .. تماماًً كما نصفهم في عربيتنا ب" الأشقياء " رغم أننا نعني " لعبيين".

إلا أن تكرار الكلمة بنبرة صوتها الحادة المهينة، حفزتني أن أريها شغل شياطين الصف الثالث الإبتدائي على أصوله !
و اتفرجي على حفيدتك لما تتشيطن .. خاصة أني تعلمت منذ صغري أن العقل قد وضعه الله في قمة جسم الإنسان ليسيطر على جميع الأعضاء.

إحترت أيهما تختار .. صورة المسيح و هو يحمل الصليب .. أم العذراء و هي تحمل المسيح ..
جثوت أمام الأولى على ركبتي و ضممت يدي متخذة وضعية الصلاة المسيحية و ظللت أرسم علامة الصليب على وجهي لمدة طويلة .. على أمل أن يدخل والدي - الذي يثق في هذه السيدة ثقة عمياء - فيري صغيرته البرئية على هذا النحو المبشر ..

فقد كنت على يقين من ثقة والدي في كل شيء في مدرستي ثقة مطلقة، إلا أن هاجسه الوحيد كان الدين.

بالطبع يا تيتة .. لم أكن أتطلع لدماء .. لكن كنت أريد فقط أن توبخ كما وبختني ..
و رغم أني لم أكن أستيعد إختفاء مدموازيل مارجوريت من عالم الأحياء بمجرد ما سيرتكز والدي عليها .. لأنها كانت أصغر حجما من نجاة الصغيرة و كان والدي بجانبها يبدو ك" كينج كونج".. إلا أن ذلك لم يثنيني عن تمثيل مشهد التبشير!

هكذا تشيطنت لأكيد لنفسي من عنت مشرفة تجبرت على و أنا طفلة أمي عقلها .. فلم أجد بد سوى " الوقيعة " بهذا الطريقة و ليغفر لي ربي طفولتي الشيطانية.

و لكن لطف الله أحدث خطأ ما في خطتي .. حيث أن المشرفة هي من دخلت علي .. لا والدي يا تيتة .. فسعدت بملاحظة أثار الرعب و الهلع و قد تملكتها.
ثم أغلقت الباب من هول ما شاهدت ..
و بعد هنيهة فتحته مرة ثانية .. و ظلت تفتح و تغلق من هول ما ترى ..
ثم أفرجت عني بدون كفالة..
و بدا التغيير المرجو في معاملتها و قد حسنت " البادي لانجويج " في تعاطيها معي ..
فكفت عن التأفف و الرمق ..
كما أنها طلبت مني الجلوس على كرسيها الخاص المبطن و الذي يوجد تحته " بوف صغير " أستطيع وضع قدمي القصيرة فوقه فلا أحتاج لهزهما
و جلست هي بجانبي على كرسي من الخيزران ..
و وضعت حقيبتي المدرسية على مكتبها ..
ثم أعطتني شوكولا " كيت كات "
كما و أنعمت علي بإبتسامة حنونة قرأت فيها إستعطاف صريح بألا داع لشغل الشياطين يا داليا و الطيب أحسن ..

و قد إستجبت لنبرة صوتها التي تحولت للدعة كما و كافأتها على التغير الظاهر في البادي لانجويج الخاص بتعاطيها معي .. فلم أقص لوالدي ما حدث معي من ضغوط تبشيرية:).

فقد شيطنتني السيدة و إضطرني لمواجه عنتها بشكل حاد ..
و لكني اليوم أستغفر الله و أحمده .. و أذكر أنها في المجمل كانت من أكثر النساء حرصاً علينا كبنات خاصة اذا وضعنا في الإعتبار وجود مدرسة "الإبراهيمية " للبنين بجانب مدرستنا " لا مير دي ديو".

رحمها الله يا تيتة .. كم أحببتها و أحببت عنايتها و أمانتها معنا .. و كم إختلقت لها الأعذار..
ربما كان هز قدمي و أنا جالسة على الكنبة الخيرزان يزعجها ..
ربما كانت تعلمني النظام بوضع حقيبتي على الأرض..
ربما كانت تمنعني من تناول العلكة لأنه يجعلنا نبدو كالجمال كما كانت تدعي
أو ربما كانت مرهقة ..
لكن من المؤكد أنها هي أيضاً قد تعلمت مني، و أرجو أن تكون سامحتني.
رحمها الله و رحم كل من يعتقد أن هناك ضعيف دائما أو قوي للأبد :

ليس في الغابات راع .. .... لا ولا فيها القطيع
فالشتا يمشي ولكن ... ...... لا يجاريه الربيع
خلق الناس عبيدا ........ للذي يأبا الخضوع
فإذا ما هب يوما .......... سائرا سار الجميع
"المواكب لجبران"


" أسابير أكتيف "

* قد تعتقدي يا تيتة ان نواميس الحياة قضت بأن يكون الخادم عبد للمخدوم الذي يتسيد عليه.. إلا أني حريصة على التأكيد على وجود عدة إعتبارات أخلاقية أخرى تخل بهذه المعادلة..

فمنذ مطلع هذا الشهر و بعد بلوغ ابنتي" ب ب كرمة" خمسة شهور .. سمح لي الأطباء بل و نصحوني بضرورة العودة لمزاولة الرياضة .. فعدت بعد عام و نصف من الإنقطاع إلى " أسابير أكتيف ليدز كلاب" لعلاج لياقتي التي تدهورت تدهور البورصة العالمة ..
وأسباير يا تاتو ، صرح كبير للرياضة في قطر .. إذا وقف بجانب نادي الجزيرة أو الاهلى أو هليوبوليس .. قزمهم و حولهم لنادي "إسكو" في الشكل و المضمون .
نظافة إيه يا تيتة و فستيارات إيه و ستوديوهات إيه!
كما ان " أسباير" قد أنشأ مؤخراً حمام سباحة خاص للسيدات.. و قد نجحت في إمتحان السباحة..
كان الإختبار عبارة عن سباحة حرة .. فإخترت سباحة الفراشة و الظهر
– بصراحة لزوم الإستعراض –
الشاهد لم تقل لي المدربة أي كلمة سوى " باس"
Pass
فغطست في الماء لكتم غيظي .. ثم طفوت .. فأخبرتني زميلة لي في المسبح أنها نطقت ب: " لافلي" و أنا تحت الماء
: الحمد لله أخيراً في ناس بتقدر
لا شك يا تيتة ان السباحة متعة منعشة، فهي تمنحني الطاقة بشكل خرافي .. كما و اني أرمي فيها كل أثقال اليوم .. إلا أني لا أكف عن رؤية صورتك و صور أمي و زوجي و أبنائي خاصة تحت الماء ..
الشاهد أني أذهب الآن خمس مرات في الأسبوع تقريبا لممارسة " الجروف و السباحة الحرة و الأكوا فيتنس"
و دعيني أخبرك يا تيتة فتينة أن رواد " اسباير ليديز كلاب" من الإناث فقط .. لكن من شتى الجنسيات و المستويات .
فالفلبينية و النيبالية .. جنسية تغلب على عاملات النظافة ..
أما المدربات فيتنوعن بين فرنسيات و سكوتلانديات و مجريات و إنجليزيات و رومانيات و أوروبيات أو مصريات حاصلات على الجنسية الأمريكية ..
و عادة ما يكن كبار الإداريات من كندا و أستراليا
أما صغار الإداريات فمن الشوام أو العربيات.
و ل "أسباير" قوانين صارمة وضعتها الإدارة لمنع الدخول استوديو الرياضة بعد خمسة دقائق من الموعد المحدد .. ما يعني أن أي مشرفة من جنسية أسيوية أو أفريقية تقف قادرة على منع أي متدربة أوروبية أو حتى شيخة أو أميرة عربية و لو من عائلة آل ثاني من الدخول للعب إذا تأخرت عن الموعد المحدد .. كما أننا لا نجرؤ على دفع بقشيش لعاملات النظافة.. لأن ذلك قد يجرح كرامتهن في الصميم.

زبانية الأرض

فإدارة "أسباير" تعطي لجميع العاملين فيها رواتب و مخصصات سكنية و تأمين صحي و بدل مواصلات يكفل للجميع عدم مد اليد او فتح درج المكتب لأحد .. بل و تمكنهم من فرض سيطرة على كل اللاعبين بل و على المدربات إذا حدث منهن أي تجاوز بأسلوب مهذب .. بغض النظر عن جنسية أحد أو مكانته .

لا شك أن هذه القواعد ليست موجودة في كل مكان بقطر .. و لكني لمستها في " أسباير أكتيف" يا تيتة ..

مرة أخرى أقارن بين أنظمة و مؤسسات تطبق معايير أدمية و بين بيوتنا العربية العامرة بأباء و أمهات يأخذون أبنائهم بالنواصي و الأقدام و كأنهم زبانية الأرض!
و طبعاً من الممكن التعلل بدواعي التربية الكلاسيكية! حيث أن المستحيل أسهل من أن يعترف أحد إنه بيطلع غلبه أو لنقل غله فيمن هو أضعف منه!

قهوة تركية و أخرى فرنسية

أذكر منهم رجل نوبي متزوج من سيدة أبيض من ورقة الكلينكس .. وقد رزقه الله بذكرين و أنثى .. الذكر البكري في لون القهوة التركية بينما الذكر و الأنثى الأصغر في لون القهوة الفرنسية الممزوجة بقليل من الحليب أو الكريمة ..
و صدقي أو لا تصدقي يا تيتة، فالأب لا يصطحب معه سوى إبنه " الفرنش كافي " في المجتمعات .. خاصة أنه أنحف من البكري ..
فهو من يختاره لمصاحبته للمشى معه على الكورنيش كما و مقابلة أصدقائه.. لأنه واجهة مشرفة للأب ..
أما إبنه.. الذكر السمين " الترلة " على حد قوله .. فيلقى أبشعها معاملة من سب و قذف و ضرب و هوان ..

والنتيجة الحتمية ظهرت بإصابة " الترلة " بالتلعثم والتبول الليلي .. كما و أن ثمة كراهية خافتة بدأت بذورها تثمر بين الأخوة.

أعتقد أنه لا داعي لإخطارك يا تيتة أن الإبنة تنعم بمعاملة تثاني الذكر الرشيق وأفضل من الإبن السمين نظراً لعنصر اللون ..

إذا فمشاعر الأبوة لم تحول دون قيام أب بممارسة قهر ذكوري ضد إبنه الذكر بسبب اللون و الوزن.

و إذا أخبرتك يا تيتة عن الإخوة الذكور الذي يمتنعون عن تسليم أخواتهم الإناث نصيبهم من ميراث الأب من أرض و عقارات .. مقابل إستحلال الإخوات الإناث لنصيب إخوتهم الذكور من مصاغ الأم..
فالنتيجة ليست " كيت " يا تيتة ..

و أنا عن نفسي لا أقتنع بأننا نعيش في عصر الأجنحة المتكسرة بدليل إستباحة الإخوة الإناث لميراث أخاهم الذكر المعاق .. لا فرق بين مصاغ و عقار و أصول أو نقود! كما و إستحلالهم لذهب الأم حتى مع إخوتهم الأصحاء.
إذن فمصطلح سطوة المجتمع الذكوري عارٍ عن الصحة !

العوالم و البودي جارد

* و إذ أنسى، فلن أنس - يا تيتة - ما رويته حضرتك لي عن مصر الملكية و تقنينها للدعارة في أحياء معينة .. و كيف كان للداعرات تراخيص صادرة من الحكومة ..
لا داعي لذكر هول ما شعرت به حينها .. و لم يكن يعنيني وقتها معرفة من يترأس حكومة كتلك .. ذكر أم أنثى..
لكن يا تيتة هل تتخيلي أن الموضوع أبشع مما رويتي!

فالقواد أو القوادة كانا يستخدمان الداعرات بغض النظر عن كونهن مختتنات أم لا ..
و لربما كانت الغير مختتنة أثمن من الأخرى ..
لذا فإن المومس المختتنة كانت تتمتع بمعاملة أفضل لأنها تجلب أموال أكثر!
بينما في دنيا " العوالم" سمعنا أن الأسطى الكبيرة كانت تقوم بإخصاء أحد الذكور لإستخدامه كدرع دفاعي .. من الخارج هيئة ذكر و من الداخل لا شيء!
فلأنها تريد إستخدام أعضاء معينة فيه .. و تخشى من أعضاء أخرى .. فكان هناك فئة من " العوالم " يجدن ضرورة في التخلص من أجهزه البودي جاردات التناسلية!

فهل تتخيلي أن يتم التعامل مع بشر من منطلق :
جهاز تناسلي - ذكوري أو أنثوي- نستفيد منه .. فنبقى عليه ..
و جهاز تناسلي لا داعي له .. فنبتره !
هكذا يتعامل الفلاحون مع البقر و الثيران!

و إذا كان قرار إخصاء الذكور يصدر من قبل الأنثى أو الأسطي العالمة .. كما أن تسعير المومس الغير مختتنة و تثمينها يكون من قبل أنثى أو ذكر على حسب ما إذا كان مدير شبكة الدعارة قواد أو قوادة.
إذن لا دخل للأنوثة أو الذكورة بحال في هذا الطرح يا تيتة!

والعدل في الأرض يبكي الجن لو سمعوا.. به ويستضحك الأموات لو نظروا
فالسجن والموت للجانين أن صغروا.. والمجد والفخر والإثراء أن كبروا
فسارق الزهر مذموم ومحتقر ... وسارق الحقل يدعى الباسل الخطر
وقاتل الجسم مقتول بفعلته ... وقاتل الروح لا تدري به البشر
المواكب " لجبران"

* نفسي يا تيتة أحكي لك كيف يتم معاملة السائس للذكور و الإناث في الطريق العام في الألفية الحديثة ..
فالسائس قد يتحرش بأي أنثى فقيرة يراها يومياً إذا كانت تعمل بائعة في محل في " ممر بهلر" في وسط البلد ..

أما إذا لاحظ إقتراب سيارة " بي أم دبليو" تحاول الركن في نفس الوقت الذي يركن فيه موظف " دليفري" يعمل على فيزبا .. فسيتقمص السائس دور المدافع الأمين عن الأنثى صاحبة السيارة " البي أم " و ستكون الصورة كالتالي:

: أهلا يا مادام إتفضلي يا ست هانم .. وسع وسع وسع للهانم منك لها له لها لهم.. يا عالم يا غجر .. إمشوا من هنا ما اشوفش وشكم .. معلش يا ست هانم .. عالم بيئة ..

كما و يقوم السائس بركل عامل الدليفري- أخوه في عالم الذكورة- مع كوكتيل "هزأينا " من السباب و الإهانات..
فنتوهم هنا أن هناك سطوة أنثوية أرغمت السائس على التلطف معها .. رغم أن الأمر لا يتعدى إنصياع و تعبد لبقشيش .. ربما لا يتعدى عشرون جنيهاً !
فقط عشرون جنيهاً تسمح للذكور بإستهانة بعضهم لبعض للتلطف لصالح ثراء أنثى.

واللطف في الناس أصداف وإن نعمت ..أضلاعها لم تكن في جوفها الدرر
فمن خبيث له نفسان: واحدة .. من العجين وأخرى دونها الحجر
ومن خفيف ومن مستأنث خنث .. تكاد تدمي ثنايا ثوبه الإبر
واللطف للنذل درع يستجير به .. أن راعه وجل أو هاله الخطر
فان لقيت قويا لينا فبه .. لأعين قد فقدت أبصارها البصر
جبران "المواكب"


* لن أدعك يا تيتة قبل ما أقص عليك قصة هذا المعيد التعس الذي قابلته مرة في مكتب الأستاذة الدكتورة في كليتي الإعلام ..
كان الرجل ضائع في حديث مع نفسه .. يضرب أخماس في أثمان .. و قد غيرت هول المعضلة من ملامح وجهه.. و صوت همهمته الحزينة يعلن أنه إنغمس في كارثة.. و هنا ظهرت سكرتيرة الدكتورة الشبيهة بهالة فاخر في " شرف فتح الباب " لتخبره أن
: معلش يا أستاذ .. ما أنت عارفها .. عوضك على الله .. هتعمل إيه؟ عيد البحث و الرسالة و أمرك لله .. و أعمل العينة و البحث من أول و جديد
: أول و جديد ! أنت بتقولي إيه ؟ أعيد رسالة إشتغلت عليها سنتين لأن بكل بساطة سيادتها بتقول
: البحث بتاعك ضاع و ناسية حطيته فين .. و أكيد إذا عملته تاني هتستفيد!
هي فاكرة نفسها ضيعت كوتشينة .. دي ضيعت سنتين من عمري..
ده أنا شفيت الويل لمدة سنتين .. د أنا إتمرمط و طلع عيني و دفعت رشاوي و عبيت أدراج مفتوحة و كعبت مواصلات و شاي .. و سيبت مراتي وأولادي عشان أبحث و أذاكر و هي تقللي ضاع و عيده!

أجارك الله يا تيتة من إناث المديرات .. تبقى الست سفروتة ما تجيش 45 كيلو و تفتري على أجدعها حامل عضوية ذكورة و تخلص فيه كل ذنوبه اللي بيقترفها مع مراته و أخواته البنات!

* لا تظني يا تيتة إني أتعمد نعت المرأة بعنت الطبع .. أبداً..
و لكن مقصدي أن الموضوع لا علاقة له بسطوة مجتمع ذكوري كان أو أنثوي..

ده حضرتك يا تيتة فتينة تقابلي بنت من دول .. تكلمك أكنها البارونة اليزابيث سايمونز .. و تنطق الكلام و يكأنه طالع منها بالعافية :
و تختلق مبرر لدس معلومة معينة كأن تدعي الإرهاق الشديد ..

: أصلنا عزلنا من العجوزة و إتنقلنا في كومباوند في للتجمع الخامس .. هي شقة محندقة .. لكن ظريفة.. و كلفتنا جداً لغاية ما شطبناها .. و اشترينا الرخام من واحد حرامي .. وعملت فيها شومينيه – مدخنة - مش بطالة .. لكن العمال طلعوا عينيا .. لكن لازم تيجي تشرفينا..
: فين في التجمع؟
: جنب فيلا حماة أحمد إيز!
لكن بأقولك.. لو بتخافي من الكلاب قولي لي .. أصلي جوزي صمم يشتري لي بولدوج في الفالنتيان .. لأني بصراحة بأعشق الكلاب ..
علماً بأنها تسجن الكلب طوال النهار في الشرفة لضمان نظافة الشقة .. و جايباه لزوم المنظرة!

كثيرات هن يا تيتة من يتحملن أقصى أنواع الإهانات .. فقط للتباهى أنهن حرم فلان أو يقطن في الحي الفلاني!!
و كثيرون هم من يتحملون فوق طاقاتهم يا تيتة .. فقط ليتسنى لهم في أي مجلس التفاخر بأن حماهم المنصب الفلاني أو أن عم زوجتهم الرتبة العلانية!

إنهم يتقنون أصول علم الإستئساد و فنون الخضوع والركوع قبل القفز للانقضاض على الفريسة!

جنسية نوعية أم نوعية جنسية

نحن يا تيتة لسنا أمام " جنسية نوعية " و لكن أمام " نوعية جنسية " بمعنى أنه ليس من المهم معرفة ماهية الجنس ذكر أم أنثى .. لكن الأهم هو نوعية هذا الجنس
ذكر فاضل و خلوق .. أم ذكر جبار لعين
أنثى مؤمنة .. أم أنثى مؤذية
ذكر قوي و غني و يتمتع بصحة و وظيفة و شباب.
أم ذكر مريض عليل فقير وعقيم.
أنثى جميلة راقية غنية متعلمة .. مثقفة و موهوبة
أم أنثى جاهلة دميمة فاشلة غبية و عقيمة.

نحن نعيش مجتمع يتعامل مع الإنجاب و الجمال و الصحة و المال كمهارة يكتسبها الأريب و يفتقدها المعيب .. لا كهبة و منة من الله!

مجتمع يؤمن بسطوة ذكورية في مرحلة أولية من العمر للتربح من مكاسب الذكورة .. فالوليد الذكر يحمل إسم العائلة. . يؤمل فيه أن يكون سند مادي للأب والأم بحجب إخوة الزوجين عن الميراث..
لكن ما أن يفقد الذكر أسهمه الصحية و الوظيفية .. إلا و يطلق عليه رصاص خيل العائلة .. تهميشاً و إبعاداً و لا مبالاةً !

و هو هو ذات المجتمع الذي ينقل السطوة للأنثى في مرحلة لاحقة و متقدمة من العمر لأن مقاليد الأمور تكون وقتها في معصمها ..
غالباً الزوجة تكون أصغر من الزوج و بالتالي صحتها أفضل .. تكون أنجبت و تسيطر على الأبناء و تملك صك دخولهم الجنة فبعضهن يستنزفن الأبناء - ذكور أوإناث - ماديا و معنوياً.

أنها السطوة و السلطة بغض النظر عمن يتحكم فيهما ذكر أم أنثى !

فقد تشاهدين رجل مسكين ينتحب من ظلم واقع عليه من الحكومة .. فيظهر في برنامج 90 دقيقة مع اللامع معتز الدمرداش

: يا سعادة البيه .. الدنيا ماسكة و العيشة ضنك و مولعة و العيش ما يتاكلش و إزازة الزيت بتغلى يوم عن يوم .. و أنا عندي كوم عيال و أمهم .. لكن الحمد لله.. را .. ض ض ضيين .. و أهى ماشية.

يشكو الغلاء و يلعن الظلم و الإفتراء و المرض و شظف العيش والأوضاع المزرية و تسلط ضباط الشرطة .. فيستطيع أن يكسب عطف الجمهور..
إلا أنك لو شاهدتيه يا تيتة و هو يركل بقدمه اليسرى بعد ثنيها و مدها بقوة ليفتح بها باب بيته و كأنه فتح عكا ..
ليهرع للمطبخ لفتح الثلاجة بعنف و يعب من الماء كأنما يعب من طبرية.. مع وابل من الألفاظ المرعبة ليستنزف فيه ثمن عرق زوجته التي كدحت في خدمة البيوت طوال الشهر بل طوال العمر مع مطالبتها بخدمات الأمة لسيدها من طعام و فراش!

* أحدهم يا تيتة كان من أكابر الأثرياء في الدوحة .. و لكنه تم تلقينه أنه من السفه أن تعين زوجتك بإستقدام خادمة تساعدها - رغم قدرته - و رغم أن لديها أربعة ذكور في مراحل تعلمية مختلفة ..
يدخل عليها البيت .. فيمسح بالسبابة على الطاولة ليثبت لزوجته بقرينة التراب العالق بإصبعه ..
: اتفضلي يا هانم .. الأوكر ما اتلمعتش!

و كانت هذه الإنسانة " من الناس بتوع ر بنا " صبورة لدرجة مثيرة للضيق ..
تتحمل الإهانات و السخرية و التنابذ بالألقاب – لا يناديها سوى" يا أم منخار"
و كانت مصرة على الصبر إرضاء للله و الاستعانة به و لا بأحد سواه..
لا تشتكي إذا حج أو إعتمر كل عام وحده .. لا تتذمر إذا أساء أو ظلم .. بينما هو كان مستحلها تماماً.. لا يرى لها فضلاً إذا نفذت أوامره بتنظيف الحمامات في الثانية ليلاً بل كان يتبعه ب:
أنا عزمت أصحابي على الغداء يوم الخميس و إخواتي بعدهم على العشاء بالليل ..
: حاضر من عينيا .. يشرفوا
: إبنك الكبير يا هانم ساقط في الجبر .. ما طبعاً أمه مش فاضياله .. يكون في علمك، أنا مش هادي دروس.
: و لا يهمك.. أنا هأذاكر له
: فين الشراب؟ فين العصير؟ فين الفوطة ؟
كويتي البنطلون الكحلي؟
خيطي القميص الزيتي؟
الغسيل لسة ما اتنشرش .. الحوض لسة ما اتغسلش .. ما تنسيش تكسحي الرخامة ..
فين القلم اللي كنت حطه جنب التليفون؟
انا مش لاقي الميموري ستيك بتاعتي .. إيه القرف ده .. لما أنادي عليكي تسيبي اللي في إيدك و تيجي جري!
: يا الله شهلي .. يااااااااااه .. لسة لأرض ما اتمسحتش!
: نسيتي تكوي المناديل .. ما الهانم ما عندهاش وقت تشوف طلبات جوزها
: لا حاضر حالاً يكونوا مكويين

لكن الكارثة الأولى ظهرت يا تيتة.. عندما وجد الأب على موبايل إبنه الكبير صور فاضحة لذكور يمارسون اللواط
هنا فقط قرر الأب إحضار خادمة لزوجته لتساعدها .. لتتفرغ هي لتربية أبنائها .. كما أحضر لها دريور- سائق-
أما الأم فظلت وفية لقناعتها بأن له و لهم رب يصلحههم .. و تسلحت بالدعاء له و للأبناء بالهداية و حسن الخاتمة..
فختمت لزوجها بسرطان في العظم و تلف في الكبد .. و جائها نادماً يا تيتة
:أرجوكي سامحيني .. أنا ظلمتك كتير .. و أهو .. ربنا قدمني ليكي .. بيضة مقشرة .. و مهروسة.
: استغفر ربنا .. ده ربنا بيحبك و عايزنا نقرب له .. دي منحة من ربنا.. مش محنة .. و أنا عن نفسي بادعي ربنا يقدرني على حسن برك .. و تكون راض عنا.. شيل من دماغك إني ممكن أرد الظلم بظلم.
: كمان حسن بري .. أرجوكي سامحيني .. نفسي أسمعها من قلبك
: مسامحاك من قلبي.

Presto Politics

لا أدري - يا تيتة - هل كثر هم أم قلة من يعيشون في البيت كحكام و في الشارع كمعارضة !
في المنزل " نظيف " و في الشارع " أيمن نور"
لقد قام أرباب البيوت .. بتأنيث رعيتهم داخل المنزل .. فأنثت حكوماتنا الشارع العربي بأكلمه.
لقد نفذت حكومتنا السياسات التنفيسية
Presto Politics
فقلدهم أولياء البيوت.. حتى أننا و بسهولة نستطيع سماع صوت الدخان الصاعد من الطناجر البريستو داخل بيوتنا العربية كبصيص مسموح من الحرية.

ربما هذا ما أسعدني يا تيتة عند سماع قرار تمديد العمل بقانون الطوارئ في مصر .. لأن بيوتنا العربية حافلة بقوانين الطوارئ .. والحل يبدأ من داخل البيوت .. لأن الحكومات الذكورية لم تأتي سوى من أرحام البيوت العربية.

كبير زناة الماكس

هل حكيت لك يا تيتة من قبل عن هذا الذكر؟
لقد كان كبير عتاة الزناه في حي الماكس بالأسكندرية .. لم يترك أنثى ثيب كانت أو بكر .. أرملة كانت أو مطلقة أو حتى متزوجة و لعوب .. خادمة .. مخدومة .. طبيبة .. ربة بيت أو داعرة إلا و هاجمها..

الشاهد أن هواية الزنا قد تملكته، فكان يتحرش بأي أنثى تضعها الأقدار في طريقه.. و كان يحدث أن تأتيه إحداهن فتخبره بحملها !
فيتأرجح رد فعله بين العنف و التوازن - بحسب مركز الأنثى - في ضرورة التخلص من الجنين .. فيأخذ زانيته و يذهب بها إلى طبيب تحت السلم .. فيجهضها دون السعى لمعرفة نوع الجنين .. ذكر كان أو أنثى!

أما إذا فلت الموضوع من يده و لم يعرف بالسفاح إلا في وقت متأخر ..
و فشل الطبيب في عملية الإجهاض .. فكان الموضوع بالنسبة لهذا الذكر لا يمثل مشكلة البتة .. فقد كان ببساطة يرمي بالأجنة و الأطفال – ذكراناً و إناثا - في أقذرها سلة قمامة ..
أما إذا حدث السفاح في رمضان .. فكان قلبه الورع يحثه على إلقاء الوليد أمام ملجأ للأيتام .. مراعاً للشهر الفضيل!
و بعدما شاخ و مل الزنا .. قرر كبير زناة " الماكس" أن يستقر و يتزوج..

إنه يخلف يا تيتة؟
خلاص .. نو مور سبارم..
دكاترة و داخ على العيادات .. أدوية و تناول برجعات مركزة..
عمليات دوالي و سوى.. حقن مجهري و حقن .. أنابيب و ملأ و عبأ..
إلا أنه لم يوفق في أن ُيرزق طفل حينما قرر – أخيراً - عدم رمي فضلات مائه المهين في سلة المهملات..
هل يقف عاجزاً؟
أبداً .. لقد وجد أن الحل كان أبسط مما تخيل .. فذهب لإنتقاء طفل من أحد الملاجئ التي إعتاد على رمي سفاحه فيها .. ذهب ليتبنى طفل..
و إشتراه ذكر لا أنثى .. طبعا لم يكفله .. بل تبناه .. فلا يعني هكذا زان .. إثم التلاعب بالانساب.. لكن يعنيه حجب من يحق لهم الميراث في عائلته و عائلة زوجه.
نخلص إلى أنه كان هناك تحالف من أناث و ذكر بالغين في التلاعب بصغار الإناث و الذكور.

ليراتُكَ الخمسون
تُضحكُني
لمَن النقودُ .. لِمَنْ ؟
لتُجهِضَني ؟
لتخيطَ لي كَفَني ؟
هذا إذَنْ ثَمَني ؟
ثمنُ الزنا يا بُؤرَةَ العَفَنِ
" نزار قباني .. بتصرف"


وحشي

* يا تيتة :
زمان كنا نسمع عن تحري الناس لتزويج أبنائهم مبكراً.. لتوفير الحلال و لحرصهم على الشرف و عفة الأبناء ..
عارفة حضرتك أننا نعيش أيام .. الأمهات بتطنش طنااااااااش على موضوع زواج أبناؤهم الذكور.. و تظل الأم – الأنثى- من دول .. ملاحظة و عارفة بل و متأكدة أن إبنها إما يزني زنى صريح .. و إما زني بورقة عرفي ..
أو ربما يمارس الحرام بشتى صوره.. صور بورنو .. فيديو كليبات خليعة أو أفلام إباحية على الفضائيات و النت ..

لكن تظل الأنثى الأم تتسلح بالصهينة .. حتى أنه قد يصل الأمر بقيام نوعية من الأمهات بإدخال الخادمة على إبنها .. و تتلفظ بمصطلح غريب جداً تتبعه بضحكة تنبئ أن هذه الإنثى لم تعرف الله يوماً حق المعرفة..
تقولك: خليه يغير زيت!

كما أن غض الطرف عن موضوع قيام الأبناء بعملية الإستنماء حقيقة تشين مجتمعنا .. فهي تغض الطرف عن أي حرام..
لأن مصيبتها الوحيدة أن يقع إبنها في فخ الزواج الحلال.

بالطبع لا أسعى للتعميم يا تيتة .. لكن فرضية وجود نسوة أو أمهات بهذه الأخلاق ليست من بنات أفكاري و لكنها من رحم مجتمعنا ..
إن الأمر يصل أن هناك فئة من الأمهات تفضل أن يزني الإبن مليون مرة .. عن أن يفاتحها برغبته في الزواج الشرعي على سنة الله و رسوله!

فهنا تقوم قيامتها و قد تهيج و تصول و تجول و تصرخ كأنها فقدت صفي لها و لا تترك سلاح إلا و تستخدمه حتى الدموع و قلبي و السكر و الضغط و كليتي و الديسك و قولوني .. فإنهيار وإغماء ثم تفيق لتزأر كأنثى الأسد.

: عايز تجيب لأمك حتة بت مفعوصة تبهدلها - و تشد خصلة من شعرها - في شيبتها!
: عايز تتجوز و تتهنى و لسة أختك الصغيرة ما جالهاش العدل.
: عايز تفرح و تتهبب و أنا طظ فيا..
: منين يا ابني .. ما أنت عارف البير و غطاه.. و بعدين ..أنت لسة صغار ما جيبتش الأربعين!
وبالطبع لا يكون الإبن الذكر مندهش من هذا المشهد بل متوقعه .. فيحاول تارة و يستجدي تارة و يتسول تارات..
: يا ابني ده أنا ربيتك وكبرتك و علمتك و بعدين في الآخر يقولوا : ربي يا خايبة للغايبة!

و فرضاً أنه وقع في المحظور و تزوج .. فالسيناريو سيكون كالتالي:
يوم العرس ستصاب بأزمة قلبية و تصمم أن أحداً لا يصاحبها للطبيب إلا حمادة!
فرضنا أن الزوجين سافرا في أسبوع عسل - تليفونات بقه يا تيتة و إلحق أمك حاولت تنتحر مرتين .. و يا تلحقها و يا ما تلحقهاش -
فيضطر العرسان لبتر أسبوع العسل .. و الذهاب للأم..

: أهلا يا بني عامل إيه .. كنت هاموت يا ضنايا قبل ما أشوفك .. لكن ربك ستر و لحقوني على أخر لحظة .. ما تبقاش تسافر و تسيب أمك .. ابقى خللي بالك من إخواتك .. أصل أخوك عمل حادثة و العربية محتاجة تتصلح .. وستك أم أبوك دخلت الإنعاش إلحقها الله يسترك .. و عمتك الغالية بنت الغالية إطلقت.. و بنت أختك محتاجة نقل دم .. و خالتك متخانقة من بوز الإخص جوزها و سابتله البيت .. و أبوك بيبصبص على كبر و ما تمرش فيه.. و السكر ضرب عند جوز أختك .. و جارنا بيفيص .. إلحقه ..
لكن قللي إتبسط في شهر العسل .. عيش و إتهنى يا حبيبي .. و لا يهمك .. ما تشغلش بالك بينا!

لا يا تيتة .. أبدا ليس مجتمع ذكوري.. بل مجتمع وحشي!
إنه مجتمع ينجب كلاب يسمنهم أو بقر يحلبهم .. و الفرضية الجنسية هنا لا دخل لها بحال.
نحن نعيش مجتمع إذا وجد في الدين آية تساند مصالحه روج لها .. و إذا وجد حديث يعارض مكاسبه أنكره.

أما عن الله في حياتنا .. فموجود يا تيتة .. موجود..
فنحن و بفخر .. نخصص له شهر كامل من عامنا .. يكون موسم لإحتفالية دينية .. نصوم نهاره و نقيم ليله .. و للله كتاب نختمه له.. بدل الختمة إثنتان بل ثلاث أو يزيد .. أما سوى ذلك من شؤون دنيانا .. فهي ليست لله .. بل لقيصر .. و الحكمة دعتتنا أن نترك ما لله لله .. و ما لقيصر لقيصر.. ونحن - إناثاً وذكرانا – حكماء يا تيتة..
و أعتقد أن كثيرا منا إذا وجد نملة .. سحقها بقدميه، أما إذا رأي صرصار فلن يحترم ذكورته .. بل سيفعصه بالأخرى!

تيتة :

قبل يوم من عودة ياسر من السفر .. إتصلت بشركة للتنظيف، أرسلت لي عاملتان أسيويتان قامتا بتسوية البيت و كأن شيء لم يكن .. و في يوم العود أولمت لزوجي البحر ..
بدأت ب " أوردفرات " سومون فيميه بالزبدة و الزيتون .. و طاجن كاليماري بالفلافل الملونة و الجبن الباراميجان .. و بوري مشوي و جمبري و سومون و كنعد جريلد و أرز بالبحريات ..
لكن تراني يا تيتة مارست سطوة أنثوية عندما عزفت عن شراء الكابوريا لأني لم أجد سوى ذكورها و كنت أفضل إناثها طمعاًً في البطارخ !
المهم يا ست الستات .. جاء يوم العودة .. فأرسلت لزوجي رسالة هاتفية و هو في محلق في السماء

" يا ياسر دخلك عود .. بيكافي غياب و سفر"

و اصطحبت أولادنا كلهم - شفعة - أقصد لينتظروه في المطار و كان اللقاء تموزياً حاراً لا دخل له بتشرين و مع ذلك سمعته يقول
: شيطانة
: لا يا داليا أنا ما قلتش شيطانة
: انا سمعتك قلت شيطانة
: ما تقولنيش كلام ما قلتهوش
و وصلنا البيت و إبتلع ياسر الوليمة و رجعت ريما لعيشتها القديمة.
الترولي في قبضة ياسر .. البقشيش من يد ياسر .. دخول المطبخ بإذن .. التجول في البيت بحساب و الغسالة بمواعيد و أنا بأختفي و الأمن مستتب:)!

لكن أعتقد أن غيابه جعلني أشعر أن وجوده أغلى عندي بكثير من القبض على الترولي و بسط البقشيش و السيطرة على الريموت و التحكم في الغسالة..

لكم يرينا البعد الصورة بشكل إنطباعي أعمق و أفضل ..
و كم ترينا الحياة نماذج تجعلنا نثمن ما بين أيدينا و ندعو الله ان يمتعنا بما أودعنا .

و تمر بنا الحياة في الغربة .. نتعلم من البعد و نطوق لقرب الوطن الذي نشتاقه أكثر كل يوم ..
و نظل نفكر في يوم العود .. نحتار ..
رغم انه لا سبيل لنا لنختار..
و لكن هل من عودة للوطن عن قريب يا تيتة ؟

كثير ما أتخيل نهايتنا في الغربة .. أفكر في أولادنا كيف سيعيشون بدون أهل في قطر .. و هل سيعودون للوطن مرة أخرى أم سيستوطنون الغربة؟

أظل أفكر في المقادير و كيف و أين ستضعنا و أتوهم أشياء منها ..
هل سندفن في مصر أم في قطر؟
هل سينتهي الأمر بإستمرار الرسائل .. لكن من محمود لإبن خاله عمر؟
هل سيعاني أبنائي من بعدي؟

ليتهم يدركون أن السعادة ما هي إلا رشة من رذاذ عطر ما أن يقع على أيدينا .. ننتعش للحظات.. و قد تدوم ظاهرة السعادة كما يدوم العطر لدقائق .. بعدها يظل العطر ملتصق بنا .. لكننا لا نشعر بطيب رائحتنا..
و نسعى للبحث عن المزيد من رشات العطر و رذاذه و نعم الدنيا .. حتى يدخل علينا أحد من الخارج .. و يخبرنا أن رائحتنا عطرة و أننا سعداء .. فننكر ذلك .. ثم نقرب أيدينا من الأنف لكي نشمنا .. و نتأكد أن رائحتنا طيبة و أننا سعداء و أن ما بنا من عطر يكفينا..

أخشى أن يظل أبنائي يلهثون بحثاً عن المزيد من رشات العطر و رذاذه .. دون أن يكلفوا أنفسهم عناء مد الأيدي إلى الأنف ليدكروا كم هم معطرون و سعداء.

سأتركك الآن يا تيتة لأصلي ركعتين لله .. فبذكر الله تطمئن القلوب عليك و على أمي و زوجي و أبنائي و وطني و نفسي.
بوسيلي نفسك يا تيتة و دعواتك يا أطيب قلب و سلامي للعائلة كلها يا عميدة العائلة .. وربنا يطولنا في عمرك و يعيطي الصحة يا رب و كل سنة و حضرتك طيبة بمناسبة عيد الأضحى.

حفيدتك
داليا الحديدي
28 نوفمبر 2008
الدوحة - قطر

8 تعليقات:

  • في 11 ديسمبر 2008 في 12:11 ص , Blogger أسما عواد يقول...

    ياه كل ده
    داليا انا موش عارفة أقولك إيه ولا أبدا منين
    اناقضيت البوست بتاعك بكاء
    وبالرغم من كده اشكرك على هذه الجرعة من الإنسانية التي أشعرتني بآدميتي
    المواقف... الحوارات... الآلام ...
    الأفراح
    الحنين .. الغربة الاغتراب الغرابة الإستغراب ..
    أنا ممن سمع لديهم هذه البوست ليس فقط لتشابه الكثير من الاحداث والاحاسيس والأفكار التي اقراها مع ما أملك منها ولكن أيضا لأني ممن عاش نفس الأزمة
    ممن تمزقت مشاعرهه ما بين أمين
    ام ولدتني وأم ربتني
    أن يكون لك وطننين شيء جميل في أشياء كثيرة ولكنه ممزق عندما تجبرين على الحرمان من احدهما
    عشت طوال عمري في الرياض ولا أستطيع ان اراها ولو لمرة واحدة من جديد
    اسمحي لي قريبا جدا ان لم يكن اليوم سأخصص بوست جديد لمدونتك الرائعة واتمنى ان يدوم التواصل بيننا

     
  • في 11 ديسمبر 2008 في 1:38 ص , Blogger أسما عواد يقول...

    اناهنا مرة اخرى كي أقول اني كتبت بوست جديد عن مدونتك
    تحياتي وشكرا

     
  • في 13 ديسمبر 2008 في 10:34 م , Blogger سافروت يقول...

    سيدتى الفاضلة /

    ارفع لك قبعتى تحية ...

    اذا كانت الكتابة موهبة فأن ما كتبت يفوق حد المواهب....

    واذا كانت القرآة متعة ..
    فأن ما قرأت يعلو حواجز المتعة ..

    اشكرك بعدد سطور ما كتبت
    واتمنى لك المزيد من السمو والرفعة ..

     
  • في 14 ديسمبر 2008 في 1:00 ص , Blogger أسما عواد يقول...

    ياه كل هذا الغباء
    لقد اكتشفت الآن فقط ان صاحبة هذه الكلمات هي اللتي رحلت وان كاتب البوست هو ابنها
    لا أعرف ماذا أقول
    ستابع قراءتها
    فقط هذا هو كل ما أستطيع فعله
    "اليوم أعرف أن الحياة تبرينا لتقصف عمرنا كما قصفت أعمار أهالينا .."
    هذا ما أكتشفته انا أيضا
    شكرا لكلماتك ورسائلك
    ملحوظة :
    هل يمكن أن تحذف الحروف الإنجليزية في تأكيد كتابتها لنها تعيق عملية التعليق

     
  • في 14 ديسمبر 2008 في 3:53 ص , Blogger أسما عواد يقول...

    اه
    ربما للمرة الثانية اكتشف اني غبية هذا اليوم
    عملت سيرش على النت واكتشفت ان هذه الرسائل والمدونة هي عبارة عن كتاب كامل ولا علاقة له بالموت وان الرسالة عن موت الكاتبة هي جزء من الكتابة
    اعتذر

     
  • في 17 ديسمبر 2008 في 12:59 ص , Blogger hasona يقول...

    a;vh

     
  • في 17 ديسمبر 2008 في 12:59 ص , Blogger hasona يقول...

    تختلف الاحاسيس والمشاعر
    لكنها تتوحد دائما عند الالم

     
  • في 18 أغسطس 2016 في 6:51 ص , Blogger Miss lummom يقول...

    هل انت بحاجة لجمع المال لتغطية تكاليف الرعاية الصحية أو دفع الديون أو في حالة من الانهيار المالي؟ انتظر! النظر في بيع الكلى الخاص باعتباره الخيار. إذا كنت ترغب في بيع الكلى الخاصة بك today.Message لنا immediately.A يتم شراء الكلى لأكبر قدر ممكن من $ 808،000.00US دولار. المؤسسة الوطنية للهو شراء حاليا الكلى صحي. اسمي الدكتور ريك، أنا من أمراض الكلى في المستشفى الوطني في الكلى. مستشفى المتخصصة في جراحة الكلى ونحن ايضا في التعامل مع شراء وزرع الكلى مع لقمة العيش متبرع المقابلة. نحن موجودون في الهند، كندا، المملكة المتحدة، تركيا، الولايات المتحدة الأمريكية، وماليزيا، وجنوب أفريقيا الخ. إذا كنت ترغب في بيع أو شراء الكلى من فضلك لا تتردد في الاتصال بنا عن طريق البريد الإلكتروني: doctorcollins3@gmail.com أو whatapp لي على + 2348108439977
    تحتاج حقيقي للمانحين
    انتظار يستجيب بك ....
    تحياتي الحارة….
    الدكتور كولنز

     

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية