رسائل من الدوحة

متغربين إحنا.. متغربين آه.. تجري السنين و إحنا .. جرح السنين.. آه.. لا حد قال عنا خبر يفرحنا و لا حد جاب منا كلمة تريحنا .. تريحنا

الجمعة، 19 ديسمبر 2008

الرسال 13.. 2008.. " لون حياتك يا عمي "


بسم الله الرحمن الرحيم

عمي الغالي أنكل ناجي:

تحياتي لكم من قطر و بعد...
و الله وحشتني و كلي أمل أن تشعر بحجم اشتياقي لكم .. كما آمل ألا تحمل علي لندرة رسائلي .. و علي يقين أنه لا حاجة لي لسرد أعذار و ذكر مشاغل خاصة عقب عملية وضعي – قيصرية - كالعادة .. و على أي حال، فأنا أعتبر تقصيري في الكتابة لكم هو عقوبة لي شخصيا .. فمراسلتكم هي احتياج و بحق.. و ها أنا أكتب لكم طوال الليل و حتى بزوغ الفجر.


" نون"
"ن ناهد .. ن ناجي .. ن نجوى .. ن ناريمان .. ن نللي"
تعلم يا – عمي – قليلة هي العائلات التي تنتقى حرف معين، تؤثره عن سواه بمنحه شرف الحصول على أول حرف من حروف أسماء أبنائهم .. و لا أشك أن اختفاء "حرفي نون" من أبجدية العائلة تعني اختفاء معاني جميلة في حياة الأسرة.
أعزيكم في تانت ناريمان- البقاء لله- اللهم أدخلها الفردوس الأعلى دون سابقة عذاب أو حساب.
رغم أن الحكمة تدعونا "ألا نحزن" إلا أني و الله لا أجرؤ على التفوه ب" لا تحزن".
كيف تلقيتم خبر وفاتها يا أنكل ؟.. أكيد هناك من اتصل ليخبرك.
عارف حضرتك..
لم توقع يوماً أن تموت عمتي و أنا في قطر .. بعيدة عن أهلي – و ذي قلتي- ثم أني لا أشك أنه أمر بالغ المرارة أن تتلقى خبر وفاة أكبر أشقائك و أصغر شقيقاتك عبر اتصال هاتفي و أنت في غربتك في "مينوسوتا" بأمريكا!

يا سبحان الله.. لم نتمكن من الوقوف معها في آخر أيامها أو مساندتها.. و لم و لم و لم و لم .. حتى إننا غبنا عن الصلاة علي تانت ناريمان!
و أكثر ما يغيظ يا - عمي- أن تجد من يتوهم أنه يسلي عنك بمقولة " لا تحزن" أو صلي عليها صلاة الغائب!
ليتني أغيب ذوقيا للحظات لأتمنى لأصحاب هذه المقولة أن ُيصلي عليهم ذويهم أو ُيصلوا هم على أصفيائهم صلاة الغائب!

" المصاري"

* لفترة – يا عمي- ظللت أتصور خناقة افتراضية مع طبيب مستشفى دار الفؤاد حيث توفت و الذي أخبرها أنه باقي لديها أيام قليلة و تنتهي!
(هل يصل الصلف لهذا الحد؟!) و على من نحزن يا عماه ؟!
على من انتقلت إلى رحمة الله .. أم نحزن على الطبيب الشهير الذي نزعت الإنسانية من قلبه وقرر أن يدفع مرضاه ضريبة شهرته!!

مؤكد سمعتم يا أنكل عن ضريبة الشهرة.. لكن يبدو أن وزير المالية المصري يوسف بطرس غالي، لم يسمع عنها بعد .. و إلا، كان فعلها .. وحول المجاز لواقع ضريبي جديد.. ليت يدفعه هذا الطبيب الشهير..
فليوسف غالي سوابق شتى، فمصر في عهده أصبح لها كثير من ال
Exclusives Taxes
فهي ضرائب – حصرياً - من إبداعاته خاصة العقارية الأخيرة!
و أرجو أن توافقني - يا أنكل - أنه ليس اعتباطاً أو صدفة ًأن يحمل الدكتور" يوسف " و الذي يقف على خزائن مصر في هذه السنين العجاف اسم سيدنا " يوسف" عليه السلام .. ولكن شتان بين ثمار اليوسفي!!
أحدهما أنقذت الشرق الأوسط من الجوع و الفقر و العوز و الحزن، حتى أن أهل الشام و حتى يومنا هذا لا زالوا يطلقون على النقود اسم " المصاري" لأن الخير كان ينبع من مصر ..
و الثمرة الأخرى قادتها إلى طوابير الخبز و أزمات.. أزمات .. أزمات مؤلمة و حزينة زمات أزماتأزم لا حصر لها! حتى إن أحد معارفي الفرنسيات أخبرتني مشكورة أن مشاهد "جياع المصريين" المادين أيديهم طلبا لرغيف خبز .. مصورة بكاميرات " السي أن أن " ذكرتها ب" ليميزيرابل" و الغوغاء و الرعاع في رائعة هوجو "البؤساء" حينما صور مأساة فرنسا في أحط عهودها !! فكيف لا نحزن؟!
ربما يكون الحزن غير مجدياً .. لكن يقينا لا مجال للفرح؟
عموماَ، هنا أتحدث عن ضريبة الغربة و التي ندفعها بالفعل.. و يدفعها سوانا من المغتربين .. ندفعها هنا في قطر .. و تدفعوها أنتم هناك في أمريكا... بل و يدفعها المصريون في عقر مصرهم!!!

دعاء السفر

* و لكن هل لا زلت تشعر بالغربة و أنت خارج مصر؟
*ألم تتأقلم بعد مع ثلج شتائهم و أمطار صيفهم وأحوال طقسهم و شتى طقوسهم؟
* و في زياراتك لمصر، ألا تشعر بالغربة؟
*و هل يتسع صدرك لنصائح الأهل والأصدقاء بأن الضرورة تحتم بال لاعودة للوطن و " خليك عندك أحسن"!
* و– من الأساس- هل تبقى من صدقاتك القديمة في مصر شيء أم صادرتها الغربة؟
* وهل انتابتك حالة اللا فرح و اللا حزن– اليوباسيك- أي الغير معرفة السبب كما ينعتها الأطباء ؟ تراهم يعرفون السبب و مدكنين؟!
* و هل ضبطت نفسك مرتاحاً خارج وطنك سواء و أنت تمشي في شوارع الغربة النظيفة أو و أنت تحصل على رعاية طبية لائقة أو أو أو...؟!
* و هل توجست مرة خشية أن تعود لوطن لا يريدك؟
* و هل ضبطت نفسك مرة تسأل تانت نهلة و أنت في مصر:" امتى بقه نرجع ؟ خلاص الواحد تعب و عايزين نستريح في البيت .. الأجازة طولت و رزلت ؟!"
* وفي أي اتجاه للطائرة، تستكمل دعاء السفر" تائبون .. عابدون إلى ربنا راجعون" و أنت عائد إلى "مينوسوتا" مقر إقامتك ومهجرك و موطنك الجديد أم وأنت قادم لمصر بلد المنشأ؟!
* و هل إتصلت من مهجرك ذات مرة بقريب من الدرجة الأولى فرد عليك: أيوة يا فندم مين حضرتك؟!
* و هل تتذكر مثلي أغنية " الحدود" و أنت محلق في الهواء الإقليمي الملوث بأتربة الذكريات؟

و أحنا فايتين علي الحدود
مستمرين في الصعود

اختفى النيل الجميل من تحتنا
والمدن والريف وأول عمرنا

و ابتدى شيء ينجرح جوه الوجووووود
و ابتدينا أسئلة مالهاش ردووووووود

ميلنا على الشباك نخبى دمعة فرت مننا
ميلنا على الشباك نخبى دمعة فرت مننا

شوقى زاد للعشرة والناس العزاز
و ابتديت أكتب وأنا فوق السحاب
أبتديت يا حبيبي في أول جواب

من مغتربة إلى مغترب

* وها أنا اكتب لك الجواب.. أكتب من مغتربة إلى مغترب و أسألك :
* وماذا عن أحمد بن عمي في الغربة؟
* وهل تأقلمت هبة حينما بدأت سلسلة هجراتها "الميمية "؟
منصورة .. مينوسوتا.. مينوسوتا .. مكة عقب زواجها ؟
و ماذا عن إيمان؟ هل تجد صعوبات في تربية ابنتها الجميلة جومانة بأمريكا؟
* لقد تذكرتكم جميعاً منذ يومين حين التقينا ياسر و أنا، بمهندس سوداني عند قيامنا بدفع فاتورة " كيوتل"، تذكرتكم حين أخبرنا الشاب السوداني أنه أوشك إنهاء أخر صفحة في كتاب غربته.. و شرع في عد الليالي، كونه على بعد أيام من مقابلة والديه الذي عاش ما يزيد على عقد من الزمان دون رؤيتهما..
فقد سرقته سنوات التعليم في الهند.. و نهبته أعوام الماجستير في ماليزيا ..
و قضت عليه أحوال العمل في قطر..
و لكنه ها هو عائد أخيراً " للوطن" لأنه وجد فرصة عمل في السودان بمزايا أفضل من المتعاقد عليها في قطر.. و أخبرنا أن أوضاع السودان قد تحسنت.. و أن البترول ظهر و" زهزهت".. و أن عدد كبير من سودانيي المهجر قد عادوا للوطن أو في طريق العود.
" البدون"
أنكل:
* كدت أقسم ألا يحتمل إنسان طبيعي، العيش عقداً دون رؤية الأقربين، ثم فوجئت أني لم أرك منذ سبع سنوات ولم أقابل أحمد بن عمي و لا إيمان و هبة بنات عمي و لا حبيبتي تانت نهلة منذ ذات الحين! كما أن الأوضاع في مصر لا تبشر بأننا سنجتمع عما قريب .. بعكس الحال في السودان .. أكرر .. السودان.. الجار الشقيق اللصيق..
حقاً فإن الأيام دول .. و ماله.. جايز، يمكن،احتمال!

* ألا توافقني أن خبرية كهذه تبعث على التفاؤل.. فأستطيع بلسان صدق أن أدعي أنه لا داع للحزن و التشاؤم!! و أنه من فتحها على السودان قادر على فتحها على مصر!
لكن أخشى أن يكون الموضوع برمته" كذبة بيضاء" و الرجل سرح بنا .. خاصة عقب سماعي لأخبار محاكمة البشير! و على العموم كله غير مؤكد.. يجوز .. يمكن .. احتمال.

مش دى بطاقتى وده رقمى القومى ودى الحقيقة وده الخيال
ومش دي الخريطة ودي المدينة وكده يمين وكده شمال
مش ده اتوبيس ودى عجلة ودول حمير.. ودول جمال
مش ده عمى ودى أختى و دول صحابى.. وده كمال
مش ده شارعنا وده بيتنا وده جوزي .. ودولا العيال
مش ده الوطن وده المواطن وده التاريخ اللى إتقال
أمال ليه كل ما اروح فى حته و أسأل سوأل
يقولولي: جايز .. يمكن .. احتمال.
(على سلامة) بتصرف

* مرة أخرى أفاجأ بكوني لم أحضر زواج إيمان ابنة عمي و لم تتح لي رؤية حفيدتك الجميلة "جومانة".. كما أنك لم تتعرف على أولادي سوى في الصور.. و أنا أيضاً لم أشارككم .. لا في حفل تخرج هبة و لا في زفافها..
و أعتقد أني حتى لو التقيت –بأحمد- فلن أتعرف عليه.. أكيد كبر .. أما الخزي حقاً .. فهو غيابي عنكم أثناء قيامك بثلاث عمليات قلب .. و في النهاية تجد من يختزل الأمر في " ضريبة غربة"! و تجد من يتطوع بالنصيحة الغالية : لا تحزن!

*عمتي تنتهي و أعجز عن الذهاب للتعزية و لو كالضيوف الأغراب .. و يقال لك " ضريبة غربة "! لا تحزن.. و بعدين مجيتك ذي قلتها!

على فكرة، أنا مشفقة على حضرتك من أي زيارة " للمنصورة" بعد وفاتها.. لأننا ندفن أجزاء منا .. إذا ماتت بعض من دمائنا.
إلا أني أشفق عليها أكثر.. فقد انتهت تانت ناريمان الشابة الجميلة الرياضية و اختفت من الأرض.. برصيد 54 سنة .. لا نعلم هل أعوام السعادة فيها مساوية لسنوات الحزن و الألم مع مرض احتكر إبادة المصريين! (جملة فيها مبالغة كالعادة).

رحلت بدون!!
* بدون أبناء ينعون و يبكون و يفتقدون و يحزنون !
ألا توافقني أن الحزن هنا مندوب؟ الم يقل الحق" (وما بكت عليهم السماوات و الأرض).. إذن يحق لنا الحزن و يحق لأصفيائنا أن ُيحزن عليهم.. و كيف لا نحزن؟!

* بدون تحقيق أمنياتها في العمل مستشارة بالمغرب! و حزنت على هذه حتى رمدت عيناها .. و أذكر أني حين زرتها لأواسيها ..قالت:
: اوعي تحزني يا داليا أبداً.. الحزن كان هيضيع عيني.. ثم سكنت قليلا وأردفت: طب ما تعرفيش طريقة تخللي الواحد يبطل يحزن!"

شلة طماعين

* بدون .. " كالأغراب البدون " في الوطن .. بدون إستقرار بدون راحة و بدون أمان.. شأنها شأن باقي "البدون" المصريين "الحزانا " مقيمين أو مغتربين أو ناويين ركوب سفن الهجرة المحرمة –
لقد وصموها بالغير مشروعة يا عمي - كما و أصدروا فتوى بأن المهاجرين الغرقى ما هم إلا "شباب طماع".. أي لا داع للحزن عليهم! -أخرتها طلعنا شلة طماعين!
* بدون مالها الذي لم تتركه لأبناء لها.. و مع ذلك تحاسب عليه.. بل و وجدت من حسدها على عدم الإنجاب ( يا بختك يا شيخة .. عايشة عصرك الذهبي ..أسكتي د العيال ما بيجيش منهم غير الهم و الغم )!
* بدون أن تجد من يتمسك بها تماماً كال "بدون" المقيمين في الكويت.. رغم أنها كانت متمسكة و بشدة بالحياة و مصارعة عنيفة للمرض و بالفعل كافحت كي ..
كي لا تحزن!
* بدون أي شيء .. و المحزن حقاً أننا جميعا سنرحل بذات البدون!

عمي:
* هل لاحظت أننا حينما نفقد صفي لنا؟ .. نشفق على أنفسنا .. و نعدد ما فقدناه نحن.. نهول مصيبتنا نحن .. رغم أن الفجيعة الحقيقية هي للفقيد.. هي لمن فقد حياته.. هي لمن رحل عن هذه الدنيا!
لكننا - كأحياء – نؤثر ذكر ما فقدناه .. و كيف كان -الفقيد- يعني لنا الكثير!..
و إذ فجأةً، يتحول المرحوم للسند و المستند و الظهر و الرأس و المخ و العضلات والحاضر و المستقبل و تاريخ الماضي و البوم الذكريات بضحكاتها و آهاتها!

عمي الغالي:
* لقد راجعت رسالتي الأسبق لوالدي - رحمه الله - ووجدتني أرثيني لا أرثيه.. أشقق علي لا عليه .. أتحسر على حالي لا على حاله.. رغم كونه هو من فقد حياته .. رغم أنه هو الذي انتهى .. رغم أنه هو من بدأ الحسيب حسابه .. رغم أنه هو من يحتاج إلى الدعاء و مع ذلك كنت أفتقد من كان يدعوا لي..
و يبدو أننا نستريح لمقوله " لقد استراح من الدنيا و أحزانها " دون دليل واحد هذه الراحة !
*اليوم تحدثت مع ياسر " عنه " و وجدتني أذكر حديث نبوي معناه أنه حينما تموت " الأم " تقول الملائكة للإنسان" اعمل فقد ماتت التي كنت تكرم من أجلها"
فقلت لياسر: إذا كان السماء ُتحسن للإنسان إكراما لأمه .. فإن الأرض ُتحسن له إكراماً لأبوه ..
و بموت الوالدين، يعتقد الإنسان أنه لن يفقد أكثر مما فقد .. فيموت عنه الأخ .. فيشعر أن بعضه قد مات.. ثم يتصور من جديد أنه لا يملك المزيد ليفقده! ثم.. ثم يتمنى ألا يكون هناك ثمة ثم!"
أكرر عزائي يا أنكل .. لكن هل يجدي عزاء في الغربة؟ أشك في هذا الذي أرجوه..

لا أرفض الموت لكني أسائله .. هل ذقت ما أنت بالإنسان فاعله؟
تأتي بلا شبح .. تسقي بلا قدح .. و كل باب – و مهما- أنت داخله!
(محمود حسن إسماعيل)


وطن بالإيجار
عمي الغالي :
أعتذر عن هذه البداية الحزينة في رسالتي ..
و الله كنت عازمة على هجر كل حزين في رسائلي القادمة تأثراُ بكتاب" لا تحزن" للدكتور" عائض القرني" والذي باع نحو مليوني نسخة! و أفكر جدياً في عدم النظر للوراء .. كما و سأنساق طوعاً لنصائح التفاؤل، خاصة أن هذا الأخير شعور دافع.. كما أني مقتنعة بأفضلية الهم بالمستقبل و البحث عن الجديد و التنقيب عن كل ما هو سعيد ..
مستجداتي
أنكل:
الفقرة السابقة إنشائية نوعاً.. لكن الغير إنشائي، هو قرار "أوبرا وينفري" تخصيص جميع حلقات برنامجها منذ التسعينات للتركيز على النماذج الإيجابية و السعيدة في المجتمع، ما أدى لارتفاع نسبة المشاهدة لبرامجها بشكل ملحوظ.. لأنها قامت بالإحلال، واستبدلت سرد المشاكل بطرح الحلول.

لذا، سأخبرك يا أنكل ناجي عن "مستجداتي" و لأبدأ بمستجدات محمود ابني.. محمود ابني كبر يا عمي.

محمود ابني َكبر
و في الصف لاول صار
شو عطوه أول درس؟
عطوه دور و دار
عاد و سألني الطفل:
إيش تعني ماما الدار؟!
قلت له: الدار.. يعني الوطن
و الدور.. يعني الجار

قال لي: غربتنا ماما؟
قال لي: غربتنا ماما .. وطن؟

قلت له : إي – ماما- غربتنا وطن
وطن .. وطن ..
لكن وطن بالإيجار!

(حسين البصيري) (حسين الجسمي)


حبايب آه .. نسايب لا !!

عمي الغالي:
هذا عن مستجدات محمود.. أما عن مستجداتي، فجميلة و الحمد لله.
فقد أكرمنا الله و وهبنا " كرمة " و لإثبات نواياي الجادة في مقاومة الحزن .. فلن أتحدث عن إنجابي في الغربة، فتستشف مسحة حزن اتفقنا على هجرانها..
و لكن دعني أخبرك أن الله قد أرسل لي مامي لتصاحبني أثناء الولادة.. ما أسعدني بشكل لا يوصف .. كما أن أرحم الراحمين حين وهبنا " كرمة " أكرمنا أيضاً بإنقاذها من الموت .. فقد ولدت و انتقلت فورا لوحدة العناية المركزة للأطفال .. و مكثت في حضانتها نحو أسبوع .. و- بفضل الله و كرِِِمِه - حقنوها بحقنة تسمح للرئة بالعمل .. والحمد لله فهي في حضني الآن.

* عقب ولادتي لكرمة - يا أنكل ناجي- بدأت أتوائم مع غربتي و بدأت أحب مهجري كما و بدأت أقتنع به.. خاصة أننا سمعنا عن حادث مستشفى المطرية في مصر.. الذي تسبب في موت خدج وحدة العناية المركزة الخاصة بألأطفال .. رغم أن الحادث لم يكن سوى انقطاع تيار الكهرباء عن أطفال يتنفسون صناعياً.. لكن المستشفى عجزت عن توفير مولد كهربائي!

هذا الحادث جعلني أنظر للوجه الأخر للوحة المهجر .. كما و قررت الشرب من نصف كوب الغربة الممتلئ .. فطردت هواجس قديمة كانت كثيرا ما تزرع الفتن بيني و بين غربتي.
فلطالما شعرت ككثير من المغتربين أني أفتح قلبي لبلد و كأني أقول لها على استحياء خفي: " تتبنيني يا قطر؟ "
فيكون ردها رافض .. صريح و جارح ": أنا مستعدة لأخذ ثواب الكفالة فقط ".. يعني حبايب آه .. نسايب لا !!

و لأني قررت طرد هاجس الرفض و ترك نفسي على الله .. فلقد ُنصِحت بضرورة أن " أعيش اللحظة " كي .. كي لا أحزن!
* أنا هنا في قطر .. و ليكن.
* أنا هنا مغتربة بعيداً عن أرضي ..
و من قال أن مصر هي أرضي ؟! كلها أرض الله .. ثم أن الرسول( ص) هاجر و اغترب .. كذلك فعل العلامة القرضاوي كما وتجنس و تقطور .. فعلام الحزن؟!
* و لكم سمعت من مغتربين .. أنهم كانوا يحملون معهم تاريخ أوطانهم.. ثم بعد فترة، صاروا يتحدثون عن حمل الجنسيات.. وفي النهاية، تحول الحديث إلى حمل جوازات سفر !!
* هل أخبرتك يا أنكل أن هناك من هم على استعداد لشراء جنسيات من أي دولة حتى لو كانت من "( ترينداند & توبيجو)! خاصة أن جواز سفرها كان في وقت ما بألف دولار؟!
*أما عن هاجس مسئوليتي في ترسيخ الهوية الوطنية لأبنائي .. ف .. ف فأبنائي مصريون على كل حال!
طبعاً "مصاروة" حتى النخاع.. حتى لو لم يمارسوا مصريتهم.. فمن قال أن الوطنية كاللغة، تحتاج لممارسة؟!
و لكن لماذا– يا عمي- أتوجس من" قلة حيلتي" حين يصل لمسامعي حديث محمود
" بطني بتعورني " أو " امشي سيدا " أو " لفي الدوار "أو" ديري بالك على حالك مامييتو"

* لماذا أتعجب وأنا ألحظ وجدان دانة.. و قد " تقطور" نوعاً.. وبدأ يتشكل خليجيا أمامي و أنا عاجزة عن " تمصيره "؟
* لماذا أقبل شراء دشداشة و غطرة و عقال لمحمود؟ و كيف لا أمنعه من لعب "اليولة" التي يعشقها؟
*و هل لي أن أحول بينه و بين حبه لفزاع و الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم؟!
– و الله بيموت فيه -!
* وهل استخدم سلطاتي لمقاومة ولعهما " بأم خماس" و "أم علاوي" و "أم سعيد" و سائر أبطال الكارتون الخليجي " الفريج "؟!
* و كيف أمنع شعور غريب ينتابني كل عام عند إنتظار موسم حصاد التمر.. ففي أواخر يوليو ..أستمتع بملاحظة العمال الهنود و هم يقومون بوضع الشباك الخضر على اغصان النخيل منعاً لوقوع الرطب على الأرض في أغسطس؟!
* و هل أستطيع منع " دانة" من الانسجام عند سماع أغنيات عبد الكريم عبد القادر .. راشد الماجد .. الجسمي ..أحلام .. كاظم و ميحد حمد ؟!
* و ليتك يا عمي تشاهد "الاثنان" و هما يقومان بعمل حركة جذب و حضن أطياف البخور و العود كي تقترب من أنفاسهما و ملابسهما .. هنا ستشعر أن أبنائي لا هم كاملي المصرية و لا هم أنصاف قطريين!
* لكن تعرف يا أنكل.. ياسر وضع نغمة " بلادي بلادي" على جواله ليعرفها أبنائنا.
* و ليتك لا تسمع ياسر و هو يعاتب زملاؤه متهماً إأياهم بأنهم لعوزوه لأنهم تأخروا في تطريش رسائل خاصة بالعمل؟! علما بأن تطريش تعني إرسال و اللعوزة هي المضايقة العمد أو التغليس.

منمنماتي

*عموما يا عمي فأنا يقينا أبالغ .. و إلا فلما َتقَبل أهلنا أن ننغمس في ثقافات أجنبية شتى رغم نشأتنا في مصر.. و لما لا يكون هذا الخليط الثقافي عاملاً لإثراء شخصية أبنائي و سبكهم بصنوف المعادن و أغلاها..لاسيما أننا في بلاد تصدر أثمن المعادن.
كما أن هناك الكثير الذي لا بد أن يربطني بهذه الغربة و يسعدني في هذا المهجر يا عمي.
* هنا في الدوحة، حبلت في أبنائي و في مشافيها أيضاً، أنجبت اثنين منهم.
* في قطر، سنن محمود و خطت دانة أولى خطواتها الرشيقة.. و في هذه البلد نطقا و لعبا و تسامرا و تشاجرا و تصافيا و في هذه البلد كبرا..
* في قطر ذكريات أسرتي الصغيرة.. لكن لا أعلم أين سيكون مستقبلها- العلم عند الله-
* لقد عرفتنا " أفرجة قطر".. حتى أني كثيرا ما "امشي في شوارع الدوحة و اشكي لها ".. ثم أتذكر شيرين عبد الوهاب!
* في كل مرة أمر على كورنيش الدوحة أو "حديقة البدع"، أتذكر يوم فقدنا محمود لمدة نصف ساعة مرت كدهر.. و أسترجع مشهد الضياع الحزين .. بدءا من زوغان بصري بحثا عنه ثم هرولتنا في الحديقة – ياسر و أنا - ذهابا و إيابا مرات و مرات .. و صدى صوتي المبحوح من النداء" يا محموووود" .. يجبر كل من بالحديقة بالبحث معنا .. حتى لحظة سعادتي بعثوري عليه أمام الكافيتريا .. فوقوعي على الأرض فرحةًً و إعياءً، فسجوداً ثم شكرا لله الذي أسعدني و رد لي أعز الناس.. ثم اتصالي بياسر على الجوال لطمأنته حيث كان يبحث في مكان آخر!
*من هنا في الدوحة، زرنا دول مجلس التعاون و منها انطلقنا لأداء نافلة العمرة ثم فريضة الحج وإليها عدنا و كأننا ولدنا من جديد.
*هنا عملت في جريدة" الرآية" ثم "الشرق "و" إسلام اونلاين" و "المجلة العربية "و مجلة الفرحة.. و هنا أيضا نشرت لي المقالات والقصائد في كثير من الدوريات الخليجية..
*هنا احتفظ بمنمنماتي الصغيرة التي طالما أسعدتني..
- خصلات شعر محمود مكتوب عليها تاريخ القصة..
- مشابك السرة التي وقعت لبناتي – و لأن محمود ولد في مستشفى السلام الدولي بمصر .. فلم أتمكن من الاحتفاظ بمشبكه.. فقد ألقته ملاك الرحمة في سلة المهملات دون أن تجد داع لإخطاري-!
- أول" هلا كارت "اشتراه لي ياسر ثاني يوم وصولي قطر- وجدته على الطاولة مع رسالة صغيرة اخبرني فيها بطريقة استخدامه للاتصال بمامي و بابي في مصر- كما اخبرني أيضا أنه لم يشأ إيقاظي و أنه سيتصل بي من مكتبه و ألا اشغل نفسي بموضوع تحضير الطعام رغم أننا كنا في رمضان .
- خريطة أهداني ياسر إياها لأفرجة الدوحة وضواحيها.. ثم ما لبث أن اتخذني أنا خارطته عندما لاحظ أني كوالدي- رحمه الله- وهبت "سرعة" معرفة دهاليز المدن!
و أعتقد أن شعور أي زوجة أن شريكها يأتمنها على مقعد يسار السيارة .. هو و بحق شعور طيب.. إلا أن الخارطة لا تزال في جيبي أو حافظتي .. لتذكرني أني أحتفظ بما يستحق السعادة! ( لا يكون واخدني على أد عقلي يا أنكل؟)
أرأيت يا عمي كيف نتوجس من أي فعل و أي فاعل خير !! رغم أني لو شئت اجترار" جرعة" سعادة من هذا الموقف.. لكنت صدقت" نزار و كاظم ":

"ما عادت خارطة العالم تعنيني"

- صورة تجمعني بياسر في نهاية الألفية السابقة.. كتبنا علي خلفيتها– و بعد مباحثات مضنية - مجموعة أسماء.. بنين و بنات .. علما بأننا لم نتمكن من استخدام الصورة لمدة ست سنوات كاملة!

- أداة لتناول "السوشي" تذكرني بدعوة مصالحة على "برانش" ب " أنيماتو" بموفمبيك الدوحة.
و غيرها من المنمنمات التي لا يسعني حصرها.. إلا أنها يقينا تذكرني أني اقتني ما هو جدير بالرضا والسعادة كما أنها تساعدني على تخطي أوقات .. الحزن.
و أعتقد أنك أيضاً يا عمي – كمغترب- لديك منمنماتك الخاصة بك.. والتي تسعدك على "السيرفايفينج".

عمي:

*هنا في مشفى" حمد "وضعت "دانة" و في " الأهلى" وضعت" كرمة" .. و في مولات اللاندمارك و" السيتي سنتر"اشترينا ملابس الأبناء و ألعابهم ..
و في "الفود كورت" و في جزيرة النخيل - قبل إزالتها- قضينا كثير من العطلات .. كما أن "سوق واقف" قبل التجديد شهد كثير من مشتريات مصاغي و هدايا الأهل و ملابس الإحرام البيضاء .. و بعد التجديد ، شهد الكثير من نزهاتنا..
* فذكرى دعوتنا لمامي في مطعم أصفهان الإيراني لن تنسى سوى بزهايمر من النوع الثقيل، فقد عشنا لحظات و كأننا في إيران في العصر الإمبراطوري .
هنا نسمع فيروز و نتناول فطور الفول و الفلافل و الحمص في مطعم "بيروت" و هناك تناولنا مرة الغداء في "طجين" المغربي و في قهوة "خريس" احتسينا "الموكاتشينو" و في مول " فيلاجيو " ضحك ياسر متعجباً من سؤال نادلة مطعم " لونوتر" : أين محمود؟! و كأن الصبي أصبح "
Public figure
و في مطعم" الأعظمية " بسوق واقف، عرفت أن أغلب مطاعم الشوام و بلاد الرافدين يقدمون ضيافة قبل و بعد الوجبة عبارة عن طبق سلطة قبيل الوجبة و صحن فاكهة بعده.. و كوب شاي بالنعناع في الاستكانة.. و في " الأعظمية" أيضا بهرت بسماع ناظم الغزالي يغني "سمراء من قوم عيسى" و سعدون الجابر.. كما سمعت أيضاً الجسمي يغني " كلمات جميلة لحسين البصيري:

علاوي ابني َكبر
و في الصف لاول صار
شنطوه أول درس؟
إنطوه دور و دار
رد و سألني الطفل:
إيش تعني بابا الدار؟!
جلتله: الدار.. يعني الوطن
و الدور.. يعني الجار

جال: غربتنا بابا؟
غربتنا بابا .. وطن؟

جلتله : إي –بابا- غربتنا وطن
وطن .. وطن ..
لكن وطن بالإيجار!

*هنا في الدوحة عملنا وهنا أيضاً كثيراً ما تعثرنا و فقدنا كل مدخراتنا و بدئنا مرات و مرات من الصفر التعيس!
* هنا و على هذه المروج تدحرجنا .. و هرجنا .. هنا مهجرنا!
هنا مرت علينا الفصول و دارت بنا الأيام و الشهور..
*هنا أطفأت سبع سنوات في حياتي الزوجية وكم أود أن أشعل الثامنة !
*من هنا تابعت توسعات أمريكا في العراق و هنا ذهبت إلى سفارة الرافدين و حصلت على تأشيرة للسفر للجهاد هناك!
* من هنا في تلفاز مخدعي شاهدت سقوط بغداد و من مذياع مطبخي تابعت انتصارات تموز بقيادة حزب الله حتى الفرحة بعودة الأسرى و عميدهم القنطار.
* هنا حياتي الجديدة.. هنا في هذه البلاد النصف بعيدة..
*هنا اختلطت دموع الفرح مع ابتسامات الخبث الصفراء التي طالما اضطررنا لمنحها لمن يستحقها من زملاء الحياة في أحيان ما!
*هنا أستمع في الصباح للبرنامج الإذاعي " وطني الحبيب صباح الخير".. فأجدني أرعش رأسي طاردة فكرة أن قطر هي وطني رغم أنها حبيبة و بحق إلى قلبي يا عمي.
*هنا أفتقد أهلي و عائلتي كما افتقد كل ثلاثاء " زيارات نادية صالح لمكتبة فلان "
*و هنا أيضاً تابعت أخبار وطني الحبيب مصر .. وطن الأم و هنا قرأت كتب" شكلها باظت " و " تاكسي" و "عمارة يعقوبيان" و "عشان ما تضربش على قفاك"و "عايزة أتجوز" و شقة الحرية" و "شفرة دافنشي" و " لا تحزن " و و و.. !!
* هنا في الدوحة سمعت أغنية" ما شربتش من نيلها".. وضحكت من تعليقات المصريين محبي المزاح الثقيل " شربنا و اتنيلنا .. وطلعت ملوثة .. وعرفنا إن إحنا" أكيد في مصر!"

ً*هنا نشرت "رسائل من الدوحة" و هنا قرأت الكثير من النقد و القدح والمدح والذم لها..
*هنا تلقيت مئات الرسائل الداعمة و المشجعة و الناقدة و المستهجنة من قراء أعزاء.. هنا كتب عني النقاد و المدونين و نشرت أعمالي و أشعاري و كتاباتي و رسائلي في المواقع و المنتديات و الجرائد و الدوريات. *هنا تعلمت معنى " اللي ما يعرفك يجهلك " أو بالعامية المفرطة " اللي ما يعرفش يقول عدس" !
فهل أخبرتك يا عمي أن أحد الأفاضل ارتأى أن يكتب عن"رسائل من الدوحة" فقال مشكوراً التالي:" إن كاتبة "رسائل من الدوحة" ليست سوى فتاة شابة تتمتع بصحة جيدة و أسنانها متراصة....."
و المضحك هو أني قرأت هذا الحكي عقب عودتي من جلسة " ايكو للقلب" بالمشفى الأهلي و كنت في حينها أعاني من سلة أمراض" من - و حتى" و حدث و لا حرج .. ثم أن حتى أسناني المتراصة .. هل تعلم - يا عمي- أني أمضيت حولين كاملين في تقويم الجزء العلوي منها .
هل أخبرتك يا عمي أني "
Public figure
ووجه مألوف لدى أطباء مستشفيات حمد و الأهلي و عيادات الدوحة بل و الأمريكي .. في أقسام الجراحة و القلب و النساء و الجلدية و المسالك و المناظير و الرمد و التحاليل و الأشعة والتخدير و التغذية و الأسنان..-"
ما ناقصش غير "السايكايستر وال هيميوبوثي "؟ ثم يأتي من يقول:" صحتها جيدة و أسنانها مش عارف إيه ". عدس.. عدس فعلاً!

عموماً، لا داع للإستفاضة.. لأنه من غير اللائق الإستمرار في سرد ال" سي في" المرضية الخاصة بي، خاصة و أننا قررنا" ألا نحزن" كما أن أي حزن حتى لو على حكي سطحي لا يرقى للنقد.. سيعني تناسي نعمة أني أمضيت أكثر من عقدين من حياتي دون زيارات للأطباء .. إلا فيما ندر!
لكن ربما كان التعليق على المظهر و الصحة والأسنان، أشعرني أن الرجل و إن كان مسن إلا أن كلامه شديد العدسية.. ولا علاقة له بالنقد.

كما أن ذكر هذا" الحكي" يعني أيضا تناسي عشرات الآراء الداعمة و النقد المفيد الذي أثراني و استوقفني..
* لكن تخيل يا أنكل .. هناك من يرى أن " رسائل من الدوحة " تحمل الكثير من الحديث "المترف" ؟!
* لا أخفي عليك يا أنكل ناجي أني استأت من ذاتي كثيرا خشية أن تكون رسائلي مستفزة .. رغم اتهام والدتي و زوجي لي باني مدعية فقر و لا أعرف كيف ارسم نفسي ..
عموما، ها أنا أحاول تلوينها!

* هل تتخيل يا عمي أن هناك من يراني مفرطة في القناعة.. أو لنقل مدعية رضا و أحاول إيهام القراء بحقيقة وجود المدينة الفاضة و أن الدنيا " وردي"؟
و على النقيض هناك عدد ليس بالقليل يجد الرسائل سوداوية و مأساوية و أني مدعية تعاسة و متقنة للحديث المترف!
* هل لديك تفسير يزيل اللبس.. فبعض الأقلام التي أحترمها و بشدة تنتقد طول الرسائل و البعض الأخر لا يراها طويلة !
* ثم كيف لي أن أرد على من لا يرى أي مشكلة في هجرة الإنسان و إغترابه ويرى أني مزوداها.. و كيف أوفق بين من يبكون على فراق الأهل و من يطالبوني بضرورة ذكر أن هناك من يتمنى الهجرة من مصر و الإغتراب عنها ..
فعلا- يا عمي- رضا الناس غاية لا تدرك!

عجبا
ضحكت فقالوا: ألا تحتشم؟ بكيت فقالوا: ألا تبتسم؟
بسمت فقالوا: يُرائي بها .. عبست فقالوا: بدا ما كتم
سكت فقالوا: كليل اللسان.. نطقت فقالوا: كثير الكلام
حلمت فقالوا: صنيع الجبان ولو كان مقتدرا لانتقم
يقال: شذ إذ قلت لا.. و إمّعه إذا قلت نعم
فأيقنت أني مهما أردت رضا الناس
لابد أن أذم

عموماً..كم أود أن تكون تهمة الكتابة الترفية نوعاً من الإدعاء الهزلي .. و كم أود أن تكون بعيدة عن الصواب.. و قد لا يتم تبرئتي منها إلا إذا شوهدت مع أبنائي في بيتي ..

و لا أخفي عليك أنه حينما تكرر الكلام حول الحديث المترف .. حتى أن أحدهم وصفني بال" أرستقراطية" و قبل أن أقول:
Lentille
فقد وجدت ضرورة للبحث عن المرايا في كل ركن من أركان البيت ..
قلت أبص ف المرايا.. يمكن أكون إحلويت
فضلت دايرة أبص.. مخلتش ولا مرايا ف البيت
في الحمام ف الأودة ف دولاب أو متعلقة ع الحيط
شوفت .. سكت شويه.. بعدين اتخضيت
معقول أنا قضيت العمر ده كله و ذي ما روحت ذي ما جيت
معقول أنا عمري ما فكرت ولا اتغيرت ولا حبيت
و إذاي ساكتة علي روحي ده كله وليه استنيت
يا ريتني ما كان عندي مرايا
و ياريتني ما بصيت
(علي سلامة)

*هنا تعلمت - يا أنكل - أن " ُرب غربة أرحم من غربة" فعلى سبيل المثال أجدني أعجز عن حمد الله .. لبقائي بجانب أبنائي و زوجي .. فوضعي – و إن كان في الغربة - أفضل بكثير من تيريزا.. الممرضة المصرية التي رافقتني أثناء عمل " الإيكو "على" القلب" فتيريزا" تعيش غربتها وحدها بدون ابنتها و زوجها وأسرتها..

تيريزا :" الُمحزن يا مدام داليا إن جوزي ملاك و يتحط على الجرح يطيب ..
تعرفي حضرتك لو كان عصبي ؟! تعرفي لو كان بذيء أو بخيل؟!
و المسيح الحي ما كنتش اتقهرت كده .. و كنت قلت: يتفات له بلاد!
تعرفي لو حماتي كانت لسانها طويل و بتاعت حقن و من النوع اللي بيضرب بوز أو غلسة و كارهاني و كل اللي يهمها التكسب مني .. كنت قلت: أهو غرت من قرفها.. لكن دي كانت شايلاني من على الأرض شيل .. و أرجع من الشغل تفتح لي الباب بحضن كبييييييييير .. فأترمي عليها و تشيل مني أكياس الطلبات و محضرة لي الأكل سخن و ِطعِم .. و على طول شايفاني تاعبة نفسي.. و مكلفة روحي .. و أي هدية صغيرة تكبرها .. ودايما تختلق لي أعذار.. حتى لو مفيش .. تقول لي: أكيد نفسيتك تعبانة يا حبيبتي!
و بنتي يا مدام.. لما أنزل مصر أجازة .. بنتي بتكش مني في المطار!! موقف صعب .. وحش .. مش عايزة افتكره و مش قادرة أنساه!
يا مدام أنا بنتي بتكبر بعيدة عن عيني .. أما أنا فمش بكبر من غيرها .. لكن باقدم!

هل تعتقد يا أنكل إني أجرؤ أن أقول لتيريزا " لا تحزني"!؟
لكن أكيد حديث تيريزا أشعرني إن الحزن واجب لها .. مندوب لي..
* فكيف لا أحزن على أعداد المصريين الذين اضطروا لترحيل أسرهم إلى مصر؟
و كيف لا أعادي الغلاء الطارد من قطر؟.. كما أن أعداد المغتربين الذين لم يتمكنوا من إستقدام عائلتهم أكبر.. من بينهم " الأستاذ صفوت" أحد القراء الأفاضل.. الذي دائما ما يرسل لي نقد مميز ل"رسائل من الدوحة" إلا أن أخر رسالة منه كانت لا تحمل سوى هذا النص الحزين :

اللي باقي من ملامحي
لون عيونك
و النهارده نفسي أشوفك
لو تعيط
لو تشخبط فوق حيطاني
لو تبقعلي هدومي
تبتسم دمعة همومي
ليل نهار أحسب ف سنك
نفسي تكبر تبقي طولي
وتبقي نوري وأبقي ضلك
نفسي أسمع صوتي منك
بس إوعي
تبقي غازي وانتهازي
واللا طوبة طايشة
بتكسر إزازي
إوعي ..إوعي تبقي ذي أبوك
يجلدوك
يطحنوك
إوعي مرة يغربوك
النهارده
نفسي أشوفك
"علي سلامة "
يا عمي :
الحزن حق للأستاذ صفوت .. كما يحق لكل مغترب بعيد عن أبنائه أن يشعر بالوجع .. و لكن ترى لو قرأ "الأستاذ صفوت" هذا النص.. و من نفس الرحم"
أيكون أقل حزناً يا عماه؟!
الواد ابنى ابو لسان طويل
قالى:
يعنى سافرت يا بابا و اتغربت..
مشوار طويل.. وف الآخر راجع
ف شارع متفرع من شارع
وشقه في الدور الرابع
ودولار نازل طالع
وشويت حاجات.. دكان مستنى التراخيص
و مكنسة على خلاط .. وكمبيوتر مش نافع
من الآخر.. معرفتش تتصرف
مقدرتش تقول: لاء
مش مسافر!
منين الكحه دى يا بابا؟
دى عمر.. و لا برد .. ولا سجاير؟!!!
أنت عارف يا بابا أنا بقالى اد إيه بستناك؟؟
إيه يا بابا.. أنت هاتعيط.. ده أنا كنت بهزر معاك
كنت بهزر معاك
"علي سلامة "


سمراء قوم سام
عمي الغالي:

آما آن لنا الكف عن النظر عن سوءات الغربة؟! و لما لا نتعاطى معها على أنها نوع من أنواع تعديل المسار .. مسار الحياة!
على فكرة.. مصطلح " تعديل المسار " أصبح يطلق إعلاميا على من يريد تغير هويته الجنسية الفسيولوجية من ذكر إلى أنثى أو العكس.. و على فكرة الجماعة دول تفحشوا في المجتمع!
و بصريح العبارة أنا أرى شبه – و إن كان مهين- في وضع المغتربين لا لكونهم يغيرون جنسهم و لكن لأنهم مجبرون على تغير مسار جنسياتهم الوطنية ليعيشوا في أوطان بالإيجار!!
هو وضع شاذ و مناقض لما تعلمناه و معاكس لما تربينا عليه.. فقد نشأنا على أن يولد المواطن مصري و يعيش المواطن مصري و يموت في مصر.. كأى مواطن مصري يحترم نفسه..

يا أنكل:

لقد كنت أعتقد أن كل مغترب هو محض مضطر، إلا أن الواقع أثبت أن هناك من يعدلون مسار أوطانهم بكامل إرادتهم.. ضاربين بعرض الحائط أغنية " ما تقولش إيه اديتنا مصر.. نقول هاندي إيه لمصر.. ياااه ياااااه يااه حبايب مصر .. مصر مصر مصر"
ولا بد من أن أذكر لك لقائي - في إحدى زياراتي للمستشفى الأهلي - ب" سمراء قوم سام" .. فشكلها مصري " قناوي" كما تنفع بحرية اسكندرانية من" السيالة".. وابنها الصغير كذلك .. إلا أنهما لا يتحدثان سوى إنجليزية بلكنة جنوبية " تكساسية " و بعدما صفع محمود نظيره .. ذهبت لأعتذر.. و تقبلت مشكورة اعتذاري الإنجليزي.. ثم صارحتها بأني شممت فيها عبق النيل و يود المتوسط .. فأنكرت السبة و أخبرتني أنه - ربما - لأن والد طفلها من أصل مصري.. و سألتها عنها..
: أي ام أميركان
: أميركان!! نو وات.. سوت يو أر ايجبشان؟!
هنا انكشفت و قلبت بحري
: داد من أصل مصري!!
يا عمي:
حتماً هناك عشرات الأسباب التي دفعتها للتنكر لوطنها و أصلها..
و إذا كنت أبحث لها عن أعذار إلا أني عن نفسي و كمغتربة مثلها.. لكن أشعر و كأني
شلح زمبق أنا
اكسرني ..
و ارمني على ثرى بلادى!
ردني إلى بلادي
مع نسائم البوادي
ردني
ردني إلى بلادي


أنا كنت سوري!
يا عمي:
* لقد ُبهت حينما سمعت أحدهم يقول : أنا كنت سوري!
و آخر نطقها: أنا كنت إيراني!
إلا أن الصدمة الهزلية المضحكة جاءت عندما إستغبانا " زول سوداني" مدعياً أنه كندي! رغم إنه "زول"..
بشرته " زول" ..
أنفه " زول" ..
لهجته" زول" و ينطق الديزعة (9) الزولية الشهيرة..
كما و يتحدث الإنجليزية لا بلهجة كندية و لكن" بلكنة زولية " محببة.
من الأخر يحمل كل الجينات الزولية الطيبة .. ثم يستغبانا مدعياً أنه "كانيديان"!!

* ألا توافقني – حضرتك- أن مواقف كهذه تصفع ظهر المغترب في الصميم و تخيفه من يوم يسمع فيها أحد أبناؤه يقول: أنا كنت مصري!
هل تتوقع أن يأتي يوم تسمع فيه أحمد.. بعد أن حمل "الجرين كارد" أو الجنسية الأمريكية - يقول :" أنا كنت مصري!
و هل تتوقع أن أبناء أحمد سيكونون مصراوية 100%؟
و حينما تشاهد الجراح العالمي مجدي يعقوب و قد تكسرت عربيته.. و تهشمت لكنته .. هل تراه مصري صميم أم لورد إنجليزي من أصل مصري!
يسعدك هذا التساؤل أم يدعوك للحزن؟
* هل تصدق أن أحد اليمنيين هنا أخبر ياسر أن والدته قبل وفاتها قالت له مودعة : مش مسامحاك يا بن ال.. رفضت الجنسية القطرية و شحطتنا.. امشي من وشى .. قلبي و ربي غضبانين عليك ليوم الدين..!
بأي لون أظلل رواية ياسر هذه؟!
يا أنكل:
رغم أن هناك من يظن أن الحزن أولى .. إلا أني ضحكت – عادي- عند سماعي لهذه الطرفة:
اللهم أمركني ولا تأفغني
اللهم برطني ولا تصوملني
اللهم فرنسني ولا تسودني
اللهم ألمني ولا ت تمصرني!

و بصراحة و بدون - أيمانات - لو كانت قيلت لي هذه الفكاهة من قبل.. لاعتقدت أنها صدرت من صهيوني متعفن!

أما هذه النكتة فأبكتني بشدة يا عمي .. بيقول لك:
مصري سأل إماراتي .. كم راتبك؟؟
الإماراتي : راتبي 15000 درهم , وبدل سكن 90000 درهم سنويا , وبدل مواصلات 1200 درهم شهريا, وبدل غلاء معيشة 2000 درهم، وبدل ماء وكهرباء 1000 درهم.. وسيارة كل سنة وتأمين صحي للعائلة ومدارس خاصة لأولادي, و تذاكر سفر دولية عالدرجة الأولى.
ثم سأل الإماراتي المصري: وأنت كم راتبك ؟
المصري: راتبي 150 جنيه
قال: هذا بدل أيش ..؟؟
قال : بدل ما أشحد!
التعمق في الألوان

*و لكن إذا كنا قد عزمنا على هجر الأحزان .. و قررنا البحث عن الأفراح في رسائلي .. لتحمل روح التفاؤل و الأمل و الحلول .. فلماذا يكتب المثقف المصري بمرارة؟
* لماذا – يا عمي - كل هذا السواد في ذخيرة " الأدب و الفن" المصري في هذه الحقبة ؟
* لماذا كشف" الأسواني" عورات "عمارة يعقوبيان" و لماذا هتك "خالد يوسف" سوءات العشوائيات في "حين ميسرة" و لماذا النقد لاذعاً و الكوميديا سوداءً و لماذا "هي فوضى؟!"
*وعلى من شرب جمهور مسرح الهناجر " فنجان قهوة " سادة دون أن يجدوا أي حلو في حياة الواقع المصري!.. فقرروا إصدار شهادة الوفاة.. و كتابة نعي المجتمع المصري؟
* لماذا- يا أنكل- جاهر "محمد بركة" بأسباب كراهيته للمثقفين.. في " لماذا كرهت المثقفين؟!
* و كيف جرؤ أسامة غريب أن يدعي أن " مصر ليست أمي .. دي مرات أبويا "؟
* و هل بالفعل هناك من قتل كل جميل و أخضر و طاهر في مصرنا كما روت "سهير المصادفة" في روايتها" ميس إيجبت" ما جعل قصتها تبدأ بجريمة قتل ملكة جمال مصر ؟
*و لماذا كتب "خالد توفق" في آخر مقال له" شبابنا يستأهل الحرق"؟

*و قد تخالفني يا عمي في مقترحي بأن تضع هيئة الرقابة على السينما وهيئة الكتاب ضوابط على المؤلفين و المبدعين، بحيث تعيد النظر في نشر الكتب أو إذاعة الأفلام التي تكتفي برصد المشاكل دون طرح الحلول.. لتنبيه كل مؤلف يلعن الظلام بوجود اختراع يطلقون عليه الشموع!
فقضية أن يظهر كل مبدع أو فنان.. مدعياً أن كل وظيفته في الحياة تنحصر في الرصد و وضع اليد على الجرح و الألم دون المساعدة في توفير العلاج.. بات أمراً لا بد من إعادة النظر فيه!
و مدرسة الفن للفن و الكتابة للكتابة و الرسم للرسم و التمثيل للتهجيص .. دون أي رسالة أو أي هدف ايجابي هي مدرسة لا تخرج سوى الضآلة و التعساء!
* ثم متى يعيد القارئ - يا عمي- طريقته في قراءة النص عبر بحث أعمق بعيدا عن سطحية الطرح .. متى يبدأ القارئ في استخدام أسلحته الذهنية عند الاطلاع؟!

* " فحسن و مرقص" وقفا في آخر مشهد " يدا بيد" ما أوحي بضوء مرشد في آخر الممر.. ليعلنا عن حل الإتحاد و نبذ الفرقة..
* كما مثلت دعوة محمد خان " في شقة مصر الجديدة" حلاً ينادي بضرورة الاجتهاد الذاتي في البحث عن السعادة و الحب و عدم التعامي عنهما.
* أحسب – يا عماه - أني لو ُفهمت بطريقة خطأ .. فستفتح ضدي النيران حتى الصديقة منها.. فأنا لا أدعو لحل مادي.. و لكنها دعوة لتوسيع صفحة البياض و الخضرة و إن وجد السواد..
- حتما آن علينا أن نعي دورنا في البحث عن حلول مبتكرة و لو مجازية أو إيحائية..
والكف عن الاعتقاد أن الأدب و الصحافة و الإعلام و سائر الفنون لا دور لها سوى الرصد..!
-أين دور ثقل الروح و تنقيتها و إثراء الشخصية و سبكها .. و فتح الأفاق و شمولية الرؤية و التبصير بالخيارات و محاربة الفساد و بعث الأمل و تخطي الأحزان واستثمار السلبيات و التعمق الفكري في الألوان.. الوان الحياة!

* السواد – يا عمي - لابد من وجوده ليظهر البياض كما الليل و النهار.. و لا طعم للفرح سوى بعد تذوق الأحزان ..و المهلبية واجبة بعد وجبة كشري حار.. و النار مخلوقة لنعرف قيمة الجنة.. و الجنة لن نصل إليها سوى عبر الكثير من الوان الحياة! بما فيها الأسود الحزين.
فبدون التعاطي مع مهمة أدوار الأحزان و الأفراح في حياتنا .. نفقد الكثير من كنه معرفتنا لقيادة دفة الحياة!

" إنسان بلا حزن ذكرى إنسان " هكذا كتب قباني و هكذا غنى كاظم..
كما وأن الابتلاءات أكثر ما تقربنا لله و جنته..
و الفشل هو أكبر حافز يحرك تحديات الفرد لدفعه نحو النجاح.
و لولا القبح ما عرف الجمال ,, و لولا الحمائم ما توحشت الصقور!

تهمة السعادة

فإذا اتفقنا أن السعادة تحتاج لإجتهاد.. يبقى أن نعرف أن مقاومة الحزن يبدأ من معرفتنا بأن من بين الأسباب التي تدعونا للاستسلام لأحزاننا.. هي احتفظنا بموروثات ثقافية زرعت فينا أن الأحزان تجلب التعاطف و تدرأ الحسد.. كما و تبرر بل و تنسخ الأخطاء و تختلق الأعذار و توجب الكثير من الحقوق للمحزونين، ما يشجعنا على ذكر مصائبنا و الخسائر وترديد قوائم الفواتير و المصروفات والنكبات و السقطات و المآسي بحرص يصل أحياناً لنفي تهمة السعادة!! حتى تلتصق بنا تلك التعاسة" العيرة" التصاقاً .. فيصعب علينا التخلص منها لاحقا "!
و تظل مشاهد فريد الأطرش "الوحيد" و عبد الحليم المريض "الحزين" تغرينا بالاكتئاب "العيرة"..
حتى عبد الله الرويشد المطرب الكويتي الشاب، جاهر" عشقت أنا الألآم" .. و لم يسلم منها "خليل مطران " حين ميز نفسه بالحزن:

متفرد بصبابتي .. متفرد بكآبتي .. متفرد بعنائي


يقيني يقين - يا أنكل- أننا لو أدركنا سلبيات إدمان التعاسة .. سواء من سلب الطاقات الايجابية و زرع الأمراض كما و تنفير الأحبة.. لعزمنا على طرد الحزن من أرواحنا.. كما نحلم بطرد بوش من العراق!

و ربما - يا أنكل ناجي- قد تساعدنا الأضداد في التوصل للسعادة .. فبأضدادها تعرف الأشياء..
يا عمي :
أنا لم أعرف أني ُسنية إلا حينما قابلت شيعة أو "بحارنة " الخليج!
و لم أتيقن أني سعيدة إلا حينما قابلت تيريزا الحزينة في المشفى الأهلي !

عيرة

*و لكن على فرض أننا لن نحزن فهل نجرؤ على السعادة المطلقة؟
*العبرة أنه أحيانا تكون السعادة " عيرة " و إدعائها كالعدسات اللاصقة "عيرة " لا تساعدنا على رؤية الدنيا وردية .. و كثيراً ما يكون الحزن واجب و أحيانا يكون مندوب أو نافلة و كثيرا ما يكون حرام - الحرمانية هنا مذكورة كمصطلح فكري أدبي لا من منطلق إفتائي -

الشعر عيرة والكحل عيرة
والورد فوق الخد.. ولحد الضفيرة عيرة
الصبر عيرة والضحك عيرة
والفرح والأحزان كمان وحاجات كتيرة
حتى الحنان جوه البيوت.. حتى الكلام.. حتي السكوت
حتى الهتاف جوه المسيرة برضه عيرة
احترت حيرة
بقينا ليه حبة حاجات.. قمصان بدل على بالونات
ما بقيتش شايف إيه اللي جاي وإيه اللي فات
ما بقيتش افرق
ده أزرق ده ولا أحمر و لا رمادي
ودي كارثة ولا ده وضع عادي
( علي سلامة)

سبيستونات

* فهل يتغرب أب عن عائلته و يعيش دهراً لا يذق للاستقرار طعم و لا يعلم ما إذا كانت عودته دائمة، أم مدخر له في جعبة الغربة مزيد أم عود بخفي حنين.. ليفاجئ بوطن بلا خال أو عم..
وطن انتقص من أصدقائه و جيرانه و أصفياء.. و قد صفصفت على عائلته الصغيرة التي سيضطر للعيش غريبا معها .. ثم نضن عليه بالحزن ولو مؤقتاً.. و على فرض أننا أقنعناه بالفرح و إدعاء الحكمة .. فكيف نصف شعوره و هو عاجز عن الرد على أسئلة ابنته التي لم يتسن له تشكيلها فيفاجأ بها تسأله:

بمنتهي البراءة سألتني بنتي نور
ف أربع خمس أمور
مش ف كتاب القراءة
قالتلي .. بابا بابا.. قوللي يا بابا
يعني إيه استعمار؟
يعني إيه نيل ؟.. يعني إيه هرم؟
و مين اللي حط .. النسر فوق العلم؟
يعني إيه يا بابا استفتاء؟ .. و يعني إيه انتخاب ؟
ويعني إيه حرب؟ ويعني إيه نصاب؟
يعني إيه اختلاس؟ ويعني إيه هجاص؟
ويعني إيه خصخصة؟ يعني إيه يا بابا دستور؟
يعني إيه معارضة؟ ويعني إيه مظاهرة؟
وليه النهاردة خدنا أجازة م المدرسة؟
قوللي يا بابا:" يعني إيه قهر؟ وفين خط الفقر؟
و يعني إيه حظ ؟ و يعني إيه زهر؟
يعني إيه يا بابا حرية؟
يعني إيه إنسان؟ ويعني إيه سرطان؟
يعني إيه يا بابا خربوها؟
و مين دول يا بابا ولاد القطقوطة اللي اشطوها؟
يا بابا.. إنت معايا؟
فيه يا بابا ناس بتقول كفاية
وفيه كمان عساكر ماسكين عصايا
وبنات متعورين.. وتانين .. ماشين بيضحكوا
هما دول اسرائلين يا بابا؟
ويعني إيه.. ويعني إيه؟
قولتلها: نور.. ممكن أسألك سؤال؟
قالتلي:اتفضل يا بابا
قلتلها: هيه قناة
Space toon
رقم كام. . و خدتها عشان تنام
( علي سلامة)

الساحل الشمالي و سواحل إيطاليا
عمي:

* هل لي أن أرفع الكلفة و أسألكم كزميل غربة لا كعم كبير .. عن شعورك عقب سماعك خبر رفض المدرب الخواجة للعرض المقدم له بال 80 ألف يورو شهرياً من أحد النوادي المصرية؟!
هل تحكمت في مقاومة الشعور بالحزن و الضيق و الحنق و الموت من الفرسة عند سماع هذه الأرقام؟!
* و هب يا -أنكل ناجي- أن شاب مصري لم يتخرج بعد، و وصل إلى مسامعه أن الناجي الوحيد من الموت في آخر عبارة غرقت على سواحل إيطاليا.. صرح بأنه ما كان ليعرض نفسه للهلاك لو توفر له أي عمل يدر عليه - فقط - 300 جنيه شهريا!
* هل لنا أن نفرح حينما نسمع أن أعداد كبيرة من شباب العرب يشترون تذاكر أولومبياد بكين" ( التذكرة ) ب 19 ألف يورو.. !"
* وماذا عن مشاهد المدرجات الملتهبة السعيدة والشباب المصري النسخة أو "المسخة" من مشجعي نوادي إنجلترا ؟ وماذا عن المظاهرات في شوارع القاهرة احتفالا بفوز في "ماتش" لكرة قدم ؟!

بقول لهم: مين اللي بيعيط بحرقة دة؟
قالوا لي: مواطن اتصور وهو بينضرب
قلت لهم: ومين الأمور اللي بيضحك دة؟
قالوا لي : دة واحد عمل شوية كوارث وهرب
قلت لهم: والدنيا عتمة هناك كدة ليه؟
قالوا لي: دي حتة جديدة بتتخرب!
قلت لهم : ومين الحاوي اللي بيتكلم دة؟
قالوا لي : دة الوضع بيتقلب!
وايه الهيصة اللي في الساحل الشمالي دي؟
قالوا لي: دي البقرة بتتحلب!
قلت لهم وانتوا قلقانين كدة ليه؟
قالوا لي أصل بنلاعب الكاميرون
و خايفين نتغلب!
( علي سلامة)

الزرافات.. تعيش أنت
عمي :
* فإذا كان المصريون مولعين بالكرة، فعالية الحديدي ابنة أخي و حبيبي وليد.. مولعة بالحيوانات .. و دائما ما تجود بقبلات الرضا على جدتها بعد زيارة لحديقة الحيوان في الجيزة..
و في آخر زيارة.. طلبت "عالية "من جدتها مشاهدة الزرافات..
داخت الجدة و معها الحفيدة بحثاً عن الزرافات.. و أخيراً قابلا أحد حراس الحديقة..
: عايزين نشوف الزرافات .. نمشي في أي اتجاه لو سمحت؟
: لا خلاص
: خلاص ايه؟
: تعيشي أنت.
: أعيش أنا .. إيه ..؟!
: الزرافات.. تعيشي أنت يا مدام!!
مشهد كهذا .. هزلي أم درامي .. حزين أم سعيد؟!

* سأضيف لمعلوماتك إنفراد.. فقد انفرد أحد المصريين بابتكار يعتقد أنه سيدخله عالم "الجينيز"! حيث شوهد حفيد الفراعنة و هو يقوم "بترقيص الكتاكيت" وقد توصل لهذا الاختراع الجديد في عالم التعذيب بعد قيامه بوضع الكتاكيت على صفيح ساخن!!
فقد أوقد نار تحت الصفيح .. ما جعل العصافير البريئة تقفز من اللهب !
مشهد كئيب! و المحزن أن الرجل يقوم بعمله هذا يوميا أمام مرآي و مسمع الشرطة و الجمهور .. و لا راد لظالم.. لم يجد سوى الحمائم ليتصقر عليها ويقتات على عذاباتها.
* مشهد أهالي ضحايا عبارة الموت عقب سماعهم لحكم البراءة لممدوح إسماعيل .. كان شديد السسسووووووووووووووووووووااااااااااااااااااااااااااااااااددددددددددد.. يا أنكل. لكن هل لي أن أعيش مع أهالي الضحايا على أمل انتظاراستئناف النائب العام أم أكون واهمة كما يدعي ياسر؟

* مشاهد الثانوية العامة أو الكارثة العامة .. سواء الغش الجماعي أو الامتحانات الصعبة أو مشاهد أولياء الأمور و هم يبكون .. يصرخون و يناشدون بعدما استدانوا لدفع تكاليف الدروس.. تلك المشاهد أدخلت الحزن في آلاف البيوت في مصر حتى أن "علي سلامة" دخل بيته يوما فقال:!

مش أنا امبارح برضه
رجعت من الشغل في حلوان
لبيتنا في السيدة في خمس دقايق
لا حاسس بغربة.. ولا شايف غريب
وقلبي ابيض حليب عندليب
كروان فرحان
شايل ف قلبي وف جيوبي
الفرح أشكال وألوان
وزعت ع الشوارع .. والبيوت والجيران
وطلعت البيت .. ضربت الجرس ..فتحت مراتي وبالأحضان
والعيال كمان فرحانين.. ناجحين وجايبين
الدرجات النهائية
من غير دروس خصوصية
قمنا رقصنا وغنينا
واحتفلنا واتغدينا
فضلة خيرك ..سمك واستاكوزا
وجمبري م الكبير
وحلينا ب مهلبية
وشربنا الشاي كمان
وفجأة
لقيتني بردان .. بردان
بصيت لقيت.. الشباك مفتوح
ومفيش بطانية
ومراتي جنبي و ذي ما هيه
لسة بتعاني من آلام المفاصل
وده اللي حاصل والحمد لله على كل شيء


خصخصة الصرف الصحي

* هذا المشهد كوميدي أسود و بحق .. فعقب قيام الحكومة بخصخصة الصرف الصحي في مصر .. بهدف عمل مشاريع لتشغيل شباب الخريجين.. قررت الحكومة إزالة المراحيض العامة من الشوارع .. و صار شائعا أن تقابل في الميادين .. شاب يقف خلف كشك ممسكا بيده بكرة المناديل - من إكسسوارات قضاء حاجة- يقطع منها قطعة لأخيه المواطن المزنوق .. علما بأن " الفيزيتا " مسعرة بجنيه و نصف!

* صعب ألا تحزن - يا عمي - إذا علمت أن نسبة المغتربين الذين يتعاطون دواء "بروزاك" في تزايد .. رغم انه لم يحقق حتى الآن نتائج ملموسة في القضاء على الشعور بالوحدة لدى المكتئبين.. و أكثر ما يحزن أن هذا الدواء تتناوله أيضاً.. الحيوانات!!! و ببساطة يقولك : لا تحزن!
* و كيف لا أحزن و أنا أري زوجة القاضي المصري و قد اضطرت للظهور على الفضائيات تناشد و باللفظ " سيادة الرئيس المبجل المحترم" للنظر بعين العطف و الشفقة و الرحمة ، لإنقاذ حياة زوجها القاضي الذي يحتاج لزراعة كبد في الصين..

و المفروض أن أفرح عند سماع إعادة البرنامج لنفس الحلقة.. لكن بعد وفاة القاضي الذي لم تصل مناشدة زوجته للمبجلين! علماً بأن طلعت زكريا و غيره من الممثلين ينقلون فورا بقرار رئاسي إلى مشافي أوروبا!
على فكرة - يا أنكل- زوج محفظتي هنا في قطر.. في طريقه للصين الشهر المقبل.. عسى الله أن يشفيه !
هل تعتقد يا عمي أني لم أضع نفسي مكانهما ؟
هل تتصور أني لم أتخيل نفسي و أنا أناشد و أبجل على الهواء و أمام الملايين..
هل تتوقع أني لم أفكر وقتها في زوجة زميلنا الرسام و الصحفي المرحوم " فكري كرسون "الذي راح أيضاً في الصين تاركا خلفه أسرة و زوجة و أبناء صغار.. لا زالوا في غربتهم في قطر لأن بيت العائلة أو الوطن غير قادر على استيعابهم؟!

ألم يتساءل "جون ويليامز "عن فائدة الدنيا الواسعة لو كان حذاؤك ضيقا؟!
ثم ما فائدة بلاد العالم بأثره لو ضاقت بلدي بي؟

* إلا أني لن أكف - يا غالي- عن تذكير نفسي بأهمية تلوين حياتي ..فكل الألوان لها أدوار في حياتنا.. حتى الأسود منها .. بشرط عدم تسيده على حياتنا و بشرط ألا نجعله ملك الألوان!
فالسيادة للأبيض لا محالة – يا عمي- لضرورته لنقاء حياتنا و طهارتها ..
و الأخضر هام لصحتنا..
و الأزرق يذكرنا بأن 70 % من أرضنا بحار.. حتى سمائنا – غالبا- زرقاء
و أحيانا رمادية
و كثيرا ما تحمل ألوان قوس قزح
و" الباستيل" هام للحالمين و المبدعين يا عمي ..
و قوس قزح ضروري للمفكرين و الفنانين والفلاسفة
و الأحمر لا غنى عنه للأحبة
و الأصفر أساسي لمحبي الثراء كما و يذكرنا بمرضانا
. و الرمادي موجود و لا فائدة من إنكاره
فقط علينا أن نلون لوحة الحياة بأزهى الألوان و نضع كل لون في مكانه الصحيح.

ترجمة الأحزان

- فالأحزان رحم السعادة .. و المعضلات و المآسي سوق من الضروري أن نستثمر فيه أحزننا.
فمعضلة سيدنا يونس عليه السلام في بطن الحوت فرجت هموم العالمين ب" لا اله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين"
و قصة سيدنا يوسف عليه السلام في عمق الجُب.. أكدت أن حقيق على الله نصرة المظلوم و لو بعد حين.. بل لقد ورد عن الرسول( ص) ما معناه أنه ما من مسلم يقرأ " أفضل القصص" و التي تصور كثير من أحزان الأنبياء إلا و ُسري عنه.
و معضلة هجرة الرسول صلى الله عليه و سلم تخفف عن كل ُمَهجر و مغترب حتى يوم الدين.
و يبدو- يا عمي- أنه ليست كل الأحزان سوداء و ليس كل الضحكات بيضاء..
" فالمصاروة " لهم السيادة في عالم النكتة و الفكاهة عالمياً .. و لا يجرؤ إنسان على المزايدة على أننا شعب نعشق الضحك .. و مع ذلك فنحن على استعداد للمحاربة على لقب ملوك الحزن و الأسى و البؤس .. و بامتياز.. بل و نعترف أننا نضحك من الهم!

وكثيرة هي الأفلام و المسرحيات التي تزايد على خمسة ألاف ضحكة في الساعة .. و يدعي أبطالها أنهم يسعدون الجماهير.. و بالفعل فأبطالها قادرون على إضحاكهم.. عاجزين عن إسعادهم ..
ثم نخرج من المسرحية لنعود فوراً إلى أحزاننا لندرك أننا خُدرنا .. و بذهاب مفعول المخدر .. سرعان ما نبحث عن جرعة أخرى و مسرحية أخرى أو فيلم أخر .. قادر على تخديرنا بضحكات.. أبدا لا تسعدنا!
و كم من دموع غسلتنا و كم من أحزان طهرتنا من هموم و ذنوب.
فمتى نغير من نظراتنا للأحزان ومتى نعيد ترتيب الألوان .. و متى نكف عن الإدعاء أنها مرادف للكآبة .. و متى نكف على تظليلها بالأسود؟
و كم أخشى - يا أنكل - أن يساء فهمي و كأنها دعوة للكآبة.. بينما حقيقة الأمر أنني أدعو لإعادة ترجمة الأحزان بحثا عن معاني أعمق لها.
فأعداد الكوميديانات الحزانى لا بأس بها.. و كلنا يعرف أن مهمة رسامي كاريكاتير هي رسم النكات لإضحاك الناس.. لكن بعضهم عجز عن العيش سوى بمساعدة حبوب الاكتئاب.. ثم عجز مرة أخرى على البقاء بمساعدة كل الحبوب .. فانتحر!

إنها ليست دعوة للحزن بقدر ما هي تبصير بدوره و بكيفية استثماره
فالقضية ليست في ادعاء سعادة سرمدية أو طرد هموم و أحزان وقتية
.. و لكن في كيفية استغلالهما
فنسبة معينة من الأحزان كالنار تسوي اللحم و الكثير منها يحرقه
.. بينما البقاء و قدر معين من الأفراح و السعادة كالبراد .. يساعد في حفظ اللحم
لفترة طويلة يقضي على قيمتها الغذائية بل و يفسد طعمها.. طعم الحياة!
فمن السطحية بمكان طرد الأحزان كأنها سم قاتل دون الاستفادة من الترياق الذي تحويه.
تبقى كارثة لو سمعنا عن اسمين
بوش و العراق و ما حزناش

و تبقى وحشة لو شفنا الاتنين
نصر الله و أبو سمرة و ما فرحناش

و تبقى بايخة لو أسعار القمح
نزلت في الواطي .. و ما اطمناش

و تبقى غريبة لو الدولار
طلع في العالي و ما بيعناش

و تبقى أغرب لو عترنا على فقير
بيييع كلاويه و ما اشتريناش

و استحالة لو راح ال "عز " و الحديد ساح
و كلنا جمدنا .. تنحنا .. و ما فرحناش

و مؤكد لو "ساويرس" فلس .. و جاب ضرفها
يعني محمد نصير.. ما هيفتحهاش؟َ

و فرضاً لو بكى أبو تريكة.. و عيط و نهنه
ما كل الزملكاوية.. طظ .. ما هيهمهاش

وثق.. لو ولعت في القبة
أكيد الشعب.. أكيد أكيد.. ما هيطفيهاش

و تفتكر لو صاحب المحروسة مات
يعني راخر المحروس ابنه.. ما هيورثهاش؟
( داليا الحديدي)


معلش .. لسة في أمل

يا عمي:
لا زلت مصممة على أن المشاكل تلقح أبطال يحلونها .. كما والثورات تلد زعماء يورثونها.. و الأمراض تكشف عن لقاحات وأطباء يعالجونها.
و الدراما بدموعها وآهاتها تنجم أبطالها!
و بدون الأحزان لما عظمنا الدعاة و الفلاسفة و المفكرين والأطباء النفسيين!
و بيوت المحامين و وكلاء النيابة و آلاف غيرهم .. أليست مفتوحة بسبب القضايا و المحاضر والجنح والجنايات؟
و أين يعمل الصحفيين و الإعلاميين بدون وجود مشاكل؟
و بدون المشكلة و العقدة والحبكة و الحل .. لا وجود للروايات و الروائيين!
و بدون فيروسات.. لن يوجد مشافي و لا "فايزر " و لا شركات" انتي فايرس" تروج لبرامج السيفتي!
و لولا فقدان البصر لما حمل طه حسين عمادة الأدب العربي!
و لولا الصم و البكم و العمى .. ما اخترعت " هيلين كيلير" طريقة "بريل" التي أضاءت نور العلم و أعطت لملايين من فاقدي البصر.. أمل في التعلم و القراءة.
كما أن "عقدة نقص" لعدد من الشهادات التي يعلقها سواه على حوائط المنزل .. دفعت العقاد لاستكمال التعمق في العلم.. بل كانت أهم سبب لفت إليه نظر صفوة المفكرين الذي رفعوه لمصاف العباقرة التي كتب عنهم!
* فعلاً- يا عمي - لولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض"


* لكن "معلش" يا عمي.. أكيد لسة في مساحة لتلوين حياتنا بالفرح إذا تعلمنا كيفية خلط الألوان في حياتنا.. أو على الأقل تقبل هذه الألوان في دنيانا.
لسة الحياة مستمرة يا عمي .. و يقال لي: إذا كنت فقدت عمتك.. فاحمدي ربنا إنه عوضك ببنتك .. فلسة الأمل موجود و لسة الحزن ذي الليل يطلع عليه النهار يفرحه..
ومع ذلك، عمر الفرح ما يمحي الحزن من الوجود.. و العكس صحيح .. فهما وجهي عملة الحياة .. و لسة..

و لسة الأم بتهادي
و لسة الحماة بتعادي
و لسة الزوج بيحب

و لسة الحبيب بيراضي
و لسة البعيد بيقاضي
و لسة الدم بيحن

و لسة الشباب بيصفر
و لسة الحريم بتعفر
و لسة اللحوح بيزن

و لسة عدوية بيغني
و لسة الزغاريد بتهني
مع إن المريض بيئن

و لسة الحزن موجود
و لسة الفرح مولود
و لسة المهيصاتي بيفن

و لسة في حجاج في الحرم
و لسة في سياح في الهرم
و لسة في مظاليم في السجن


و لسة في ناس أفاضل
و لسة في ستات بألف راجل
و برضه في رجالة بربع ست

و لسة بيشتروا ملانة
و لسة القلوب ملانة
و لسة الدماغ بتنش

و لسة بيزرعوا حيراتي
و لسة بيحصدوا ف حياتي
و لسة السماد بتنغش

و لسة في عيال بتزيط
و لسة في ستات بتعيط
و لسة في رجالة بتكش

و لسة "الحجار" بيشجينا
و لسة "عمرو دياب" بيسلينا
لكن لسة اللمبي بيؤش

و لسة الفصول بتدور
و لسة الكبير بيجور
و لسة الصغير بيبش

و لسة الأجور في النازل
و لسة الناس منازل
و لسة بنقول: معلش

( داليا الحديدي)


على أمل أن نجتمع في المنصورة عما قريب يا عمي .. أرجو أن تقبل تحياتي و دعواتي لكم بالشفاء و سلامي لغاليتي تانت نهلة و لهبة و سلام خاص لإيمان و ابنتها جومانة .. و دعواتي لأحمد بالتوفيق في حياته و أرجو ألا تنسوني ..

أعذرني - يا أنكل- فأنا لا أتواصل عبر الياهوو.. و كل محادثاتي أجريها بالهوتميل مسينجر .. فليتكم تستخدمون الهوتميل لكي نتمكن من التواصل.. و أخيرا أقول لكم: رمضان على الأبواب.. عساكم من عوادة أو رمضان كريم و كل عام و أنتم جميعاً بألف خير.. و لا تنسى أن تلون حياتك يا عمي!


الرسالة الخامسة من رسائل من الدوحة لعام 2008

ابنتك داليا
الدوحة- قطر
4 - سبتمبر- 2008

0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية