رسائل من الدوحة

متغربين إحنا.. متغربين آه.. تجري السنين و إحنا .. جرح السنين.. آه.. لا حد قال عنا خبر يفرحنا و لا حد جاب منا كلمة تريحنا .. تريحنا

الجمعة، 19 ديسمبر 2008

الرسالة 11.. 2008 " سيدة الأمنيات الأولى "


دولينا...

قرأت هذا المقال "رجل الأمنيات" لدكتور أيمن محمد الجندي
و وجدتنى أفكر في ماما زيزى بعدها ..
شوفى كدة حتى

ياسر


ياسر:

أشكرك بشدة على تمرير مقال الدكتور أيمن محمد الجندي" رجل الأمنيات " لي، خاصة انه وصلني في شهر مارس حيث نحتفل بعيد الأم..
تخيل سعادتي عندما أخبرتني انك عقب قرأته .. تذكرت" سيدة الأمنيات الأولى "أمي

* سبحان الله يا ياسر!! أنا أفهم أنه من الطبيعي أن يرى كل إنسان أمه فقط في صورة قريبة للملائكة.. لكن أن يرى الغير حماته على نفس النحو .. أن يرى الأصدقاء والأهل و المعارف و كل من أقابلهم "سيدة الأمنيات "على هذا النحو.. فهذا يؤكد أن الموضوع ليس صورة و لكنه واقع و حقيقة.

*استوقفني الشبه الكبير بين مامي و بين بطل المقال أو توأمها " الخال طارق نصار".

* تذكرتها في " لستة" أو قائمة الطلبات والتي كنت أجدها في حقيبة يدها أو في " تابلو" سيارتها.

* تخيلت أجندتها و التي لا تسامح نفسها حينما تنسي طلب فلان أو علان رغم أن الموضوع لا يعنيها.

*استوقفني سعيها لاختلاق المبررات و البحث عن الثواب لتبرر لي أن هذا هو ما يدفعها لعمل أي خير.. و لو أن عرض الثواب معروض على الجميع.. فلماذا لا يسارع في تحصيله إلا قلة أمثالها هي و السيد "طارق نصار"؟!

* تذكرت اختلاقها لنيات الناس الحسنة و بحثها عن أي بريق أمل في إمكانية إضفاء لمسة خير على أفعالهم.

*تذكرت تسريبها لأخبار من نوعية: فلان اشترى من فلان أي شيء أو بيعه حاجة.. و لكنه تراجع و قال أن كل شيء ورق في ورق.. و في الآخر لن يعترف بهذا الورق.. و ستبقى الأوضاع كما كانت و ما أعطاه كان مجرد مساعدة و كلنا أخوات.

* تذكرتها و هي تعلن بفرح أن أحدهم منح ثانيهم هدية و تنازل له عن مش عارفة إيه .. و علان قال انه ناوي إذا ربنا فتحها عليه أن يعمل و يسوي .. رغم يقين الجميع انه لن يعمل و لن يسوي.. و رغم اختلافي معها في إلباس فلان رداء لا يريد ارتداؤه حتى لو كان رداء العطاء إلا أني كنت و لا زلت أستريح لرغبتها في البحث عن أي خير في أي شر.

* تذكرت صورتها على هيئة "ستناد باي" أو سيارة جاهزة تم تسخينها لقضاء أي مشوار لأي إنسان سواء للبحث عن شقة أو عقار لأحدهم دون أن تشعره أنها تعبت و.. " على فكرة.. أنا عرفت الموضوع صدفة و قلت أقلكم إذا حبيتم" أو للبحث عن عروس لمن سرقه الزمن أو عن عريس لأي مـتأخرة في الزواج و طبعا تخرج معها لشراء فستان جديد أو للذهاب معها عند الكوافير.

* تذكرتها و هي تعتصر نفسها سعياً لقضاء أي ملحة لأي إنسان بصرف النظر عن ملته أو درجة القرابة و كأنها لمستفيدة و لو أن الموضوع مصلحة لغيرها.

* تذكرتها عندما علمت بعد عام كامل أنها دفعت عني مبلغ بالألفات.. و لم تخبريني بهذا .. وبعد أن أخبرتني -أنت يا ياسر- انك اكتشفت الأمر من خلال أوراق وقعت في يدك.. و تكون النتيجة:
" يا أولاد ..انتم مكبرين الحكاية كده ليه.. دي كانت هدية صغيرة لمحمود.. الله ..هو انتم خلاص كبرتم عليا و منعني من إهداء أبنائي و أحفادي أي شيء" حتى الهدايا سرية و تخفيها عنا كي لا نشعر انها تكلف نفسها.

* تذكرتها يا ياسر و هي تبحث عن الفرص للناس ""عمل ..سفر..زواج ..شراء محل.. أرض... عقار أو بيعة رابحة لعلان - "و تغتاظ لضياعها أكثر منهم و لا تهدأ إلا عندما تتذكر قضاء الله و مشيئته.

* تذكرتها و هي تسامح من لم يطلب منها السماح - و هذه لم أرها قط على هذه البسيطة عمليا أو واقعياً إلا منها.

* تذكرتها و هي تعاتب بلطف بلسمي يحلي الزعل و يزينه و أقف متعجبة و ربما مستاءة .. فكيف له أو لها أو لهم أن يشعروا بالخطأ؟!

* تذكرتها يا ياسر و هي تعطي مدعية أن الآخرين" هم - صدقوني - اللي أعطوا.. و هم اللي جابوا و هم اللي حرصوا .. هو أنا ممكن اكذب عشان خاطر مش عارف أصالح من على من.. استحالة طبعا؟!"

* تذكرتها و هي تختلق أي دافع كي تثبت للائمين أن ما تبذله لن يغضب احد و أن العطاء واجب و أن المهم أن ربنا يتقبل.

* تذكرتها و أنا أقرا عن توأمها طارق نصار و أتذكرها دوماً و أنا أشاهد الدكتورة عبلة الكحلاوي.

* تذكرتها و أنا أتمنى في نفسي و أقول متى تغضب ؟ متى تقتص؟ متى تؤنب ؟متى تنتظر؟

* تذكرتها و أنا أرى" دانتي "و تمنيتها مثلها لا مثلي .. فوجدت الشبه بينهما في الطهارة و طزاجة القلب لا مثلي كالمنتجات المحفوظة.

* تذكرتها و هي لا تنظر لحاجة الإنسان بكبرها أو صغرها و لكن بمدى احتياجه لها .. فهي تحقق أمنيات و أحلام و هوايات الآخرين.. لا مطالب و مساعدات فحسب.

* تذكرتها حينما قلت لي يا ياسر : لا كنت فاكرة نفسك ذي ماما زيزي؟!
فما المش لدور وأسكت .. لكن أرد عليك كلاعبة تنس معها "السيرف" و مصممة على الفوز في ماتش الحوار : و أنت فاكر نفسك ذي جدو ختيار إن شاء الله ؟ أصحا .. بونجوور!!
فنضحك كلنا و الموضوع يعدي.

* تذكرتها و هي تفعل ما تؤمن به لأنها ليست إمعة .. فلا تود فقط من يودها أو تقاطع من يجافيها أو يجافي معارفها .. و إنما الواجب واجب رضي الآخرون أم غضبوا..:" يا بنتي المهم رضا ربنا".

* تذكرتها و هي واقفة في المطبخ تصنع طعام سيؤخذ بالطائرة لأن هناك من قرر إقامة مأدبة أو حفلة سبوع أو عيد ميلاد و لكنه يرى أنها ابرع من مني عامر أو أي شيف أو محل في إقامة الولائم .. و في نفس الوقت تحضر طعام البيت.. رغم أن الطبخ عمره ما دخل ضمن هواياتها.. و لأنها تجيد ما لا تهوى .. فمن غرائب القدر أن يتصل بها الكثيرون عشان عايزين نشوفك.. و على فكرة نفسنا في" البيتزا" بتاعتك أو يا ريت تحضري لنا صينية مكرونة بشاميل و محشي دولما و قالب ترايفل.

* تذكرت أن مهارتها في الطبخ كانت مهارة معقدة نوعا .. جعلت من يفكرون عمل ريجيم يطالبوها يوميا بتجهيز طعام "الدايت" ثم أن أخر الأسبوع عليها تحضير وجبة " يوم التبويظ العالمي"!

* تذكرتها حينما كنت أكتفي بدور المقترح أو صاحب الفكرة.. ففلان في مأزق يا مامي أو في سجن و لا بد أن نشعره أننا معه .. فيكون عليها هي تنفيذ المقترح عمليا بالجهد و المال و ليس فقط بالأفكار و المقترحات .. يعني هي المخ و العضلات و المصروفات و الأفكار.

* تذكرتها حينما كانت تبحث " لجمال بن خالتي" عن هواية و لتكن الرسم على الزجاج أو على الحرير .. و حرصها على اختلاق أي مبرر .. فيكفيه انه شاب صغير و يشعر بالملل و عنده طاقه .. فلابد من البحث له عن هواية.. و أتذكر أن كل ما كان يشغلني هو هل سيتذكر جمال أنها كانت تفكر له و عنه و معه في يوم ما ؟ وهل سيتعلم هو في التفكير للآخرين و مساعدتهم ؟

* تذكرتها و أنا المس أن كل ما وضع على عاتقها لم يمنعها من الهم و الاهتمام بقضايا الإسلام و المسلمين .. مقاطعة و قاطعت. . منشورات و وزعت .. مظاهرات ووقفت بل و مشيت.. كتابات و كتبت .. تبرعات و جمعت و تبرعت .. دعوات و دعت .. تربية على حب هذا الدين و غرست.

* تذكرتها و هي لم تبدأ في تحقيق حلم حياتها في إنشاء حضانة للأطفال إلا بعد أسبوع من زواجنا يا ياسر، حتى أني اعتقدت أن ربنا قد أهداها أسبوع أجازة في أسوان مع بابي الله يرحمه بعد انتهائها من القيام بأعمال جهازي.. لتعود للتفرغ لحلمها بعد زواج و عمل الأبناء.. ثم تذكرتها و هي تتنازل عن حلم العمر "الحضانة" لأنها تريد أن تشغل أختها في عمل يلهيها عن أزمة مرت بها.. و ضروري تترك لها إدارة الحضانة كي تشعر أختها أنها الكل في الكل و لإعطائها ثقة في نفسها بأنها قادرة على النجاح في الحياة.

* تذكرتها و هي تصالح بين كل الناس .. أزواج و زوجات و إخوان و أخوات..أصدقاء أو أقارب في أوقات تتراوح بين الثالثة فجرا و العاشرة مساء و كل همها أن الموضوع يعدي و النفوس تصفى .. "و كله من الشيطان .. و كان كلام ساعة زعل .. و مش هنقف للناس على الواحدة .. و ما كانش قصده .. و ولا كانت تقصد .. لا لا لا .. انتم فاهمين الموضوع غلط .. و الله انتم مكبرين الموضوع .. دي الحياة قصيرة يا أولاد.. ما فيش وقت نضيعه في الزعل و الخصام.. خلينا نغلب الشيطان".

* تذكرت ضجري من شعوري أن بيتنا هذا ليس البيت المعمور.. ثم إن - حتى - البيت المعمور يسافروا له بتأشيرة و فيزا و تذاكر ذهاب و مثلها عودة .. و انه لا بد من وجود خصوصية لبيتنا .. مش تكية أصلها! تعالى تيجي .. اطلعي تطلع .. انزلي تنزل .. روحي تروحي .. جيبي تجيب.. سافري تسافر.. من عايز يصيف تبحث له عن شاليه .. من محتاج موبايل تشتريه له بكارت الشحن و تسلمه مشحون و جاهز عشان ينطق سيادته و يقول :الو!!!

. * هذه غضبانة و زوجها يخونها .. تهديها و تكلمه و تفوقه

. * هذا ناكر للجميل و قرر الطلاق.. تقف لتحصيل المؤخر و تبعاته

* هذا قرر الرجوع و العودة .. فتجتهد للم الشمل من جديد.. و الموضوع كان نزوة وعدت!

* هؤلاء قلقين من زوج ابنتهم .. فتكون مطالبة بلعب دور كولومبو و التقصي عنه و عن أخلاقه!
* هذا محتاج فرصة عمل .. فتوزع سيرته الذاتية على أمة لا اله إلا الله - و إن حكم - توزعها على الملل الأخرى و تتصل بالمعارف و كله بثوابه.

* هذه بحاجة للتدريب قبل التخرج من الجامعة :"و ماله. . نشوف الموضوع ده .. فقط أعطوني يومين تلاتة و اتصل بكم...

* هذا محتاج إعفاء من الجيش :"حاضر بسيطة.. تعرفوا ده فلان يقضيها على طول.. بس نكلمه.

* هذا يشكو من الم في سمعه .. فتقوم بالبحث عن أفضل الأطباء في هذا التخصص و تذهب للحجز ثم تعاود الذهاب للمصاحبة ثم الذهاب لشراء الدواء.
* هذه تم طلاقها و تريد بيع فستان فرحها أو شبكتها .. فتبحث لها عن بيعة و يظل الفستان مركون في دولابها بالسنين.

* هذا لا وقت لديه لتوصيل أبناؤه للنادي لأداء التمرين.. فتقوم بدور السائق و توصل الأشبال للنادي ثم تعود لتحصيل الأبطال من النادي و في الطريق: عايزين عصير و حاجة حلوة تصبيرة يا مامي زيزي
: "بس كده و ماله.. دا حتى أنا عطشانة و جعانة جداَ.. نجيب يا حبايبي"

* هذه تبحث عمن يسليها و يسمعها و هي تذاكر لأنها- يا حرام- ما بتعرفش تذاكر لوحدها :
" و ماله يا حبيبتي.. معاكي للصبح .. يا الله .. شنفي لي أذاني"!
: و السندوتشات و العصير ؟
:حالا يا حبيبتي يكونوا جاهزين.

لذلك فستجدها يا ياسر ضليعة في كل مواد الوزارة من ابتدائي لثانوي و ووارد جدا أن تجدها تلخص بعض الفصول لأحدهم أو تكتب موضوعات تعبير لآخرين أو تشرح باب في مادة الفيزياء أو الطبيعة أو تقوم بتسميع النصوص للبعض أو اختبارات إملاء بثلاث لغات كنوع من امتحان تجربة للكثيرين و الكثيرات.
* هذا يريد أن يتشرف بها و هو يخطب لابنه.. فتذهب و تجامل :" و والله أنتم مكبريني و عاملين لي قيمة .. ربنا يخليكم".
* هذه نسيت المفتاح داخل السيارة فطبعا لن تستنجد بزوجها و لن تجد إلا إسعاف "مامي زيزي" فتقوم فورا بنجدتها و الذهاب و تخليص الموضوع و :"الحمد لله طلعت بسيطة.. بس ما تبقيش تتخضي كده" J
* هؤلاء غضوب لأن أسم أحدهم سقط سهوا في النعي.. فتنشر استلحاق وتسافر و تصالح و معها وصل الإستلحاق الذي سينشر في الأهرام!
* هذا يريد فتوى معينة .. فيكون على عاتقها البحث عن أرقام هواتف الشيخ خالد الجندي أو دكتورة عبلة الكحلاوي أو الدكتورة سعاد صالح أو الدكتور عبد الله المسير !
* هذه تريد السفر لأداء فريضة الحج و طبعا لا تطمئن على ترك مهجة قلبها و رضيعتها إلا في أيدي أمينة كأيدي مامي زيزي.. و السفرية كلها شهر لا أكثر و لا أقل .
:" الله.. ربنا يكرمك على هذه الثقة الغالية.. اوعي تقلقي .. دي في عنيا ".

*هؤلاء أقارب من سكان الأقاليم يريدون ترك أبناؤهم عندها كام سنة لزوم الدراسة في الجامعة :" بس خليي بالك أصل البنت ما بتفطرش غير الجبنة رومي و لها أكل مخصوص"
: "و ماله .. بس هي تيجي .. و البيت مفتوح و يساعي من الحبايب ألف"
و الولد عايز يدخل الحربية و محتاج دعم معنوي .. فخلي بالك منه و هو قاعد عندك عشان عنده كشف طبي ..
" إن شاء الله ناجح .. و يبقى لواء أد الدنيا .. أنا واثقة في كرم ربنا"

* ثم أنها يا ياسر" مخلصاتية كبيرة " كونها متخصصة في مشاوير استخراج الرخص و دفع الغرامات و المخالفات و تجديد الكارنيهات واستلام البطاقات و تجديد جوازات السفر و حجز المطاعم أو غرف الفنادق أو تذاكر الطيران و طبع الأوراق و استلام الصور و النيجاتيف أو "السيديهات".. و البحث عن مدارس مناسبة و الذهاب لاستلام الشهادات مع الأحفاد ( صمام أمان في حالة الرسوب لا قدر لله) و شراء الطلبات و إرجاع أو استبدال بعض المشتريات بناء على طلب البعض و دفع الزكاة و الصدقات عن البعض الذي لا يأتمن أحد على هذا الأمر غيرها.. و البحث عن كتب أو مطبوعات نادرة و تسوية الضرائب و تخليص مشاكل التأمينات و مكاتب العمل .. لكن كله إلا بتوع الحي الله يسامحهم.." هؤلاء من أعلنت أنها فشلت في إجراء أي مفاوضات ناجحة معهم.

* وهؤلاء عائدين من الغربة .. إذا لابد من تنظيف البيت لهم فتحضر خادمة أو اثنين و تساعدهما بنفسها في تنظيف و تهوية و توضيب و فتح البيت و تسلميه على المفتاح: و بعدين بقه.. الفرندات ما اتمسحتش.. كده يزعلوه.. يعني الخدمة مش مية مية!

* هذا يريد أن يكمل نصف دينه .. فتبحث له عن شقة العمر و تشتريها له .. و يتزوج و ينجب ثم ُيسمعها تعليق من نوعية:
" هي دي شقة دي.. دي في منطقة شعبية.. ده مراد صاحبي جاله شقة في التجمع ".. فتبلع التعليق الصدمة في صمت و كأن أحداً لم يهن و كأن أحداً لم يجرح : "و أكيد زلة لسان و ما كانش يقصد!!
* هذه حملها عزيز لكن أخيرا حصل .. فلازم ُتخدم و تستريح تماماً و يجيلها الأكل لغاية السرير..
:"و ربنا يكرمها و يخفف عنها الحمل و يتمم لها على خير و يفتح نفسها!

* هذه متأزمة و عندها أمراض نفسية .. و هذا يشتكي من عقوق أبناؤه.. و هذه تشتكي من غدر صديقتها.. و هذا متوتر من معاملة رئيسه له .. و هذا يريد واسطة لنقله من فرع الجامعة في الاقاليم أإلى فرع القاهرة و أخر محتاج واسطة أخرى لنقله من مكان عمله في الصعيد إلى بحري و هؤلاء حانقون من تقلبات الزمن و تقلب الأحوال و الغلاء و شدة العوز المادي.. و هؤلاء أزمتهم وصلت للاستعانة بالمشعوذين و الدجالين.. و الجميع يطالبوها بالدعاء و يؤكدون عليها بل و البعض يكتب لها الدعوات في ورقة أو يمليها و هي تكتب أو يملوها لستة الدعوات فيكون عليها أن تتفهم و تسمع و تنصت و تعطي و تدعو.. و تهدئ من الروع و تبلسم و تخفف و تحتوي و تتحمل تجاوزات تصل لقلة الأدب أحيانا كثيرة: و كله هيعدي..بس ما تخافوش.. ده سبحانه الرزاق و كرمه واسع .. احنا علينا نكون مع ربنا نعم المولى و نعم الوكيل.

*هذا اتخض و فزع و يده خرت دم أو اتكهرب - يا حرام - فيهرع إليها و يهزها هزاً بل و يزلزلها حتى تخرج من صلاتها و تداوي الواوا .. فتختم الصلاة و تبدأ في الاحتضان و العلاج .. و يااااااااااه.. بسيطة ما تخافش خالص .. سلامتك ألف ألف سلامة...

*هذه بحاجة لمصاحبة في فترة الولادة.. "مكوك و هوب" تصعد البساط السحري بعد أن تكون صرفت كل معاشها لإحضار الهدايا للمشاركة و المصاحبة و التخفيف.. ثم تأتي علما بان هناك تحذير علني بان التعامل هنا تحول ل" هالب يور سالف"و لو سمحت إياكي تنسي المغات!!
و الغريب أنها تأخذ الموضوع بضحك: و الأولاد دمهم خفيف هاهاهها! ..

* أتذكرها يا ياسر بعد أن بدأت بعد الستين في التفكير في غلق الهواتف بعد العاشرة مساء حيث سيغلق باب طلبات المساعدة و يقفل خط النجدة و يعاد فتحه في التاسعة صباحاً!
مامي طلعت نفسها معاش مبكر يا ياسر.. فيها إيه لما كانت تنتظر عشرين سنة كمان!

* تذكرتها يا ياسر و هي تقيم ولائم رمضان للضيوف .. إلا أنها لا تنسي إقامة "مائدة رحمان" للفقراء.. تطبخها بجهدها و مالها .. بينما سواها يشارك بالمادة فقط .. و" لا يا جماعة.. دي مش مائدة رحمان .. دي حاجة على القد كده.. لكن المهم ربنا يتقبل.

* فعلا يا ياسر تذكرتها عندما قرأت في مقال "رجل الأمنيات" " إذا وقعت مصيبة سيكون أول من تفكر فيه.. وفي كل الأحوال فهو حاضر دائما عند المصائب، متوافر عند الشدائد".. فهي أيضا أول من تتذكرها في أي مصيبة و هي حاضرة للتخفيف عند الكوارث و متوفرة عند الشدائد.

* أتذكرها دائما و أبدا لا أنساها يا ياسر و لا تنسى.. كما لا أنسى ضيقي عندما حصلت على المركز الثالث كأم مثالية عن المنطقة من وزارة الشؤون الاجتماعية منذ نحو ثلاث أعوام و لم يشف غليلي إلا عندما علمت انه "كتر خيرهم إنهم فكروا يكرموها .. ما أصل لازم الأم المثالية تكون واقعة خالص.. و أحوالها المادية و المعيشية ضنك و تحت خط الفقر"

. اللهم تقبل عن أمي و توأمها طارق نصار ومن هم على شاكلتها إن وجد
اللهم ارزقهما الفردوس الأعلى دون سابقة عذاب أو حساب..
اللهم أرضى عنهما و أرضهما و بارك في ذريتهما.. اللهم أمين.
أشكرك مرة أخرى يا ياسر على تمرير هذا المقال و جزاك الله عني كل خير.

داليا
الدوحة
31- مارس 2008
------------------------------------------------------------------------------------


د.أيمن محمد الجندي : بتاريخ 3 - 3 - 2008

أحيانا تصبح الكتابة عملا لا يطاق.. حينما تكتب عن مُهمّشين تنحصر سعادتهم في قطعة لحم لا تأتي غالبا.. حينما تحاول أن تهرب من مشهد الباعة المتجولين يفترشون الأرض ببضاعة لا يتجاوز رأسمالها بضع جنيهات.. وجوههم منكّسة وملامحهم ذليلة وأجسادهم فتيّة تصرخ طالبة الطعام.. حينما يحدثك سائق "تاكسي" -يعمل في الصباح موظفا- عن فقيرات يلجأن إليه بحثا عن عمل يقيهن شر السؤال وتحرش اللئام ويطرن فرحا حينما يلحقهن بالعمل في محجر بالوادي الجديد مقابل مائة وخمسين جنيها شهريا.. وحينما أظهر دهشتي من تفاهة الأجر ينظر إليّ في غيظ مؤكدا أن هناك من تعمل – طيلة النهار– بنصف هذا الأجر.
- أنت عايش فين يا أستاذ؟.. هكذا يسألني في ضيق. وقتها أتذكر هؤلاء الذين تبلغ ثروتهم المليارات.. والمليار –للتذكرة فقط– ألف مليون.. هكذا أترك لخيالك تدبَّر الأمر.
حينما أرى وجوه الفلاحات "مكرمشات" مثل ثمرة طماطم ذابلة.. ويجتمع الفقر والمرض والجهل أتساءل بصدق لماذا أكتب ولمن أكتب!.
ولكن الأمر ليس دائما بهذه المرارة.. أحيانا تتحول الكتابة إلى عمل شديد الإمتاع.. حينما أكتب عن إنسان أحبه أو كتاب قرأته أو طعام أفضله.. والحقيقة أنني مارست كثيرا هذا النوع من الكتابة.. كان قلبي يمتلئ سعادة حينما أكتب عن نجومي المفضلين.. الشيخ "الغزالي" الأسد الهصور في ثياب شيخ، والقلب الرهيف تحت عمامة أزهرية.. الإمام "محمد أبو زهرة" أعظم فقهاء العصر الحديث وأقلهم حظّا.. "عباس العقاد" بتفرده وكبريائه وموسوعيته.. "أحمد بهجت" برقته وصوفيته.. "محمد عفيفي" بحزنه وظرفه.. "سومرست موم" الأديب الإنجليزي المشوق.. أخي المرحوم "ياسر" وبطولته.. أبي القاضي وزهده.. أمي بابتسامتها الوديعة وملامحها الحنون.
كتبت أيضا عن ثمار البرتقال المغسولة بحزن الشتاء.. ثمار الدوم بطعم الطفولة.. الطعمية الخضراء تسبح في الزيت المقلي.. حبوب الفول ترتدي العمائم الفاطمية.. الزلابيا الراقصة في بحيرات البجع..
وعرضت كثيرا من الكتب التي شكّلت عالمي وغيرت فكري.. عالم "محمد المخزنجي" الساحر، و"المنسي قنديل" المدهش، و"تشيكوف" المرهف، و"جلال أمين" المدافع الأبدي عن الفقراء والمساكين.
كل ذلك كتبته واستمتعت بكتابته مثلما يستلذ العاشق بالحديث عن معشوقته.. ويتحيّن الفرص ليحكي عن عطرها.. عن لون عينيها.. ملامحها حينما تقطب وحينما تضحك.. كرز شفتيها وفضة وجهها وليل شعرها.. وتلك الابتسامة العفوية حينما تفرح فيفرح معها الشمس والقمر.
واليوم أشعر أنني سأموت لو لم أحدثك عنه.. عن ذلك الرجل الجميل في عالمي.. رجل لن تسمع باسمه أبدا.. لن تقرأ اسمه في الجرائد ولن تشاهده مع "منى الشاذلي" في العاشرة مساء.. لن يستضيفه "معتز الدمرداش" في قناة المحور.. لن ترى أبدا يافطة تحمل اسمه ممهورة بفدائه بالروح والدم.. باختصار رجل عادي.
اعتدنا أن نتحدث دائما عن المشاهير.. الموتى منهم بالذات.. لكنني اليوم راغب في أن أحدثك عن إنسان لم يزل يدب على ظهر الأرض.. واحد من ملايين الناس.. لكنه برغم ذلك من أجمل من رأيت في حياتي.. إنه خالي "طارق نصار".
...............
طويل القامة.. عريض المنكبين، أميل إلى الامتلاء.. أشيب الشعر في نهاية الخمسينيات لكنه برغم ذلك يحمل وجه طفل وملامح طفل وقلب طفل.. يحمل ضميرا نقيا بالتأكيد وإلا فلماذا ينام في مقعده إذا كففت عن الحديث معه لمدة دقيقتين؟.. يعلق ابتسامة ساحرة ثم يعلو صوته بالشخير، ثم يستيقظ شاعرا بالذنب.
عمله مرهق جدا.. مهندس يعمل في صناعة تفريخ الدواجن وبيعها.. على حد قوله يتعامل مع أسوأ الناس طرا؟؟.. هؤلاء المراوغون المستعدون للجدال من أجل المليم حتى يوم الدين، والجاهزون لسرقتك قبل أن تغمض عينيك.. صناعة ضربت في مقتل بسبب إنفلونزا الطيور والقرارات العشوائية التي تصدرها الحكومة.. برغم ذلك لم ينحصر الرجل في مشاكله الخاصة ولكنه تميز بشيء لا نظير له بين الناس، وهو أنه يعتبر إسعاد الآخرين مهمته الأولى في الحياة.. فهو باختصار رجل لا يحيا لنفسه.
إذا وقعت مصيبة سيكون أول من تفكر فيه.. وفي كل الأحوال فهو حاضر دائما عند المصائب، متوافر عند الشدائد.. وحتى إذا حاول الهرب فإن المصائب هي التي تبحث عنه.
تجده دائما متورطا منذ شبابه المبكر.. حينما أعلنت حالة الطوارئ عام 1977 ذهب فورا إلى البقال المجاور لشراء ما يلزمه من الأطعمة.. أدار جهاز التلفزيون، وفتح شباك الشرفة فتسرب هواء الإسكندرية المنعش على الفور.. وسرعان ما افترش الأرض واضعا الجبن الرومي والبسطرمة والحلاوة أمامه.. باختصار كل ما يجعل الحياة ممتعة بالنسبة له.. لكن حظّه كالمعتاد حمل له مصيبة مؤكدة.. صديقه اتصل به طالبا المساعدة في دفن والده الذي أصابته رصاصة طائشة أثناء المظاهرات.. طلب منه الضابط في صرامة البحث عن سيارة فورا واستلام جثة والده ودفنها في الحال.. في هذا الوقت من السبعينيات كان امتلاك سيارة شيئا نادرا وكان خالي لسوء الحظ يملك واحدة.. وفي لحظات وجد نفسه يخوض الطرقات المظلمة بين دبابات الجيش ونقاط التفتيش.. وبين الحياة والموت والرعب من انفلات الأعصاب، ذهب إلى المشرحة لاستلام جثة والد صديقه المسجاة على الرخام البارد وسط عشرات الجثث ثم الصلاة عليها مع صديقه، ومنها إلى المقابر المظلمة باحثا عن "حانوتي" مهاود يقبل تعريض نفسه للرصاص.
.............
حينما يمرض أحدهم ستجده هناك يحمل ملفا طبيا يدور به على أقاربه وأصدقائه من الأطباء.. إذا وقع صديقك في مأزق وأردت أن تجامله –دون أن تتعب نفسك– فقل له وسيفعل ما تريد.. إذا أردت شريطا نادرا سيعتبر العثور عليه قضية عمره.. لو أردت مساعدته في شراء سيارة لك أو ربطة عنق ذات لون معين أو التنقيب عن سدادة أذن لأن الضوضاء تزعجك ستجده مستعدا.. تريد أن تتعلم السباحة أو تعلمها لابنك، ركوب الدراجات، قيادة السيارات.. كل هذا يفعله لك دون ضجر.
تخطط لفسحة في شرم الشيخ ؟.. رحلة صيد في البحر الأحمر.. توصيل شيء أو التخلص من شيء..عصفور يتيم.. هدهد أبيض.. ركب النمل.. زئبق أحمر.. تخطب عروسا.. تورط عريسا.. تتخلص من إزعاج طفل لأنك حساس جدا.. تحل مسألة عويصة في الحساب.. تعثر على كتاب نادر.. حل الكلمات المتقاطعة.. كل هذا وأكثر سوف يصنعه لك دون ضجر.. دون أن يعطيك أي إحساس بالمَنّ.
يستيقظ في الصباح الباكر.. يركب سيارته منطلقا بها لقضاء حوائج الناس.. المهمة والتافهة على حد سواء.. المهم عنده أنها تدخل السرور على قلوبهم.. يحمل في جيبه ورقة طويلة جدا لدرجة مضحكة ممتلئة بتلك الطلبات والمهام... يكتب كل شيء في صبر وإتقان.. دون أدنى شعور بالملل.. ثم ينطلق لتحقيق الأمنيات.. يشطب على الأمور المنجزة لتمتلئ الورقة من جديد بطلبات جديدة.
هكذا حياته وتلك سعادته منذ عشرات الأعوام.. يفعل ذلك لكل الناس.. صغيرا أو كبيرا.. يعرفهم أو لا يعرفهم.. فقراء أم أغنياء.. ضعفاء أو أقوياء.. قادرون على إنجاز أعمالهم بأنفسهم أو غير قادرين.. وغالبا لا ينال شكر أحد بعد أن تعوّد الكل على خدماته حتى صارت كالحق المكتسب.

ووسط جموع الناس يسير بقامته الطويلة ووجهه الطفولي وقلبه الكبير.. يسير دون أن يلاحظه أحد، دون أن يدري أحد –ولا هو نفسه- أنه يوجد في هذا العصر العجيب على ظهر ذلك الكوكب الكئيب واحد يمشي وسط الناس يدعى "رجل الأمنيات

0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية